سيرياستيبس
تتعالى الأصوات بين فترة وأخرى، لتنذر بما قد يسببه تناول الخبز الأبيض من أمراض خطرة، داعية في الوقت ذاته إلى التوقف أو التخفيف للحدود الدنيا، والأفضل الاعتماد على البدائل..
وقد حاول الدكتور حسان خوجة أستاذ مادة التحسين الوراثي في كلية الزراعة بجامعة تشرين، مراراً أن يوصل تحذيراته عبر مراسلة الجهات المعنية من الأمراض نتيجة تبعات انتشار فطريات وسموم في بذار الأقماح، ليأخذها المؤتمنون على لقمة إطعامنا على محمل الجدّ.. فإثارة هذا الموضوع هي بمنزلة حجر نرميه في مستنقع مياه راكدة، لكنه حتماً سيترك أثراً مجدداً.
نتوقف عند هذا الموضوع الذي يمسّ صحتنا، وقد يبدو الأمر صعباً للوهلة الأولى، لكن لو توفرت الإرادة الحقيقية، حيث إن البدائل متوافرة بيسر وسهولة، ناهيك بوجود باحثين نفخر بهم، حتماً سنحصل على نتائج ملموسة وإيجابية.
إذاً ما المشكلات الناجمة عن تناول الخبز؟ وما الأمراض التي قد يسببها؟ وهل من بدائل يمكن اعتمادها؟ هي أهم نقاط موضوعنا هذا.
الخبز الأبيض يسبب أمراضاً عديدة.. والحل بتكاثر الأصول الوراثية للقمح والبدائل متوافرة من الحنطة السوداء والذرة
أسباب
يركز الباحث وأستاذ مادة التحسين الوراثي للقمح في جامعة تشرين د. حسان خوجة على نقطتين أساسيتين: الأولى المواد التي يفرزها فطر “الفيوزاريوم” نتيجة التخزين في مناخ عالي الرطوبة، والثانية نضج حقول الأقماح بشكل قسري، بمعنى يكون الحقل أخضر ويفترض علمياً أن يمرّ بمرحلة التمثيل الضوئي حتى تتشكل فيه مدخرات غذائية، وخلال فترة قصيرة لأيام معدودات يصبح القمح أصفر، أي يكون جاهزاً للحصاد، وهذا ما يسميه الباحثون النضج القسري لحقول الأقماح.
أصبحت وزارة القمح
وأضاف: كنا في الماضي نصدّر القمح السوري الذي يعدّ من أجود أنواع الأقماح العالمية (القمح القاسي) وإنتاجنا آنذاك كان يصل بين خمسة وستة ملايين طن، ونملك مخزوناً استراتيجياً يكفي لسنوات، وهذا الأمر بناء على تخطيط استراتيجي، وكي لا نكون تحت ضغط وتهديدات أمريكا للرضوخ لقراراتها من خلال الضغط الذي تمارسه على سورية بموضوع القمح، أو من خلال بعض التجار الفاسدين الذين يريدون الحصول على (الخوّة).
خوجة: ضرب القمح هي من خلال نشر مرض فطري اسمه “الفيوزاريوم” يفرز مواد لا تتفتت من خلال الطبخ ولا أثناء عملية الخبز
وبذلك أصبحت وزارة الزراعة آنذاك وزارة القمح، وتم استثمار الأراضي الصالحة للزراعة على آخر سنتيمتر، ناهيك بوجود باحثين وعلماء أكفاء، أنتجوا “شام 1 وشام 2 وشام 3 وشام 5 ..إلخ ” إلى أن جاء عدوان 2006 على لبنان، وانتصرت فيه المقاومة وبدأ يسطع نجمها لندخل مرحلة جديدة من الضغط على سورية بالقمح وصار الهدف ضرب قمحنا.
مشكلة القمح
يؤكد د. خوجة أن مشكلة القمح هي أن مادة الغلوتين التي تدخل في تركيبته قليلة، وهي تشبه العلكة أي مطاطة، إذا ما أعددنا سندويشة يتشقق الخبز، وهذا ما يؤكد أن الأمر تجاري بحت، ولتحسين الجودة تمت زيادة مادة “الغلوتين”، أي أصبحت العلكة كبيرة وعند بلعها تتوسع المعدة والأمعاء ويحدث عسر هضم.
لتحسين جودة الخبز تمت زيادة مادة “الغلوتين” وعند بلعه تتوسع المعدة والأمعاء ويحدث عسر هضم
نشر “الفيوزاريوم”
وأضاف: إن الطريقة التي تم بها ضرب القمح هي من خلال نشر مرض فطري اسمه “الفيوزاريوم” بشكل كبير، وهنا بيت القصيد بالدرجة الأولى، فهذا يفرز مادة سامة، ولكن للأسف لا تتفتت من خلال الطبخ ولا أثناء عملية الخبز، كما ساعد الجو الرطب على نمو تلك الفطريات.
خوجة: ضرب القمح هي من خلال نشر مرض فطري اسمه “الفيوزاريوم” بشكل كبير يفرز مادة سامة لا تتفتت من خلال الطبخ ولا أثناء عملية الخبز
تجربة مماثلة
يستذكر د . خوجة تجربة في الاتحاد السوفييتي أيام الحرب العالمية، وهي قصص مشابهة لصوامع الحبوب والبنى التحتية، حيث تم تخزين القمح في بيوت بلاستيكية، وضمن صوامع بلاستيكية أرضية والرطوبة عالية، ووسط هذا المناخ انتشر “الفيوزاريوم” فيها بشكل مرعب لأن الجو الرطب يساعد على انتشار نمو الفطر بسرعة، ومع ذلك تم طحنه وخبزه وكانت النتائج بالغة السوع من خلال السموم التي يفرزها هذا الفطر، وهذا ما يتسبب بإشكالات كثيرة تحدث للناس من أمراض سوء تغذية، جلطات، خلل هرمونات ونقص في الجهاز المناعي.. إلخ .
(شلف) أرقام!
أشبه بطقس سنوي وخلال موسم نضج القمح، تقوم اللجان أو الجهات المعنية بجولات تفقدية، ونرى السنابل مترعة بالأقماح والموسم يبدو ممتازاً، كما حدث في بعض السنوات، ويضيف د.خوجة: تتغنى الجهات المعنية بموسم جيد ويتم (شلف) الأرقام، ومن ثم تنخفض الأرقام إلى ما دون الربع! علماً أن سورية تستورد ٣٥ نوعاً من المبيدات، منها ٣٤ للقمح وحده، وهذا يعني وجود خلل ما تجب معالجته، ليتم تبريره لاحقاً بأسباب عديدة، منها الجفاف والصقيع كما هي العادة، ويعلق د.خوجة على ذلك بقوله: هذا الكلام مرفوض علمياً، بدليل أن روسيا لديها درجة الصقيع 20-30 تحت الصفر، ومع ذلك إنتاجها يزيد على مئة مليون طن سنوياً.
أمراض عديدة
إذاً تعود أسباب تدهور القمح لانتشار “الفيوزاريوم” والسموم الناتجة عنه، ويضيف د. خوجة: راسلت الجهات المعنية لتنبيهها بأن سورية ستستورد القمح بسبب انتشار مرض “الفيوزاريوم” الذي يسبب العديد من الأمراض، ومن ثم أصدرت وزارة الزراعة قراراً بوقف الرش للمبيدات لأسباب مجهولة.
تكاثر الأصول الوراثية
أمام هذا الواقع وللحلّ، ينصح د. خوجة بتنبيت القمح أو تجفيف الخبز، ليتم القضاء على السموم، والأهم يجب تكاثر الأصول الوراثية، إضافة إلى أن مزارعنا أصبح تاجراً لا يهمه سوى تحقيق أرباح كبيرة من خلال رش المزيد من المبيدات بشكل يومي، علماً أنني لست ضد البيوت البلاستيكية التي يتم رشها يومياً، وهذا ما تنتج عنه أمراض لم تكن أساساً موجودة، بسبب تراكم هذه السموم في الجسم. وختم حديثه بأنه: عندما تم تقديم رؤية استراتيجية للمحاصيل الزراعية في أحد المؤتمرات، توسمنا بها خيراً، لكن توقفت وبقيت حبراً على ورق، وتساءل: أين نتائج هذا المؤتمر؟ ولماذا لم تفعّل إلى الآن ولمصلحة من؟!
مزارعنا أصبح تاجراً لا يهمه سوى تحقيق أرباح كبيرة من خلال رش المزيد من المبيدات بشكل يومي
ما البدائل؟
تؤكد د. ليلى الضحاك – كلية الزراعة في جامعة حماة ضرورة الاعتماد على بدائل خبز القمح التي أصبحت شائعة بسبب الحاجة لتجنب “الغلوتين” أو البحث عن خيارات صحية أكثر ومن أهم البدائل المنتشرة.
“السورغم” أو الذرة الرفيعة
وتُستخدم في مجال التغذية بصناعة شراب السورغم لتحلية بعض المُنتجات الغذائية والمَشروبات الكحولية، إذ تحتوي هذه الحبوب الخالية من “الغلوتين” على مُركبات نباتية مفيدة تعمل مُضاداتٍ للأكسدة، وتُقلل من احتمالية الإصابة بأمراض خطرة، كما يحتوي الكوب الواحد من “السورغم” على 13 غراماً من الألياف و20 غراماً من البروتين و19% من حاجة الحديد اليومية، ويُمكن استخدام دقيق “السورغم” في صناعة الخبز الخالي من “الغلوتين”.
يُمكن استخدام دقيق “السورغم” في صناعة الخبز الخالي من “الغلوتين
الشوفان
أيضاً تحدثت د. الضحاك عن بديل آخر للقمح، وهو الشوفان، إذ تعد حبوب الشوفان من أفضل أنواع الألياف القابلة للذوبان، حيث وجد أن “البيتا” الموجودة في حبوب الشوفان تُقلِّل نسبة الكوليسترول الضار، وأن “البيتا غلوكان” تعمل على إبطاء امتصاص السكر في الأمعاء، وبذلك يتم الحفاظ على نسبة السكر والأنسولين بالحدود الطبيعية في الدم، حيث يحتوي كوب من الشوفان على 8 غرامات من الألياف و11 غراماً من البروتين، ثم إنه غني بالمغنيسيوم والزنك والسيلينيوم والثيامين.
الشوفان بديل آخر للقمح إذ تعد حبوبه من أفضل أنواع الألياف القابلة للذوبان
الحنطة السوداء
على الرغم من اسمها، إلا أن الحنطة السوداء هي بذرة تُشبه القمح، لكن لا علاقة لها به، وتصنف من الحبوب الخالية من “الغلوتين”، ووفق د. الضحاك، تحتوي الحنطة السوداء على نسبة عالية من مضادات الأكسدة, ووجد أن تناولها يساعد على تقليل بعض عوامل الخطر لأمراض القلب، كما يساعد في تحسين أعراض مرض الزهايمر، إذ يحتوي الكوب الواحد من الحنطة السوداء على 5 غرامات من الألياف و6 غرامات من البروتين، وهو مصدر غني بالمغنيسيوم والنحاس والمنغنيز، ويمكن إضافة الحنطة السوداء إلى الحساء والسلطات.
الحنطة السوداء وتصنف من الحبوب الخالية من “الغلوتين”
الذرة
تعدُّ الذرة – حسب د. الضحاك- من أشهر الحبوب الخالية من الغلوتين التي تستخدم في كل أنحاء العالم، وإضافة إلى كونها غنية بالألياف، تعدُّ الذرة مصدراً غنيّاً بمضادات الأكسدة، وخاصة “الكاروتينويدات”، وتحمل هذه المضادات العديد من الفوائد الضرورية لصحة العين وتحسين النظر، ويحتوي الكوب الواحد من الذرة على 4 غرامات من الألياف و5 غرامات من البروتين، كذلك تُعدُّ مصدراً غنيّاً بحامض “البانتوثينيك “وفيتامين B6 والثيامين والمنغنيز، إضافة إلى بدائل أخرى مثل الدخن والأرز البني.
((الضحاك: الذرة من أشهر الحبوب الخالية من الغلوتين التي تستخدم في كل أنحاء العالم))
الدخن
الدخن هو عبارة عن حبوب صغيرة تحسن من صحة الجسم العامة من خلال توفير الكثير من العناصر الغذائية الضرورية للجسم، حيث يمكن استخدامه في الوجبات الخفيفة وأنواع من الخبز، وهو خالٍ من الغلوتين وغني جداً بالنشاء، ومصدر جيد جداً للكثير من العناصر الغذائية .
الأرز البني
على الرغم من أن الأرز الأسمر والأرز الأبيض يأتيان من مصدر الحبوب نفسه، إلا أنه يفضل تناول الأرز الأسمر عن الأبيض بسبب احتوائه على نسبة عالية من الألياف التي يفقد الأرز الأبيض كثيراً منها أثناء عملية المعالجة.
وتبيَّن د. الضحاك أن هناك فوائد عديدة للأرز الأسمر، إذ وجد أنه يخفض نسبة خطر الإصابة بمرض السكري وأمراض القلب والسمنة، ويحتوي الكوب الواحد من الأرز البني المطبوخ على 3 غرامات من الألياف و6 غرامات من البروتين، وهو مناسب للأشخاص الذين يعانون من حساسية القمح.
تشرين