سيرياستيبس
قسيم دحدل
علاوة على المخاوف القائمة بشأن مستويات التضخم في الاقتصاد العالمي،
يبدو أن هاجس الركود التضخمي بدأ يلوح في الأفق، وربما ذلك يعدّ أعلى خطورة
من مجرد ارتفاع في مستويات الأسعار. المشكلة هنا أن يكون هناك تباطؤا
اقتصاديا مع بقاء مستويات الأسعار ونسبة زيادتها عند مستويات عالية، وهو ما
يعرف بالركود التضخمي الذي يؤدي إلى تراجع النشاط الاقتصادي وارتفاع
البطالة مع بقاء الأسعار عند مستويات عالية.
على ما سلف، ولكون ما يصيبنا داخلياً من التداعيات الاقتصادية والمالية
والنقدية العالمية، إضافة لما نعانيه محلياً في هذه الجوانب، يقتصر على
جوانبه السلبية في التأثير علينا، يغدو البحث والحديث في مواجهة تلك
التداعيات والتحديات وإيجاد المخارج والحلول لها، أقرب للمعضلة الحقيقة
فعلاً، وخاصة بعد الكثير من القرارات “التجريبية” التي حاولت الحكومة من
خلالها التخفيف ما أمكن من تأثيرات تراجع النشاط الاقتصادي وارتفاعات
الأسعار ومحدودية فرص العمل، وبالتالي ضعف المداخيل للعاملين عامة ولمن في
الجهات الحكومية خاصة.
المفارقة أنه وفي سياق هذه المخاضات والخضَّات الاقتصادية المتفاقمة
خارجياً وداخلياً، وشديد حاجتنا للقطع الأجنبي، أتى قرار مجلس النقد
والتسليف رقم 169، بالسماح للمصارف المرخص لها التعامل بالقطع الأجنبي بمنح
قروض بالعملات الأجنبية لتمويل مشروعات استثمارية تنموية، ليثير العديد من
التساؤلات والهواجس حول مدى فعالية هذا القرار، سواء لناحية توقيته أو
لناحية إمكانية تطبيقه بالاستناد للمعلوم مما لدى المصارف من إمكانيات
نقدية (قطع أجنبي) غير متاحة بالقدر الذي يمكن التعويل على تحقيق الجدوى من
تنفيذه، وفوق هذا إمكانية توجيهه للمشروعات الاستثمارية التنموية، التي لم
يُحدّدها ويُعرِّفها القرار؟!!
الشكّ والتخوف تجاه القرار كانا الانطباع الذي ساد عند عدد من الخبراء
الاقتصاديين، وخاصة في ظل الحالة الاقتصادية الصعبة التي يواجهها السوريون،
إذ لم يُجبْ القرار عن السؤال الأهم، وهو: هل سيكون للقرار تأثير إيجابي
على الاقتصاد المحلي؟!
عطفاً على ما بدأنا به، وعلى ما طرح من آراء مشككة بجدوى القرار، وتمّ
التصريح بها علانية من قبل الخبراء، نتيجة لغياب الهدف منه وعدم وضوح
المشاريع التي يحق لها التموّل، حيث لم يتضمن القرار بشكل صريح عبارة
“مشاريع إنتاجية..”، بل اكتفى بذكر عبارة مشاريع استثمارية تنموية، وهذا
عبارة عامة وحمّالة أوجه، ونظراً لواقع وضعنا النقدي وخاصة (النقد الأجنبي)
المأزوم، حيث التوجس أن يذهب التمويل لمشاريع ريعية خدمية، نسأل: هل هناك
من يؤكد في مصرفنا المركزي أن قرار مجلس النقد والتسليف، المذكور آنفاً،
بإمكانه فرملة التصاعد المتفاقم لما يواجه اقتصادنا الوطني من مؤشرات ركود
تضخمي غاية في الخطورة والمتمثلة بتراجع النشاط الإنتاجي وارتفاع في
البطالة وجنون في الأسعار؟!
|