سلطان باشا الأطرش : ما خلّفتُه من رزق ومال فهو جهد فلاح متواضع تحكمه قواعد الشريعة السمحاء
الشيخ صالح العلي اشتغل بالزراعة وصناعة الحرير وتربية الماشية وتلقى دعماً من وطنيين في الداخل والخارج
إبراهيم هنانو كان غنياً .. جمع أثاث بيته وأحرقه معلناً الثورة وقال :
لا أريد أثاثاً في بلد مُستعمَر
سيرياستيبس – علي محمود جديد
للشرفاء والأبطال الحقيقيين حكايات مختلفة، كيف ثاروا على أعداء الوطن ..؟ بدافع وبتحريض تلقائي من وجدانهم وضمائرهم، ومن إحساسهم بالمخاطر والجور الذي ينهال على بلادهم، وذلك على العكس تماماً مما يفعله اليوم الخونة والمتآمرون الذين هانت عليهم بلادهم، وتصنّعوا ثورتهم المزعومة بعد أن انهالت عليهم أموال التحريض من أعداء البلاد .. ! فصاروا صنيعة لهم، ينفذون كل مآربهم ومخططاتهم، دون أي تفكير حقيقي عميق بالمصالح الوطنية .. ولا حتى سطحي، حيث يُشعروننا أنهم فقدوا كل حواسهم الوطنية وحتى الإنسانية، ولا يرون شيئا أولى من البحث عن ما يهين بلادهم.
لم يعد تمويل الدول الخليجية للإرهابيين في سورية سراً، ليفقد بذلك الارهابيون كل مزاعمهم بمعاني الثورة التي دأبوا من أجل ترسيخها زوراً وبهتاناً، وهذا لن يحصل أبداً لأن معاني الثورة لا تحتاج إلى ترويج ولا إلى طلب من أحد، فهي التي تتكلّم عن نفسها، ولذلك بقي الارهابيون إرهابيون ومجرمون، ولن تفيدهم وسائل التجميل أبداً، ولا مزاعم مكنات الإعلام، لأنهم هم من يتحدثون عن أنفسهم وعن تطلعاتهم البعيدة كل البعد عن معاني الثورة التي لا تصح إلا عندما تكون صادقة وتعمل من أجل حرية الشعب وعزته وتحقيق مصالحه، غير أن كل ما فعله الارهابيون من قتل وجرائم ونهب وتدمير، وتواطؤ مع الأعداء، كان باختصار عكس ذلك.
أما ثوارنا الوطنيين الذين انطلقوا لمقارعة الاحتلال الفرنسي فكان الصدق في دمائهم، ولم يعملوا إلا من أجل حرية الشعب وعزته وكرامته، وتحقيق مصالحه دون أي تواطؤ مع الأعداء، بل على العكس كانوا نيراناً في وجوه الأعداء.
وفي الوقت الذي ذلّ فيه الارهابيون أنفسهم لأموال تدفقت إليهم من أعداء سورية، ليزدادوا قتلاً ونهباً وتدميراً .. تنفيذاً لبرامج واستراتيجيات الأعداء، نسوا كل شيء وتمسكوا بالأموال لدرجة أن خلافات شديدة وقعت بينهم من أجل تقاسم الأموال، ما يؤكد خساسة التوجهات والأهداف.
أما
ثوارنا الوطنيين فكانت لديهم تطلعات أخرى بعيدة كل البعد عن مثل هذه الأهداف، وتمسكون
بلا حدود بالوطنية وبالمصالح الشعبية، وبحرية البلاد والعباد
وصية قائد الثورة
قائد الثورة السورية الكبرى المجاهد سلطان باشا الأطرش، أطلق وصية له في أواخر أيامه قال فيها :
بسم الله الرحمن الرحيم ..
إخواني وأبنائي العرب...
عزمتُ وأنا في أيامي الأخيرة، أنتظر الموت الحق، أن أخاطبكم مودّعاً وموصياً. لقد أولتني هذه الأمة قيادة الثورة السورية الكبرى ضد الاحتلال الفرنسي الغاشم، فنهضت بأمانة القيادة وطلبتُ الشهادة وأديتُ الأمانة. انطلقت الثورة من الجبل الأشمّ جبل العرب لتشمل وتعمّ، وكان شعارها: "الدين لله والوطن للجميع"، وأعتقد أنها حققت لكم عزة وفخاراً وللاستعمار ذلاً وانكساراً.
وصيتي لكم، إخوتي وأبنائي العرب هي أن أمامكم طريقاً طويلة ومشقة شديدة تحتاج إلى جهاد وجهاد: جهاد مع النفس وجهاد مع العدو. فاصبروا صبر الأحرار ولتكن وحدتكم الوطنية وقوة إيمانكم وتراصّ صفوفكم هي سبيلكم لردّ كيد الأعداء وطرد الغاصبين وتحرير الأرض. واعلموا أن الحفاظ على الاستقلال أمانة في أعناقكم بعد أن مات من أجله العديد من الشهداء وسالت للوصول إليه الكثير من الدماء. واعلموا أن وحدة العرب هي المنعة والقوة وأنها حلم الأجيال وطريق الخلاص. واعلموا أن ما أُخِذَ بالسيف، بالسيف يُؤخَذ، وأن الإيمان أقوى من كل سلاح، وأن كأس الحنظل في العز أشهى من ماء الحياة مع الذل وأن الإيمان يُشحَن بالصبر ويُحفَظ بالعدل ويُعَزّز باليقين ويُقوّى بالجهاد. عودوا إلى تاريخكم الحافل بالبطولات، الزاخر بالأمجاد لأني لم أرَ أقوى تأثيراً في النفوس من قراءة التاريخ لتنبيه الشعور وإيقاظ الهمم لاستنهاض الشعوب فتظفر بحريتها وتحقق وحدتها وترفع أعلام النصر. واعلموا أن التقوى لله والحب للأرض وأن الحق منتصر وأن الشرف بالحفاظ على الخلق، وأن الاعتزاز بالحرية والفخر بالكرامة وأن النهوض بالعلم والعمل، وأن الأمن بالعدل وأن بالتعاون قوة.
الحمد لله ثم الحمد لله. لقد أعطاني عمراً قضيته جهاداً وأمضيته زهداً، ثبتني وهداني وأعانني بإخواني، أسأله المغفرة وبه المستعان وهو حسبي ونعم الوكيل.أما ما خلّفتُه من رزق ومال فهو جهد فلاح متواضع تحكمه قواعد الشريعة السمحاء.
سلطان الأطرش )
أعتقد أن الأمر هنا لا يحتاج إلى شرح، لا لجهة التمويل ولا لناحية التوجهات والأهداف وسموّ المبادئ.
تمويل وأهداف الشيخ صالح العلي
وكذلك الأمر كان مشابهاً عند قائد الثورة ضد الفرنسيين في الساحل السوري الشيخ صالح العلي، فما هو معروف عن الشيخ صالح العلي أنه كان يُربّي دودة القز وينتج الحرير ويقوم بتربية الماعز والماشية ويقوم بزراعة الدخان وله إلمام بطب الأعشاب وهو من الأوائل الذين زرعوا شجرة التفاح في الجبل وكان يقوم بفلاحة أرضه بنفسه - وكذلك تلقّى الدعم من المغتربين السوريين في الأمريكيتين وخاصة في الأرجنتين والبرازيل وكذلك عائلة بيت الهواش المتوزعة بين نواحي صافيتا ومصياف وعائلة حرفوش - المقرمدة.
تحالفاته وطنية بامتياز
تحالف مع الملك فيصل خاصة بعد انعقاد المؤتمر السوري العام ومما هو معروف رفضه طلب مصطفى كمال له بالتنسيق بينهما دون معرفة الحكومة الوطنية في دمشق. وتعاون مع المجاهد إبراهيم هنانو قائد ثورة الشمال السوري في جبل الزاوية وأنطاكية تعاونا استراتيجيا مميزا، وتعاون مع المجاهد عمر البيطار في الحفة وكذلك مع المجاهد عز الدين القسام الذي قام بعد التصدي للفرنسيين ومضايقتهم له ذهب إلى الجنوب السوري فلسطين حيث قاتل الاحتلال الإنكليزي والمستعمرين الصهاينة، وقد أمّن الشيخ صالح في وقت لاحق إيصال عائلته إليه عن طريق سهل عكار. وكذلك تلقّى الدعم من بعض القبائل العربية في الفرات أمثال قبيلة الولدة ممثلة بزعيم القبيلة الشيخ علي البرسان وكذلك عائلات مدينة حماة. ومن عائلات تلكلخ وخاصة الدنادشة الذين قاموا بإشعال الثورة في مناطق تلكلخ ومدّوا الشيخ صالح العلي بالسلاح والمال والرجال ولم يألوا جهدا في صمود ثورة الشيخ صالح. كذلك قامت عائلة الشيخ علي عيد " أخوال الشيخ صالح العلي من قرية بشراغي " بتقديم الدعم الكامل للشيخ والثورة بالمال والرجال والسلاح واستشهد بعضهم في المعارك. ومن العائلات التي ساهمت مساهمة كبيرة بدعم الشيخ صالح العلي عائلة آل حرفوش المقرمدة وتفرعاتها في الجبل والساحل وبقية سوريا حيث ساهمت هذه العائلة وبما تملكه من رصيد ديني واجتماعي ومادي وعبر شبابها ومشائخها بتقديم الدعم المادي والمعنوي طيلة الحرب وما بعدها وقد اشترك الشيخ معهم بتأسيس بضع مدارس للتعليم في قرى الجبل. وقد برز منهم كثيرين كقادة في الثورة أو رجال دين داعمين ومبشرين للثورة ضد الفرنسيين.
أدبيات الشيخ صالح
وقد ترك ديوان من الشعر ومجلد كامل يحوي نسخ طبق الأصل لمجموع الرسائل التي تلقاها أو بعثها. وتوجد صور عن بعض نسخه لدى الكثيرين في سوريا - ومن ابرزها رسالة من المهاتما غاندي اليه ورده عليها ومجموعة رسائل مع الملك فيصل والشريف حسين ومشايخ جبل عامل ومع السياسي احسان بك الجابري والسياسي سعد الله الجابري والشهيد يوسف العظمة الذي التقاه قبل استشهاده بفترة قصيرة في (علية بيت مسوكر) في قرية السويدة قرب مصياف، وغيرهم من الشخصيات السياسية في سوريا والعالم العربي والعالم.
يقول الشيخ صالح :
ألا سيري رجال الحق سيري
وناديني لــدى ذكــرِ البـــشير
لــــدى ذكرِ المرجَّى بالظـهور
لدى فتح الـــــقلاع مع الثـغورِ
وقــد جُعلوا طعامًا للـنــــسورِ
فسيري يا رجال الحق سـيري
إلـــى حقًّ إلى رشـــدٍ وديـــنِ
إلى مثوى إلــــى ركــنٍ متينِ
بمولاي اســـتـعنتُ وذا معيني
على أحــزاب شــــيطانٍ لــعينِ
وخاطب الشيخ صالح المستعمرين يقول:
بني الغرب لا أبغي من الحرب ثروة ولا اترجى نيل جاه ومنصبِ
كفاكم خداعا وافتراء وخسة وكيدا وعدوانا لأبناء يعربِ
تودون باسم الدين تفريق امة تسامى بنوها فوق لون ومذهبِ
ولكنني أسعى لعزة موطنٍ أبي ، إلـى كـل الـنـفوس محببِ
وما شرع عيسى غير شرع محمد وما الوطن الغالي سوى الأم والأبِ
أما إبراهيم هنانو ..
نشأته
ولد الثائر العربي السوري الكبير إبراهيم هنانو في بلدة "كفر تخاريم" في محافظة إدلب، نشأ في أسرة غنية. كان والده سليمان آغا أحد أكبر أثرياء مدينة كفر تخاريم، ووالدته كريمة الحاج علي الصرما من أعيان كفر تخاريم. أتم الدراسة الابتدائية في كفر تخاريم، ثم انتقل إلى حلب حيث أتم دراسته الثانوية.
ثم تابع دراسته لأربع سنوات في الأستانة، وعاد إلى أهله ليغادر مرة ثانية إلى إسطنبول وينهي دراسة الحقوق بعد ثلاث سنين أخرى.
بعد إنهاء دراسته عين مديراً لناحية في ضواحي إسطنبول لمدة ثلاث سنوات، حيث تزوج. بعد انقضاء هذه المدة تم تعينه قائم مقام بنواحي أرضروم ليبقى فيها أربع سنوات، ثم ليتم تعينه بعدها قاضي تحقيق في كفر تخاريم، حيث بقي فيها ما يقارب الثلاث سنوات.
انتخب عضوا في مجلس إدارة حلب لمدة أربع سنوات، وعين بعدها رئيسا لديوان الولاية لمدة سنتين وذلك عند رشيد طليع والي حلب، والذي شجعه على الثورة في الشمال بالتنسيق مع الملك فيصل. وتم انتخابه ممثلا لمدينة حلب في المؤتمر السوري العام في دمشق في دورة (1919 - 1920).
في منزل قائم مقام ادلب عمر زكي الأفيوني وفي أواخر عام 1919 عقد اجتماع برئاسة هنانو، ضم كبار وجهاء إدلب والمناطق المجاورة لها، وكان جمعة بيك بن سليم آغا النجاري ممثلا عن منطقة جسر الشغور، وعدد من الوطنيين من أنطاكية والحفة واللاذقية، لتنظيم شؤون الثورة، وتم الاتفاق على اختيار هنانو لتأليف قوات عربية لمشاغلة الفرنسين الذين احتلوا مدينة أنطاكية والتي كانت تحت سيطرة عزة هنانو، أخي إبراهيم، والذي اضطر لتسليم المدينة بناء على أوامر الحكومة العربية في سوريا.
قام هنانو بعد ذلك بجمع أثاث بيته وأحرقه معلنا بداية الثورة وقال جملته المشهورة: ( لا أريد أثاثاً في بلد مُستعمَر ) وكان أول صدام مسلح بين الثوار والقوات الفرنسية في 23 أكتوبر 1919م، حيث استمر القتال قرابة سبع ساعات.
ومسيرة المجاهد إبراهيم هنانو مفعمة بالوطنية ومناهضة الاحتلال لبلاده والسموّ فوق مظاهر التفرقة كلها.
في الحقيقة إننا مع نفحات عيد الجلاء في هذه الأيام نقف بإكبار وإجلال أمام هذه القامات الوطنية الرائعة المزيّنة بأكاليل الغار والبطولة والفداء، معلنين أن هؤلاء هم قدوتنا .. وكل واحد منهم لا ينفصل عن مثلنا الأعلى ولا عن مبادئنا وتطلعاتنا، ولا عن مشاعرنا الوطنية الكبرى التي رسخها في أعماقنا الرئيس القائد الراحل حافظ الأسد، ويتابع بعده الرئيس الغالي الدكتور بشار الأسد، مؤكداً استمرار هذا النهج الوطني المخلص، لتبقى سورية حرة أبية، وصاحبة قرارها وسيادتها.
المصدر:
http://syriasteps.net/index.php?d=152&id=181546