سيرياستيبس :
مشهد السيارات الكهربائية التي أصبحت تتجول – ولو بأعداد قليلة جداً – في العاصمة دمشق غريب على سكانها، فمجرد وجود آليات تسير على الكهرباء في ظل غياب شبه كامل للكهرباء عن منازلهم هو محط لكثير من التساؤلات عن كيفية وجودها في الأسواق، وعن كيفية شحنها بالكهرباء، وغير ذلك الكثير من الأسئلة، هذا أولاً، وثانياً يأخذنا الحديث السابق للسؤال عن قرار السماح بتجميع السيارات الكهربائية محلياً وإمكانية وجدوى مثل هذا القرار وتأثيره في القطع الأجنبي الذي نعاني أساساً من شح كبير فيه يؤدي إلى مشكلات كبيرة في الاقتصاد.
وعن الموضوع بيّن الخبير في قطاع السيارات ومن ضمنها الكهربائية عامر ديب، أن بعض السيارات في الشوارع مستوردة من الشركات المدرجة ضمن قانون الاستثمار رقم 18، إذ يحق لها استيراد أنواع متعددة من الآليات من ضمنها السيارات الكهربائية، حيث يتم استلامها عن طريق المناطق الحرة، معتبراً أن التحول لاستيراد السيارات الكهربائية من هذه الشركات يعد أمراً له رؤى اقتصادية وتنموية مهمة، من جهة أن تكلفة صيانة السيارات الكهربائية تقل عن تكلفة السيارات التي تعمل على «البنزين» بنسبة تتراوح بين 40-60 بالمئة وهذا يشكل فوائد اقتصادية لهذه الشركات.
وفيما يخص السيارات السياحية، أشار ديب إلى أن أكثر السيارات القادمة إلى سورية مصدرها الأردن، ويتم شحنها بواسطة المولدات، وهذا يعطي إشارة إلى أن هذه السيارات تعد عملية للسفر، فلو كانت سورية مخدمة من ناحية وجود محطات للشحن، لازداد عدد هذه السيارات.
وأشار إلى أنه سبق أن أصدرت اللجنة الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء قراراً بإعادة السماح باستيراد مكونات السيارات وفق نظام CKD لشركات تجميع السـيارات ذات الصالات الثلاث، وتخصيص 10 بالمئة من الإنتاج الفعلي للسوق المحلي، و90 بالمئة للتصدير، فقامت مؤخراً شركات عديدة تعنى بمجال الصناعة والاستثمار بمخاطبة وزارة الصناعة لزيادة نسبة السوق المحلية من الإنتاج لتصبح 15 بالمئة، وقد تجاوبت الحكومة لذلك وأصدرت قراراً بزيادة هذه النسبة، معتبراَ أن ذلك سيزيد عدد الشركات ذات الصالات الثلاث لتجميع السيارات الكهربائية، لافتاً إلى وجود 5 شركات من هذا النوع، متوقعاً أن يتم طرح أول سيارة كهربائية ذات تجميع سوري بعد مضي 5 أشهر.
وتابع: «هناك بند مهم بالقرار تم فيه ذكر توصيات اللجنة الاقتصادية بأن التمويل سيكون خارجياً لمستوردات قطع تجميع مكونات السيارات، وسيتم إيداع مبيعاتها بالليرة السورية في حسابات المصرف المركزي، أي سيكون هناك زيادة على طلب الليرة السورية وهذا يحقق قوة لليرة السورية ودعماً لها».
وفي السياق، أشار ديب إلى أنه من المتوقع إنشاء أول محطة لشحن هذه السيارات العام القادم، ومن الممكن إنشاء محطات أخرى ولكن يعود ذلك إلى حجم التصنيع وحجم هذه السيارات في السوق السورية.
وأكد ديب أن تصنيع السيارات الكهربائية من شأنه جذب استثمارات اقتصادية في قطاعات أخرى، كما أن ذلك يؤدي إلى تفعيل التعاون الاقتصادي بين سورية والصين على اعتبار أنها تعتبر رائدة في مجال تصنيع السيارات الكهربائية وتستحوذ على أكثر من 50 بالمئة في سوقها بالعالم، أي إن ذلك قد يخلق اتفاقيات لتشجيع الاستثمارات في سورية.
تبدأ بـ 200 مليون ليرة
وحول أسعار هذه السيارات، أشار ديب إلى أنه من المتوقع أن تبدأ أسعارها من 200 مليون ليرة بشكل مبدئي، وقد يختلف ذلك تبعاً لنسب التضخم والمؤشرات الاقتصادية حينها، ولكن حتماً ستكون أسعارها أقل من أسعار بعض السيارات التقليدية، على اعتبار أن التجميع المحلي لا يخضع إلى الكثير من الضرائب والرسوم الجمركية المرتفعة، وذلك بسبب الإعفاءات على مستلزمات الإنتاج وتسهيلات استحضارها، كما ستؤدي هذه السيارات إلى انخفاض في أسعار سوق السيارات المستعملة بنسبة تتراوح بين 30-40 بالمئة في العام الأول.
يذكر أن توصية اللجنة الاقتصادية التي صدرت في أيار من العام الحالي، كانت قد ذكرت من ضمن الاشتراطات أن يقوم مصرف سورية المركزي بوضع آلية تضمن أن يكون تمويل استيراد مكونات تجميع السيارات خارجياً، وألا يتم التقدم للحصول على أي تمويل من المصارف العاملة أو شركات الصرافة وعدم اللجوء إلى السوق الموازية إطلاقاً، إضافة إلى ضمان إدارة الحسابات التي يتم فتحها لكل شركة لإيداع ثمن المبيعات من السيارات المنتجة محلياً، بالليرات السورية، حيث يتم إيداع قيمة كل سيارة بالحسابات قبل تسجيلها في دوائر النقل، وأن يتم التصرف بهذه الإيرادات في مشاريع إنتاجية حصراً داخل سورية، وعدم إدخالها إلى السوق الموازية لشراء القطع الأجنبي.
وحول ذلك، كانت وجهة نظر الخبير الاقتصادي محمد كوسا مخالفة لما يقال بأن هذه التوصية ستمنع انخفاض قيمة الليرة السورية، حيث تساءل في تصريح خاص عن مدى وجود تمويل خارجي بالقطع الأجنبي للمستورد، ففحوى التوصية يتطلب إما وجود أشخاص بالخارج سيشاركونه بالتصنيع أو أن يكون لديه حساب خارجي بالعملة الصعبة ليقوم بعملية التمويل من خلاله، لافتاً إلى أن هذه الاشتراطات لا تشكل حلاً حقيقياً بعدم الضغط على القطع الأجنبي أو على السوق المحلية، متابعاً: «في حال كانت الغاية حماية النقد الأجنبي في سورية من خلال منع تزايد الطلب عليه وانخفاض قيمة الليرة السورية، فإن المسألة تحتاج حلولاً أخرى من خلال وجود ضمانات بوجود شركاء خارجيين للمستثمرين قادرين على التمويل، أو أن تكون الشركات المانحة الأجنبية نفسها لديها الإمكانية بتوريد قطع التبديل وتمويل عملية إدخالها إلى سورية، مع إيجاد ضوابط لذلك».
ما الجدوى؟
وتساءل كوسا عن جدوى أن يكون التوجه لتجميع السيارات الكهربائية من ضمن التوجهات الحكومية والسياسات الاقتصادية خلال الفترة الحالية، وإذا كان هناك فائدة محلية من هذه العملية؟
وفيما يخص الشق الثاني من الاشتراطات القاضي بالتصرف بإيرادات مبيعات السيارات بمشاريع إنتاجية في سورية وعدم إدخالها للسوق السوداء لشراء قطع أجنبي، حاول كوسا شرح العملية بأنها عبارة عن تأمين قطع أجنبي لاستيراد مكونات السيارات، ثم القيام بعملية التجميع، وبيعها بالليرة السورية حصراً، واستثمارها بمشاريع إنتاجية بالليرة السورية أيضاً وعدم السماح بإخراج قيمة المبيعات، وبذلك يكون المستثمر قد استثمر إيرادات البيع بمشاريع إنتاجية وقد يضطر إلى تحويل الفائض من العملة المحلية إلى قطع أجنبي بالمستقبل، معتبراً أن ذلك الأمر هو دوران بحلقة مفرغة، كذلك الأمر في حال كان الشركاء هم شركات أجنبية، فهم سيطالبون بثمن قطع التبديل بالعملة الأجنبية وهذا سيشكل ضغطاً على المستثمر السوري
وفي السياق، تمنى كوسا لو تم تحديد المشاريع الإنتاجية التي سيتم التصرف من خلالها بإيرادات مبيعات السيارات المصنعة محلياً، فهل تم تحديدها مسبقاً من الحكومة أم إن الأمر عشوائي، ويجب أن يكون هناك توضيح أكبر لاختصاص هذه المشاريع.
ورأى كوسا أن هذه الاشتراطات تعد تغطية لإبراز أن عملية استيراد مكونات السيارات الكهربائية لتجميعها، ستكون إيجابية وستؤدي إلى نتائج إيجابية، ولكن ما هي إلا عودة للمشاكل ذاتها التي يعاني منها الاقتصاد السوري والمتمثلة بالضغط على القطع الأجنبي أو تأمين قطع تبديلية بوسائل متعددة، فيجب وضع خطة واضحة وبرنامج محددة للحصول على أفضل نتائج.
جلنار العلي
المصدر:
http://syriasteps.net/index.php?d=133&id=197215