سيرياستيبس : ساعات
عصيبة عاشها الشابّ السوري سيف (28 عاماً)، في طريق فراره من هذا البلد
الذي يقيم ويعمل فيه منذ قرابة 4 أعوام. وصل سيف إلى بورتسودان قبل نحو
أسبوع، وهو الآن ينتظر أن يبتسم له الحظّ، فيتمكّن من مغادرة السودان عبر
باخرة سعودية. رحلة النجاة من حيّ البحري، حيث يقطن، إلى المدينة الساحلية
التي باتت ملجأ الهاربين من فوضى الاقتتال، كانت محفوفة بالمخاطر. استغرقت
الرحلة أكثر من 10 ساعات لقطع مسافة لا تزيد عن 650 كم، وبتكلفة وصلت إلى
200 دولار أميركي. قبل
نحو أسبوعَين، استفاق سيف على صوت القصف وأزيز الرصاص. «في البداية، ظننتُ
أن ذاكرتي تسترجع أصوات الحرب التي سكنت رأسي على مدى سنوات، لكن للأسف،
كانت تلك الأصوات حقيقية فعلاً»، يقول سيف لـ«الأخبار»، مضيفاً أنه خلال
ساعات الصباح الأوّل بعد اندلاع المعارك، كان الخروج من المنزل إلى مكان
العمل شبه مستحيل، وسط تصاعد حدّة الاشتباكات. ومع مرور الساعات والأيام،
تَبيّن أن «محالّ السوريين وأرزاقهم سُرقت ودُمّرت منذ الأيام الأولى
للاشتباكات»، وفق سيف، علماً أن السوريين يسكنون، بشكل خاص، أحياء كافوري
وبحري والرياض، وهي جميعها تشهد اشتباكات اليوم. عبر
وسطاء وسماسرة، تمكّن سيف من مغادرة العاصمة الخرطوم، إلى بورتسودان، في
حافلة حملت على متنها 11 شخصاً مع حقائبهم الشخصية، هو السوريّ الوحيد
بينهم. وفي نهاية الرحلة، كان سيف قد دفع 220 ألف جنيه سوداني من جيبه
مقابل الوصول إلى الساحل، الذي ينشط على الطريق الواصل إليه قطّاعُ الطرق،
طالبين مبالغ طائلة للسماح للحافلات التي تقلّ الهاربين من الخرطوم وبقيّة
المدن الملتهبة بالوصول إلى الميناء الرئيس، حيث ترسو سفن الإجلاء
الأجنبية. وإذ يلفت سيف إلى أن «أحد السماسرة عرَض عليه تأمينه في رحلة
بحرية إلى جدّة، مقابل دفع مبلغ 400 دولار»، فهو يطالب حكومة بلاده
بالإسراع في إجلاء السوريين من السودان، «إلى أيّ دولة آمنة أخرى من دون
شروط مسبقة»، قبل أن تصل المعارك إلى مدينة بورتسودان، و«تسوء الأحوال
أكثر». وفي الانتظار، أنشأ الشاب، على تطبيق «واتسآب»، مجموعة باسم «أخبار
السوريين في السودان»، سرعان ما وصل عدد أعضائها إلى 819 سوريّاً مقيماً في
هذا البلد، يتداولون عبرها أخبار الجالية وتطورات أوضاعها، ويبحثون مصيرهم
المشترك، كما يتشاركون روايات رحلاتهم من المناطق التي كانوا يسكنونها نحو
مدينة بورتسودان.
السوريون يسكنون، بشكل خاص، أحياء كافوري وبحري والرياض، وهي جميعها تشهد اشتباكات اليوم أمّا
الشابّ الثلاثيني عُبادة، فلم يتسنّ له إصدار جواز سفر لابنته الحديثة
الولادة، من السفارة السورية في السودان، لتقتصر أوراقها حالياً على شهادة
ميلاد من المشفى الذي وُلدت فيه قبل أيام. يروي عُبادة، لـ«الأخبار»، مشاهد
من رحلته من حيّ العمارات الذي يعيش فيه إلى مزرعة في منطقة مدني، قائلاً:
«السيارات المحترقة تنتشر في الطريق، وهو طريق صعب وصحراوي ومخيف جداً،
وفيه قطّاع طرق، بالإضافة إلى المجموعات المسلحة، وكلّهم يطلبون مبالغ
باهظة، وكان السائق يدفع لهم مقابل السماح للحافلة بالعبور». لكن كلّ ذلك
يراه الرجل هيّناً أمام معضلة طفلته؛ إذ إن عدم حيازتها أوراقاً ثبوتية
يشكّل عائقاً أمام مغادرتها السودان، ما لم تتدخّل الحكومة السورية للتنسيق
مع الدول المجاورة لإجلاء عائلته. ولذا، يناشد حكومته قائلاً: «أنقذونا من
الموت، وأمِّنوا لنا ممرّاً آمناً، فأرواحنا ليست رخيصة». من جهته،
يقول القائم بأعمال السفارة السورية في الخرطوم، بشر الشعار، لـ«الأخبار»،
إن «السفارة تنسّق الجهود لإجلاء المواطنين السوريين من السودان، عبر إعداد
قوائم لأسماء الراغبين في المغادرة، بحسب المناطق الجغرافية، وبالتعاون مع
الجالية السورية». ويطلب الشعار من المجموعات الناشطة على خطّ عمليات
الإجلاء «تسمية شخص من الجالية على رأس كلّ دفعة، ليكون هو صلة الوصل مع
السفارة»، مشيراً إلى أنه «في المرحلة الأولى، سيتمّ إرسال طالبي المغادرة
إلى مدينة بورتسودان».
صفاء صلال
|