هل هي مسؤولية اجتماعية أم إنسانية أم وطنية بامتياز .. وهل دخول قطاع
المال والأعمال وأصحاب الملاءات المالية غير الهينة من تجار ورجال أعمال
وصناعيين وحرفيين «الصاغة على سبيل المثال لا الحصر» ومستثمرين ومساهمين في
المشافي والجامعات والمدارس الخاصة والفنادق والمطاعم يحتاج إلى تحفيز من
هنا ودفع من هناك.
حجم الزلزال المدمر وتداعياته الكارثية كانا السبب الرئيس والمباشر في فتح
باب التبرعات الطوعية على مصراعيه، كل حسب ملاءته المالية الظاهرية أو
المعلن عن جزء يسير منها من جهة، في حين عمد البعض إلى ترك باب مساعداته
الخجولة المالية موارباً عسى ولعل يقتصر الأمر على ذكر أسماء الشخصيات
المتبرعة والانكفاء عن ذكر المبالغ المدفوعة التي لم ترتق بأي شكل من
الأشكال أو تحت أي مسمى لا بحجم النشاط التجاري ـ الربحي للمتبرعين ولا حتى
مع سمعتهم ومكانتهم التجارية. «القصة مو قصة تبرعات وبس»، القصة إنسانية ـ
أخلاقية ـ وطنية خالصة… القصة قصة عائلات منكوبة وأبنبة مدمرة وسيارات
مسحوقة .. وعائلات كانت قبل 6 شباط الماضي آمنة في وطنها .. مستقرة في
منازلها التي أصبحت أثراً بعد عين. هل الزلزال المدمر هو الذي حرك مياه
الدور الاجتماعي الراكدة لدى قطاع المال والأعمال؟ وهل استطاع هذا القطاع
تحمل جزء من مسؤوليته الاجتماعية خلال فترة الحرب الكونية على سورية؟،
وتفشي وباء كورونا، واليوم زلزال «6 شباط المدمر»وتداعياته الكارثية
الاقتصادية والاجتماعية والنفسية.
قد يرى البعض أن ما يقوم به قطاع الأعمال حالياً من حملات « تبرع «
ومبادرات هي فزعة عنوانها العريض إثبات الوجود والحضور، وعدم ترك ساحة
التبرعات «الكمية والنوعية» لعدد غير هين من الفنانين «ممثلين ومطربين ..»
ورياضيين ومغتربين سوريين .. في حين وصفها البعض الآخر بأنها مجرد محاولة
بسيطة لا بل وخجولة للتخفيف من وطأة ما حدث «طبعاً بعد إدراجهم لها تحت
بندهم الخاص للدعاية والترويج والإعلان»، في حين وصف فريق آخر ما يجري
بالخطوة الأولى التي تسبق عملية الانتقال إلى مستوى أعلى من المساهمة
بالمسؤولية الاجتماعية ليتخطى بذلك مرحلة العمل الإغاثي المعتاد في الكوارث
والحروب.
المسؤولية المجتمعية بحسب الأعراف ولا سيما وفق المواصفة القياسية «الإيزو» تنص على أن انتهاجها من قبل قطاع الأعمال والشركات سواء كانت للمجتمع أو للبيئة يجعلها جزءاً مهماً من قياس أدائها الكلي، لا أن تكون فقط بغرض الدعاية والتسويق.
توسيع الدور
الباحث والخبير الاقتصادي الدكتور علي محمد يرى إن نطاق المسؤولية الاجتماعية لقطاع الأعمال في سورية يجب أن يشمل مساهمة فعالة في تنشيط الاقتصاد وتخفيف معدلات البطالة والفقر، من خلال توجيه كتل مالية جيدة لهذا الغرض أو فتح خطوط عمل تصب في المنحى ذاته، وهذا يتطلب بطبيعة الحال جهة واحدة حكومية تدير الأمر بدقة وباحترافية اتجاه تحقيق المرجو من هذه المسؤولية المجتمعية، لا أن تظل مبعثرة الأهداف ومبهمة التوجهات وعديمة الأثر المطلوب الذي ينعكس على الاقتصاد قولاً واحداً.
ويضيف في حديث خاص للثورة، أنه وبنظرة للواقع خلال فترة ما قبل الحرب وخلالها، فإننا نرى أن المسؤولية المجتمعية لقطاع الأعمال تنحصر بتقديم بعض الإعانات لبعض الجمعيات التي تعنى بالشأن الصحي (ونسبتها اعتقد قليلة)، فيما يوجه أغلبها كتبرعات للأندية الرياضية وبعض الفعاليات الأخرى، إلا أن أثرها بسيط جداً.
وعليه لا بد من توسيع دور المسؤولية الاجتماعية في قطاع الأعمال لرفد الجهات الحكومية ببعض المساندة في تحسين مستويات المعيشة الصعبة التي يمربها المواطن السوري ولتكون بوابة للمس بعض مؤشرات التعافي الاقتصادي وتدعيم أساسيات ما يسمى بالتنمية المستدامة ولو بعد حين.
تجاهل دوره
من جانبه أمين سر غرفة تجارة دمشق وسيم قطان الذي لم يوافق رأي الاقتصادي محمد أكد أن الدور الاجتماعي لقطاع الأعمال كان متواجداً قبل الحرب بصيغ مختلفة من خلال جمعيات خيرية وطبية وإنسانية ورعاية إلا أن البعض حاول تغييب أو تجاهل دوره.
ويتساءل: لماذا تذهبون دائمًا إلى قطاع الأعمال أليس «المحامون قطاع أعمال والطبيب والمهندس هل يعملون بدون ربح؟» ، بالمحصلة التاجر الذي يستورد يريد أن يربح والصناعي الذي يصنع والمزارع … فحسب كلامه لا يوجد أي عمل بدون فائدة ربحية أياً كان.
ويطرح تساؤلاً آخر لماذا لم نر دوراً اجتماعياً للنقابات كما فعلت غرفة تجارة دمشق، فعلى سبيل المثال هناك في صندوق أحد النقابات أكثر من 300 مليار ليرة !!! أليس من المفروض أن تسهم ببناء مقاسم سكنية للمساهمة بصورة أسرع بحل جزء من أزمة إيواء المتضررين من الزلزال.
1408 دولار بالمتوسط
وبالعودة إلى الاقتصادي محمد الذي قال : «أعلنت غرفة تجارة دمشق عن قيامها بالتبرع لمنكوبي الزلزال الغرفة ككل، وكل عضو على حدة، وكان من الملفت قيامها بنشر قيمة تبرعات كل عضو من أعضائها بالاسم، وكان متوسط تبرعات الأعضاء 10 مليون ليرة لكل عضو، باستثناء أمين سر الغرفة تبرع بـ 500 مليون ليرة، علماً أن نشر الخبر لأول مرة تضمن تبرعات للبعض بـ 5 مليون وأحياناً أقل لكن ربما عُدّل البوست لاحقاً.
وبناء عليه، لو قمنا بحسبة هذه المبالغ على نشرة الحوالات والصرافة اليوم الصادر عن مصرف سورية المركزي والتي كان فيها سعر صرف الليرة أمام الدولار 7100، فهذا يعني أن تجارنا تبرعوا بقيم تقارب 1408 دولار بالمتوسط لكل عضو.
ليطرح عدداً من التساؤلات التي لم يجد لها إجابات منها على سبيل المثال .. لماذا لا يقوم قطاع الأعمال بالمساهمة بتدريب الكوادر البشرية عبر دورات مختلفة لصقل خبراتهم العلمية بواقع العمل؟ وهل يقوم قطاع الأعمال برعاية بعض المعاهد التدريبية، أو المساهمة بأقساط بعض طلاب الجامعات؟
والسؤال الأهم، هل يسدد قطاع الأعمال كل ما يترتب عليه من ضرائب للجهات الرسمية مساهمة منه بتطبيق القوانين، والتي تنعكس بدورها على مستوى معيشة المواطن، أم يتهرب ضريبياً، وهل يقوم ببعض النشاطات المجتمعية من الوفر المحقق من التهرب الضريبي؟
غير ملزمين قانونياً
عضو مجلس الشعب الدكتور محمد خير العكام اعتبر أن ما قام به قطاع الأعمال في سورية منذ الساعات الأولى للزلزال أكثر من المطلوب كجزء من المسؤولية الاجتماعية مع العلم أنهم قانونياً غير ملزمين بذلك لكن على المستوى الأخلاقي تحملوا لأنهم الأكثر قدرة على الدفع، شاكراً كل من قدم أي مساعدة ولكن الكارثة أكبر بكثير.
وأضاف أن البعض يصور التجار أنهم تجار حرب إلا أن ما رأيناه يجعلنا نرفع القبعة لهم وهذا رأيي الشخصي.
انخراط الجميع
رئيس غرفة صناعة حلب المهندس فارس الشهابي قال: قدمنا كغرفة نموذجاً ومثالاً كيف تكون المسؤولية المجتمعية ليس فقط خلال الوقت الحالي وإنما منذ بداية الحرب، فلدينا مركز إغاثة وهو ثاني أكبر مركز إغاثة في حلب.
وأضاف أن المطلوب اليوم انخراط أكبر من الغرف بكل المحافظات بالمسؤولية المجتمعية.
ختاماً
رغم كل ما تم ذكره إلا أن القاسم المشترك اليوم هو الإحساس بالمسؤولية الاجتماعية من قبل هذا القطاع الهام والعمل على إثبات أنه شريك حقيقي وليس صوري، والفرصة مهيأة اليوم وأكثر من أي وقت مضى لإثبات حسن النوايا، خاصة وأن قطاع الأعمال لدينا لا يترك مناسبة إلا ويطالب «بحقوقه كاملة غير منقوصة» لذلك اليوم هو مطالب بإثبات وجوده ونفي صفة الطفيلي عنه، طبعاً مما سبق لايعني عدم وجود حالات فردية قدمت بسخاء ودون أن تعلن عن نفسها.
الثورة - عامر ياغي - ميساء العلي