سيرياستيبس
كتب قسيم دحدل
في كلّ مرة نقرأ أو نسمع مطالبات قطاع المال والأعمال بإلغاء منصة تمويل
المستوردات وفتح باب الاستيراد لكلّ ما نحتاجه، فإن أول ما يتبادر لذهننا:
من أين سيقوم القطاع الخاص بتمويل مستورداته؟ وإذا كان -كما يعلن- سيمولها
ذاتياً فهذا يعني، منطقياً، أن الخاص يمتلك القطع الأجنبي الكافي حتى
يستطيع الاستعاضة عن المركزي والمنصة في تمويل مستورداته!.
وعليه، فنحن أمام احتمالين بوجود القطع الأجنبي مع الخاص: إما أنه موجود
معه داخل البلد، وإما خارجها، وهنا فالسؤال الذي يطرح نفسه: من أين سيعوّض
القطع الذي سيستورد به من الخارج، إذا كان سيبيع مستورداته من سلع ومواد
ومنتجات بالليرة السورية داخل سورية؟!.
في هذا الشأن نستذكر معاً ما كنا كشفناه هنا، وعلى لسان رئيس غرفة تجارة
دمشق السابق، قال: “بصراحة في مساء كلّ يوم يقوم التجار بتحويل ليراتهم
للقطع الأجنبي”، وهذا معناه أن السوق الموازية باستطاعتها تأمين النقد
الأجنبي من الداخل للتجار والصناعيين، وهذا هو أحد الأقنية التي تمكّن
القطاع الخاص من تمويل مستورداته، والسؤال: ما هو حجم السوق السوداء في
سورية؟! وإذا ما كانت بهذا الحجم القادر على تأمين القطع للخاص لتلبية
تمويل مستورداته، فهذا يعني أنه لا يزال سوقاً وازناً!.
أما إذا سألنا عن المصدر الخارجي لتأمين القطاع الخاص القطع الأجنبي
اللازم لتمويل مستورداته، فسنلحظ أن من أحد مصادر تأمين ذلك القطع هو
الحوالات المالية التي تتمّ بشكل غير نظامي، حيث يعمد القطاع الخاص مثلاً،
وبواسطة شخص في الخارج، إلى أخذ القطع الأجنبي ممن يريد تحويل مبلغ مالي
للأهل. وبالمقابل، إعطاء المرسل إليهم بالليرة السورية داخل سورية “أي
يأخذون دولار ويورو ويعطون ليرة في الداخل”، وهذا يعني أن هناك كتلة مالية
لا تزال قادرة على المضاربة في السوق!.
ما سلف يشكّل أحد مصادر القطاع الخاص في تأمين القطع، ولعلّ هذا ما جعله “واثقاً” من قدرته على طرح مطلب التمويل الذاتي للمستوردات.
إذاً وفي هذه الحالة، أصبح للقطاع الخاص مصدران لتمويل مستورداته: مصدر رسمي من المركزي عبر المنصة، ومصدر غير رسمي، ذاتي.
ما نريد الخلوص إليه هو أن هذين الخيارين في التمويل يفترض أن ينعكسا
إيجاباً على سعر الصرف لناحية انخفاضه، وبالتالي على قيمة الليرة السورية
لناحية زيادة قوتها الشرائية، وعلى الأسعار لناحية انخفاضها.. فلماذا لا
يحدث هذا؟!.
لعلّ الجواب قد يكمن فيما قاله أحد خبراء الاقتصاد: “إن سبب تراجع قيمة
الليرة السورية، يعود إلى احتفاظ المصرف المركزي بكلّ الدولارات التي وصلت
إليه وعدم بيعها في السوق”، والذي حذّر كما كنا حذّرنا مراراً من الارتفاع
المستمر في سعر الصرف نتيجة لذلك!.
ولعلنا منطقياً ننتصر لرأي الخبير الذي أكد “أن تخفيض سعر الدولار لا
يكون بمنع تداوله أو وضع سقف قسري لسعره، وإنما بتحويله من عملة صعبة
مرتفعة القيمة إلى عملة سهلة منخفضة بمتناول الجميع”.. وهذه هي القطبة
المخفية، وخبراء المركزي يعلمون ذلك ويعرفون كيف يتمّ ذلك، فما هو
رأيهم؟؟!.
|