سيرياستيبس
على رغم الإعلان عن تدفق الغاز الأذري بداية من الشهر الجاري، شهدت سوريا وضعاً كهربائياً صعباً للغاية خلال الفترة الماضية ترافق مع ارتفاع كبير في درجات الحرارة وصل إلى 48 درجة في بعض المناطق، وسط تساؤلات عن الغاز الأذري، الذي قيل إنه سيحسن ساعات الوصل الكهربائي ويرفعها إلى 10 ساعات يومياً، بينما عبر مصنعون عن أملهم في خفض أسعار الكهرباء مع قدوم الغاز الأذري، مؤكدين أن الصناعة السورية تحتضر نتيجة ارتفاع أسعار الكهرباء، التي تصنف بأنها الأغلى عالمياً بمعدل 20 سنتاً للكيلو واط الواحد.
وزير الطاقة السوري محمد البشير أعلن، أول من أمس الإثنين، أن سوريا شهدت بداية من أمس الثلاثاء تحسناً ملموساً في واقع التغذية الكهربائية.
موضحاً في تصريحات إلى وكالة الأنباء السورية "سانا"، أن هذا التحسن جاء نتيجة وصول كميات من الغاز الأذري عبر الأراضي التركية إلى محطات توليد الطاقة، مما أسهم في زيادة كمية الكهرباء المنتجة ورفع القدرة التشغيلية لعدد من المحطات التي كانت متوقفة أو تعمل بجزء من طاقتها خلال الفترة الماضية.
لافتاً إلى أن تدهور محطات التوليد وتوقف بعضها، إضافة إلى نقص الغاز قلص ساعات التشغيل إلى أربع وخمس ساعات يومياً، وعلى رغم رفع القدرة التوليدية إلى نحو 5 آلاف ميغاوات.
وكشف عن إعادة تأهيل خط الغاز بين سوريا وتركيا لتوريد 3.4 مليون متر مكعب يومياً من الغاز الأذري، مما قد يرفع ساعات التشغيل إلى 8–10 ساعات قريباً، مع مفاوضات لشراء 2.69 مليون متر مكعب إضافية لزيادة التغذية الكهربائية بساعتين إلى ثلاث ساعات.
المسؤولون السوريون ومعهم الأتراك صرحوا مراراً بأن الغاز الأذري سيسهم في تحسين الكهرباء لـ5 ملايين مواطن سوري، لكن كيف سيؤثر الغاز الأذري في الصناعة السورية التي تعاني ارتفاعاً كبيراً في الكلف وصعوبة في المنافسة نتيجة أسعار الكهرباء التي وصفوها بأنها الأغلى في العالم، وهل ستوفي الحكومة السورية بوعودها بخفض أسعار الكهرباء الصناعية في وقت بدأت فيه حملة ترويجية لرفع أسعار الكهرباء في البلاد بحجة أن أسعارها صفرية؟
بينما يقول المصنعون إن قطاع الكهرباء خدمي وليس ربحياً، ويجب أن تكون أسعاره مساعدة على رفع وتعزيز تنافسية المنتج المحلي.
وكثيراً ما كان السؤال المطروح منذ الإعلان عن استيراد الغاز الأذري، هو من أين سيتم تأمين ثمنه؟ وحيث يبدو واضحاً أن تسديد الفاتورة سيكون من خلال رفع أسعار الكهرباء في البلاد بما فيها المنزلي، لكن وزير الاقتصاد والصناعة نضال الشعار وعد المصنعين في اجتماع في مدينة حلب بأن الحكومة تعمل على خفض أسعار الكهرباء الصناعية إلى ما دون 12 سنتاً.
وفي تصريح صحافي قال الشعار، إن "الانفتاح السوري وتحرير الاقتصاد لن يكون دفعة واحدة، وسندعم الصناعة وفق نهج الاقتصاد الحر، أي بالمحروقات والكهرباء والمادة الأولية وتخفيف الضرائب".
مشيراً إلى أن سوريا كانت تصدر أكثر من 150 ألف برميل نفط يومياً، لذلك يأتي استيراد النفط والغاز في مقدمة معاناتها وإرهاقها اليومي، وهذا القطاع مرهون بعودة الجزيرة السورية من سيطرة "قسد"، لأن شمال شرقي سوريا خزان سوريا النفطي والغذائي وحتى المائي، وهذا الخزان مشلول ومسروق.
نعمل بأسعار كهرباء النظام السابق؟ من جانبهم لا يتوقف المصنعون في سوريا عن رفع الصوت محذرين من أن مستقبل مصانعهم على المحك إذا ما استمرت أسعار الكهرباء على ما هي عليه، فاليوم لم تعد مشكلتهم في وصول التيار إلى معاملهم، بل في ثمن التيار الذي يعد الأغلى في العالم، علماً أن كل مدخلات الطاقة الأخرى أغلى من أسعارها العالمية أيضاً كالفيول.
يبلغ سعر الكيلو واط الصناعي في سوريا 20 سنتاً، في حين لا يزيد سعره في مصر على أربعة سنتات، أما في الأردن فتعطى الكهرباء مجاناً في السنوات الثلاث الأولى لتنفيذ المشروع، وفي تركيا التي غزت منتجاتها الأسواق السورية فيبلغ سعر الكهرباء فيها 12 سنتاً، أي إن الصناعة السورية تعمل بكهرباء هي الأغلى عالمياً، مما جعلها عاجزة عن المنافسة خصوصاً في الصناعات التي تبدو الكهرباء فيها مادة أولية.
وقال مصنع سوري إلى "اندبندنت عربية"، إن الحكومة الحالية استمرت بأخطاء حكومات النظام السابق، في إشارة إلى أن أسعار الكهرباء المرتفعة تسببت في إغلاق كثير من المعامل وانتقال أصحابها إلى دول أخرى كمصر والأردن وتركيا، وبعض المعامل لجأت إلى تضييق إنتاجها على أمل خفض أسعار الطاقة قريباً، مشيراً إلى أن الفترة الحالية تشهد تأثير ارتفاع الكهرباء الذي يعد الأشد وطأة على الصناعة بسبب انفتاح الأسواق ونشاط التهريب، مما وضع المنتجات السورية أمام منافسة لا تقدر عليها، مؤكداً أن استمرار الوضع على ما هو عليه من دون اتخاذ قرارات قوية إلى جانب الصناعة سيؤدي إلى إغلاق المصانع، قائلاً "الصناعة السورية في خطر حقيقي وتحتاج إلى خطة إنقاذ وإنعاش سريعة؟".
كذلك، قال أحد المصنعين محمد سعد الدين، "لقد تأملنا خيراً بقدوم الغاز الأذري الذي من المفترض أن تكون له تأثيرات إيجابية في القطاعات الإنتاجية، إذ إن تعزيز الوفرة وزيادة الكميات المنتجة يمكن أن يكونا حافزاً لخفض سعر الكهرباء"، مستدركاً "لكن حتى الآن لا يبدو أن هناك آثاراً ملموسة على أرض الواقع يمكن أن نقول معها إن الأمور تحسنت، وننتظر الأيام المقبلة التي يجب أن تحمل أمرين معاً وفرة الكهرباء وخفض أسعارها".
موضحاً أن "هناك صناعات تشكل الكهرباء فيها العامل الأهم مثل صناعة البلاستيك التي تمثل الكهرباء فيها المادة الأولية الأساسية، وتأتي بعدها الحبيبات البلاستكية، وهذا يعني أن الصناعة المحلية عاجزة تماماً عن المنافسة".
وقال يحاول كثير من المصنعين الوقوف على ناصية الأمل بانتظار خفض أسعار الكهرباء والطاقة ومراقبة الاستيراد بصورة تمنع تأثيرها في الصناعة، مشيراً إلى أن تركيا التي صدرت إلى سوريا بمليارات الدولارات منذ سقوط النظام لديها حدود مضبوطة وكهرباء مدروسة ودعم صادرات وسياسات حمائية وداعمة.
موضحاً أن المصنع السوري يدفع مبالغ كبيرة للحصول على الطاقة، وهذا يشكل عامل ضغط سيؤدي إلى إغلاق كثير من المصانع، بل هناك كثير من المشاريع يتريث أصحابها في تنفيذها انتظاراً لخفض كلف الطاقة.
خفض أسعار الكهرباء إلى ما دون 12 سنتاً من جانبه يقول المصنع عبدالسلام يوسف، "منطقياً الغاز الأذري سيرفع قدرة البلاد على توليد الكهرباء، وهذا سينعكس على الجميع مواطنين وصناعيين ومزارعين"، مستدركاً "لكن المشكلة بالنسبة إلينا كمصنعين اليوم ليست في وصول الكهرباء إلى معاملنا، بل في الفواتير التي قيدت قدراتنا التنافسية".
مؤكداً لـ"اندبندنت عربية"، أن الغاز الأذري يجب أن ينظر إليه كخلاص للصناعة والإنتاج، وهذا لن يتحقق إلا باعتماد تعريفة كهرباء منافسة في الأقل لدول الجوار وفي مقدمها تركيا.
في سوريا تحصل المدن الصناعية على الكهرباء على مدار الساعة منذ سنوات خلال أيام العمل، وقبل سقوط النظام السابق لم تكن المشكلة في توفر الكهرباء وفقاً لأحد المصنعين في حلب فضل عدم ذكر اسمه، قائلاً "المشكلة تكمن في أسعار الكهرباء وانفتاح الحدود مما أفقدنا المنافسة، وتوجهت كثير من المصانع إلى العمل بالحد الأدنى وبعض المعامل توقفت إلى حين حل مشكلة الكهرباء".
وتابع المصنع الحلبي الذي أوقف معمله أخيراً وغادر إلى مصر للإشراف على معمل للأسرة هناك، أن "وزير الاقتصاد والصناعة وعد المصنعين بخفض أسعار الكهرباء إلى ما دون 12 سنتاً، وإذا ما تحقق ذلك فعلاً خصوصاً مع استيراد الغاز من أذربيجان الذي سيرفع إنتاج البلاد من الكهرباء في الأقل 30 في المئة، أعتقد أن الأمور قد تبدو أفضل بالنسبة إلى المصنعين الذين يحتاجون الآن إلى خفض أسعار الكهرباء بصورة مدروسة وتطبيق سياسات حمائية ودعم الصادرات".
مشاريع الطاقة لا تصرف بالسياسة وبحسب وزير نفط سوري سابق، فإن الغاز الأذري له أهمية في حل مشكلة الكهرباء في سوريا بمختلف حاجاتها (صناعي - زراعي – منزلي)، خصوصاً أن خط الغاز من حلب في منطقة "الرضوان" إلى منطقة "كلس" التركية موجود بقطر 36 إنشاً، حيث نفذ قبل عام 2010 من قبل شركة بلغارية لنفس الغاية، وهذا مؤشر لأهمية المشروع الموصول مع شبكة الغاز التركية بمنطقة كلس المربوطة مع الشبكة التركية بمنطقة اسمها ترك أوغلو، تقاطع مع خط غاز تبريز أنقرة".
وقال إلى "اندبندنت عربية"، إنه "عملياً الغاز الأذري سيأتي من ضمن الشبكة التركية التي تضم غازاً إيرانياً وأذريا وروسياً، لكن ما يهم هو المحتوى الحراري للغاز وليس المصدر، والكمية التي ستزود بها سوريا هي 3.4 مليون متر مكعب كمرحلة أولى، وهي تسهم بتوليد نحو 600 ميغا واط، وهذا الأمر جيد لتحسين واقع القطاعات كافة، وهذه الكمية إذا حسبناها على الكمية المولدة في سوريا والمقدرة حالياً بـ2300 ميغا واط فإن الكمية التي ستضاف إلى التوليد ستكون 30 في المئة، وهذا يعد تحسناً جيداً، مع الإشارة إلى أن مردود محطة (الرضوانية) في حلب التي سيصلها الغاز ذات مردود منخفض، ولو أن الكمية تذهب لمحطة أخرى (كمحردة) في حماة أو محطة (الدير علي) قرب دمشق فحكماً سيكون المردود أعلى من الكهرباء المولدة".
وأضاف، "طبعاً الأمر لم يتم حتى الآن، وهناك أمور فنية يجب تحققها أولاً والإجابة عنها قبل بدء الضخ، أولاً، هل ضغط الغاز الوارد من تركيا كاف لإيصال الغاز؟ ثانياً، هل ضغط الغاز كاف لوصوله إلى تدمر لإعادة رفع الضغوط؟ خصوصاً أنه لا يوجد خط غاز بين حلب وحمص مباشرة وحلب ترتبط بالشبكة السورية عبر خط غاز 24 إنشاً من تدمر إلى محطة الرضوانية".
وتابع "بصورة أو بأخرى أي توليد جديد سيؤدي إلى تحسين التغذية الكهربائية، ولكن ما يهمنا أن نصل إلى التحسين الذي يحقق نتائج، وهذا يتطلب زيادة في التوليد تقارب 50 في المئة وحينها ستظهر نتائج على الأعمال والخدمات وتنشط الحركة الاقتصادية، لا سيما إن ترافق ذلك مع إضافة مصادر جديدة من الطاقات المتجددة".
وأشار إلى أن ما تم أمر جيد ومهم ويبنى عليه، مستدركاً "لكن لن يحدث فرقاً إن لم تعمل الحكومة على تحسين واقع مجموعات التوليد في محطة حلب، وهذا يتطلب أموالاً ووقتاً واستقراراً سياسياً لا أراه محققاً حتى اليوم بالصورة المطلوبة، فواقع الكهرباء بائس جداً ولا يمكن معالجته بالتمني، الأمر يحتاج لزمن ومال وإرادة وحوكمة"، قائلاً "لا يوجد في سوريا مشاريع طاقوية تنفذ بالصورة المطلوبة حتى الآن، والحلول الإسعافية في مجال الطاقة والكهرباء والغاز هي صرف سياسي وليس علاجاً لمشكلة الكهرباء والطاقة"، مضيفاً "منذ الإعلان عن استيراد الغاز من أذربيجان كانت الأسئلة الأكثر طرحاً هي، هل هناك إمكانية فنية سواء من حيث ضغط الغاز وكميته للوصول أبعد من محطة حلب، وهل محطة حلب جاهزة لاستهلاك هذا الغاز؟ خصوصاً أنها تمتلك خمس عنفات بخارية تعمل على الفيول، وستعمل على الغاز بدل الفيول هناك عنفتان تم إعادة تأهيلهما، وما هو وضع باقي العنفات؟ وهل تم تأهيلها للعمل أم إننا محكومون بعمل عنفتين من أصل خمس كون الأخريات غير جاهزة فنياً؟ لذلك إذا كانت كمية الغاز متوافرة ولكن عنفات الاستهلاك في حلب غير جاهزة ولا يمكن إيصال الغاز لمحطات أخرى، فكل ذلك سيقود إلى خفض الكمية الموردة من الغاز وليس رفعها.
وختم حديثه بالقول "دائماً علينا أن ننظر إلى النصف الممتلئ، وهو أن الغاز الأذري سيساعد فعلاً في تحسين الواقع الكهربائي بمجرد تذليل العقبات التي تعترضه ويبدو أن هناك إصراراً على إزالتها".
يشهد قطاع الكهرباء في سوريا فجوة كبيرة، تبلغ نحو 5.2 غيغا واط بين القدرة على توليد التيار وتلبية الطلب الكامل، بسبب الأضرار الجسيمة التي تعرضت لها محطات توليد الكهرباء وخطوط النقل.
وتبلغ القدرة الحالية لإنتاج الكهرباء في سوريا نحو 1.3 غيغا واط، في حين يقدر الطلب الكامل بنحو 6.5 غيغا واط
وتمتلك سوريا حالياً نحو 14 محطة لتوليد الكهرباء، منها 11 تعمل بالغاز الطبيعي والوقود السائل، إلى جانب ثلاث محطات كهرومائية تقع في مناطق تسيطر عليها قوات قسد (قوات سوريا الديمقراطية)، في حين تتزايد الحاجة إلى بناء أربع محطات جديدة، بإجمال قدرة إنتاجية خمس غيغا واط، مع إعادة تأهيل المحطات المتضررة.
وبالنسبة إلى الغاز في سوريا فتنتشر الحقول بصورة مكثفة في الحسكة وتدمر في ريف حمص إضافة إلى دير الزور وأرياف دمشق.
وتحتل سوريا المرتبة 42 عالمياً من حيث الاحتياطات، إذ تقدر الهيئة الجيولوجية الأميركية احتياطات سوريا من الغاز الطبيعي في البحر المتوسط فقط بـ700 مليار متر مكعب وهي احتياطات لم تستخدم بعد، ويعد استثمارها أمراً مكلفاً ويحتاج لاستقرار سياسي وفترة زمنية لا تقل عن بضع سنوات.
ويقدر إجمال احتياطات الغاز في البلاد بـ250 مليار متر مكعب، وهو ما يمثل 1.2 في الألف من احتياط العالم
وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية "قسد" بصورة رئيسة على حقل "العمر" الأكبر في البلاد، و"التنك" و"جفرا" كذلك الأمر في "دير الزور"، وتسيطر على "الرميلان" في الحسكة وحقول أصغر في الحسكة والرقة، ويقع حقلا "كونيكو" للغاز في دير الزور و"السويدية" في الحسكة تحت نطاق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" كذلك، وهذه الحقول نفطية تحوي كميات من الغاز لا تستثمر استثمارها في الوقت الحالي.
الحكومة الحالية تسيطر بصورة رئيسة على حقول "الورد" و"التيم" و"الشولة" و"النيشان" النفطية في دير الزور، وحقل "الثورة" في الرقة، وحقل "جزل" في حمص، وتمسك حقل "الشاعر" أكبر حقول الغاز، وحقول "صدد" و"آراك" في حمص، ويتوقع أنه من الممكن أن تتقدم لحقول شرق دير الزور، بعدما سيطرت على كامل المدينة، ولكن هذا يحتاج لتفاهمات أكبر مع "قسد".
ويستخدم الغاز في سوريا لثلاثة أغراض رئيسة، أولها هو توليد الطاقة الكهربائية التي تستأثر بـ80 في المئة من إنتاج البلاد من الغاز، والثاني هو الاستخدام المنزلي، والثالث هو التصنيع.
وجاء اتفاق استيراد الغاز من أذربيجان لسد فجوة نقص الغاز بما يمكن الحكومة من رفع قدرة البلاد على إنتاج الكهرباء وتأمين حاجات البلاد في القطاعات المختلفة صناعي - زراعي – منزلي.
اندبندنت عربية
|