سيرياستيبس :
قالت الخبيرة الاقتصادية
وعميد كلية الاقتصاد في القنيطرة سابقاً الدكتورة رشا سيروب إن معدل
التضخم بين عامي 2011 و2021 بلغ وفقاً للكتاب السنوي للمكتب المركزي
للإحصاء 3852.29 بالمئة، أي إن الأسعار تضاعفت بما يقرب من 40 ضعفاً، بينما
قدرت وزارة المالية في بيانها المالي معدلات التضخم لعام 2022 بـ100.7
بالمئة ولعام 2023 بـ104.7 بالمئة، وبذلك يكون معدل التضخم بين عامي 2011
و2023 قد بلغ 16137.32 بالمئة، أي إن الأسعار ازدادت بما يتجاوز 161 مرة
بين العامين المذكورين..
تراجع أجور المواطنين
وأوضحت
الدكتورة سيروب أن هذه النسبة المرتفعة جاءت نتيجة الارتفاع المستمر في
أسعار مجمل السلع، لافتة إلى أن الرقم الذي صدر عن المكتب المركزي للإحصاء
يشمل عشرات الآلاف من المواد والسلع التي يحصيها سنوياً وشهرياً، وباعتبار
أن هذه المواد مقسمة إلى مجموعات، فمن الملاحظ أن أكثر المواد ارتفاعاً
بالأسعار هي السلع الغذائية والمشروبات غير الكحولية، والنقد ومصاريف السكن
والكهرباء والمياه وخلاف ذلك من المواد التي تشكل حوالي 75 بالمئة من حجم
إنفاق الأسرة، وبالتالي لا يهم قراءة الرقم بشكل مجرد، وإنما يجب دراسة
انعكاس هذا الرقم على المستوى المعيشي للمواطن، فعلى الرغم من عدد الزيادات
في أجور المواطنين خلال سنوات الحرب إلا أنها لم تكن تتواءم مع نسبة
الزيادات في الأسعار، وهذا يعني قصور القوة الحقيقية للدخل الذي ارتفع 10
أضعاف عن بداية الأزمة ولكنه بقي أقل بكثير مقارنة مع ارتفاع المستوى العام
للأسعار، وفي الحقيقة هذا يعني تراجعاً في أجر المواطن، مضيفة: «وهنا
أتكلم عن الأشخاص الذين يعملون، فكيف هو الحال بالنسبة للأشخاص الذين لا
يعملون، وكيف سيكون حجم الكارثة؟».
أسباب هيكلية متجذرة
وحاولت
سيروب الإحاطة بأهم أسباب التضخم، معتبرة أنها أصبحت هيكلية ومتجذرة في
الاقتصاد، وأهمها تضخم التكلفة الناتج عن قرارات الحكومة عندما لجأت إلى
رفع أسعار حوامل الطاقة – التي تعد عنصراً أساسياً من عناصر الإنتاج في
سورية- عدة مرات، ما أدى إلى ارتفاع تكلفة أسعار السلع والخدمات المنتجة في
الداخل، وثاني الأسباب خروج جزء كبير من الأراضي السورية الواقعة شمال شرق
سورية عن سيطرة الحكومة، والتي تعد السلة الغذائية والطاقوية لسورية، أي
أصبح الاعتماد بشكل رئيسي على الاستيراد لسلع الطاقة والقمح، وبالتالي فإن
التذبذب بأسعار هاتين السلعتين في الخارج سينعكس حتماً على الداخل، إضافة
إلى العديد من السلع الأخرى التي يعتمد فيها الاقتصاد على الاستيراد أي
إنها مرهونة أيضاً بارتفاع الأسعار العالمي، أما السبب الثالث فيتعلق
بالسيولة النقدية أو الفائض في المعروض النقدي نتيجة انخفاض الإنتاج من
السلع والخدمات، فكي تستطيع الحكومة تمويل إنفاقها العام خلال سنوات الحرب
في ظل انخفاض إيراداتها العامة والعجز الكبير في الموازنة العامة للدولة،
لجأت إلى الإصدار النقدي (طباعة العملة)، ونتيجة عدم وجود صادرات والتراجع
في المخزون الاحتياطي للدولة (الذهب أو القطع الأجنبي)، أضحى قسم كبير من
العملة التي يتم تداولها في سورية غير مغطى بقوة اقتصادية حقيقية، وهذا
يؤدي إلى فائض سيولة في الوقت الذي تتراجع فيه كمية الإنتاج من السلع
والخدمات في الداخل، أي صارت هناك زيادة بالمعروض النقدي مقارنة بحجم السلع
والخدمات، وهذا بالتالي يؤدي إلى التضخم أيضاً.
معدل فائدة سلبي
وأشارت
سيروب إلى أن رابع الأسباب هو عدم استخدام وزارة المالية ومصرف سورية
المركزي لأدواتهما المالية والنقدية، فالمصرف المركزي لديه ثلاث أدوات وهي
معدل الفائدة والاحتياطي القانوني وعمليات السوق المفتوحة (عمليات بيع
سندات الخزينة)، لافتة إلى عدم وجود أرقام ضخمة عند طرح هذه السندات لكون
المصارف لا تسهم بشكل كبير بتمويل عجز الميزانية العامة عن طريق سندات
الخزينة.
أما
عن أداة معدل الفائدة فاعتبرته سلبياً نتيجة ارتفاع معدلات التضخم إلى
مستويات قياسية، وعندما فكر مصرف سورية المركزي بتحريكها خلال العام
الماضي، حرّكها بشكل بسيط جداً وبالتالي لم يكن مجدياً، إضافة إلى أن
الاحتياطي القانوني لم يتم استخدامه خلال سنوات الحرب سوى مرة واحدة فقط،
لافتة إلى أنه كان بالإمكان استخدام أدوات من نوع آخر ذات أثر أكبر، كتشجيع
الإقراض من السيولة المتاحة في المصارف لتمويل العملية الإنتاجية، فمعظم
القروض التي تم الإعلان عنها هي قروض استهلاك شخصي، علماً أن الخلل الأساسي
الذي أدى إلى حجم التضخم الكبير هذا، يعود إلى عدم إنتاج الكمية الكافية
من السلع والخدمات، ولمعالجة ذلك يجب استهداف الإنتاج، وخاصة أننا بسنوات
حرب ولسنا بحاجة لمنح قروض شخصية من أجل شراء سلع مستهلكة أو مهربة، فكان
يمكن التوجيه لشراء سلع منتجة محلياً وبالتالي تشجيع العملية الإنتاجية
بشكل أو بآخر.
تهرب ضريبي ضخم
وفي
السياق، أشارت سيروب إلى أن السبب الخامس للتضخم يكمن في السياسة المالية
التي لجأت إلى رفع الأسعار لتحقيق إيرادات أكبر، لافتة إلى عدم صحة ما يقال
بأن الإيرادات الضريبية انخفضت نتيجة انخفاض أرباح الشركات، فعلى الرغم من
تأثير الحرب عليها إلا أنه يوجد شركات أرباحها متضخمة جداً، وغير معروف
إذا ما استطاعت وزارة المالية تحصيل مستحقاتها الضريبية من هذه الشركات أم
لا، معتبرة أن حجم التهرب الضريبي ضخم جداً، إذ يوجد أيضاً الكثير من
الأنشطة لا يتم الإعلان عنها لكونها تعمل في الظل والخفاء ولا تصرّح عن حجم
أرباحها الحقيقي، متسائلة: «لماذا لا تلجأ وزارة المالية إلى تحصيل هذه
المنابع الضريبية وبالتالي لن تضطر إلى رفع الأسعار بهذا الشكل الكبير»،
إضافة إلى استثمارات أملاك الدولة التي ما تزال حتى الآن غير ملائمة لأسعار
السوق الرائجة، وبالتالي يستفيد منها المستثمر الخاص فقط دوناً عن
الحكومة، وهنا يجب إعادة النظر في كيفية استثمار هذه الأملاك، ما دامت هذه
المشروعات تعد ربحية بامتياز وليست خدمية، لافتة إلى أنه نتيجة لهذه
التراكمات تقوم الحكومة بالمعالجة بالطرق السهلة المتمثلة في رفع الأسعار
الذي ينعكس بشكل فعلي على المواطن ذي الدخل المنخفض.
ضريبة على الثروات
ورأت
سيروب أنه يجب التفكير في أدوات غير تقليدية في سنوات الحرب، كما هو الحال
في دول الخارج، فمثلاً تتركز الثروات عند شريحة ضئيلة جداً تعادل ثرواتها
مجموعة دخول السوريين كاملة، فلماذا لا يفرض ضريبة على هذه الثروة التي تعد
ممتلكات وأملاكاً يحققها الأشخاص لا تستثمر في العمل الإنتاجي بالداخل
السوري، لتحقيق إيرادات جيدة جداً للخزينة العامة للدولة؟!
الوطن