سيرياستيبس
إبراهيم الجهني :
أثار قرار مصرف سورية المركزي الخاص باستبعاد توزيع الأرباح النقدية
موجة كبيرة من النقاشات على وسائل التواصل الاجتماعي بين مؤيد للقرار وغير
محبّذ له، في وقت تشجّع فيه الحكومة المواطنين على الاستثمار بالأسهم عبر
صدور العديد من القوانين والمراسيم بإحداث الشركات المساهمة، على اعتبار أن
الاستثمار بالأسهم من أفضل أدوات الاستثمار وأكثرها أماناً.
انكماش
وفي هذا الصدد، بيّن الخبير المصرفي عامر شهدا أن قرار استبعاد إمكانية
توزيع الأرباح للمساهمين هو من وجهة نظر المركزي هو تنفيذ سياسة نقدية
انكماشية حتى لا يطرح ليرة سورية في الأسواق، فالمركزي يرى أن توزيع
الأرباح يخلق مشكلة في زيادة نسب التضخم في البلاد.
وأشار الخبير إلى أن التضخم فعل حكومي ناجم عن
قرارات حكومية، معتبراً أن الحدّ من المستوى المعيشي للمواطن والحدّ من
قدرته على الاستهلاك من أجل ضبط التضخم هو أمر غير صحيح، وكان يجب على
المصرف المركزي أن يطلب من الحكومة إيقاف رفع قيم المشتقات النفطية، لأن
رفع قيمها سيؤدي حتماً إلى طرح سيولة مالية ورفع نسب التضخم، وبالتالي فإن
قرار استبعاد إمكانية توزيع الأرباح النقدية بغاية ضبط التضخم سوف ينعكس
على الوضع المعيشي للمساهم ويؤدي إلى اضمحلال قيم الأسهم كقوة شرائية بفعل
التضخم.
تناقض
ونوّه شهدا بأن القرار يستخدم استبعاد توزيع الأرباح النقدية كأداة في
السياسة النقدية من أجل عدم طرح كتلة نقدية إضافية في الأسواق هي في الواقع
تؤثر على المستوى المعيشي للمواطن وعلى قدرته على الاستهلاك، وبالتالي
تنعكس على الإنتاج عندما يقلّ الاستهلاك، متسائلاً: هل هذا الإجراء يتناغم
مع القانون رقم 11 والقانون رقم 3 والقانون 40؟ وهل يشجع على تحفيز المجتمع
للاشتراك في الشركات المساهمة؟ وبالتالي هناك تناقض كبير بنمطية التفكير
ما بين من يضع سياسات عامة وبين التفكير بنمطية بعيدة عن المهنية.
قرار سليم
بدوره، أوضح المدير المالي السابق في شركة العقيلة للتأمين محمد الطحان أن أمام البنوك في الحالات الطبيعية ثلاثة حلول فيما يخصّ
الأرباح: إما توزيع الأرباح بشكل نقدي أو إصدار أسهم مجانية وزيادة رأس
المال أو عدم اتخاذ أي إجراء من الإجراءين السابقين. وعلى سبيل المثال، أحد
البنوك العاملة في سورية رأس ماله 30 مليار ليرة سورية وعدد أسهمه 300
مليون سهم، فالخيار الأول أمامه هو توزيع أرباح نقدية على المساهمين، فإن
يوزع 100 ليرة أرباح لكل سهم ستصل قيمة المبالغ الموزعة إلى 30 مليار ليرة
فيكون الرقم كبيراً جداً ويساوي رأس مال البنك، وإذا وزع 50 ليرة لكل سهم
فالمبالغ الموزعة تساوي نصف رأس مال البنك، منوهاً بأن عملية التوزيع ستؤثر
على حقوق الملكية، وبالتالي فإن استبعاد هذا الخيار هو قرار سليم بهذه
الظروف للحفاظ على حقوق الملكية للمساهمين، أما الخيار الثاني فهو إصدار
أسهم مجانية وزيادة رأس المال، حيث تحوّل المبالغ التي كانت سوف توزع من
الأرباح المحتجزة إلى رأس المال، وفي هذه الحالة لا تتأثر حقوق الملكية
ويكون قد حافظ البنك على السيولة وعزز من مركزه المالي وزاد من قدرته على
منح القروض، وحافظ على 30 مليار ليرة في موجوداته، وفي الوقت نفسه أعطى
قيمة للمساهمين، وترك الخيار للمساهم في الحصول على الأرباح عن طريق بيع
الأسهم، أما الخيار الثالث فهو عدم اتخاذ أي إجراء، سواء في توزيع الأرباح
أو توزيع أسهم مجانية، فالنتائج في هذه الحال ستكون سلبية على سمعة البنك،
وبالتالي فإن خيار توزيع الأسهم المجانية هو الأفضل، يحافظ على المركز
المالي للشركة أو البنك وهذا أمر ضروري وخيار سليم. وأكد المستشار المالي
أن اتباع هذا الإجراء من قبل البنك يحافظ على الملاءة المالية وعلى
السيولة، وفي الوقت نفسه يحافظ على سمعة البنك، وهذا الأمر ينطبق على شركات
التأمين أيضاً.
وجهة نظر المستثمر
من جهة أخرى، قال الدكتور مجد عمران، أحد المستثمرين في البنوك: إن
القرار ليس جديداً، وقد صدر لأول في عام 2020 بخصوص توزيع أرباح عام 2019
وترك الخيار حينها، إما للتدوير أو لتوزيع أسهم مجانية، مبيناً أن القرار
منح استثناء للبنك الدولي الإسلامي بتوزيع أرباح نقدية وذلك لظروفه الخاصة
والمتعلقة بالشريك الإستراتيجي.
وأضاف عمران أن الهدف الأساسي من القرار هو تعزيز متانة المصارف من خلال
تعزيز أموالها الخاصة، وزيادة قدرتها على مواجهة التحديات والمخاطر
المالية، لأن رأس المال في البنوك هو خط الدفاع الأول، وعملية منح
التسهيلات لها ضوابط من حيث الحجم وتُحسب بناء على رأس المال، وكلما ارتفع
رأس المال زادت قدرة البنك على منح قروض أكبر، لذلك أمام التضخم النقدي
وتآكل رأس المال يصدر هذا النوع من التعاميم لتعزيز متانة وزيادة القدرة
على المنح والتوظيف، مؤكداً أنه مستمر بالاستثمار ولن يؤثر هذا القرار على
استثماره في السوق.
وتابع عمران: إن سعر السهم في البورصة لا يؤثر على أداء الشركة المالي،
وفي كثير من الأحيان لا تهتمّ الشركات بسعر أسهمها في البورصة، إلا أن عدد
الأسهم الكبير والسعر الرخيص للسهم يمكن أن يحقق فوائد للشركة، وربما
يدعمها في زيادة الإيرادات، أي أن فكرة زيادة عدد الأسهم ورخص ثمنها يجعلها
متاحة لأكبر عدد من المستثمرين، ولكن وبحسب المستثمر فإن البنوك التي
يزداد عدد الأسهم فيها مقابل قلّة عدد المستثمرين في السوق، فالأمر في هذه
الحالة قد يكون سلبياً لناحية العوائد مقارنة مع باقي الشركات، ولكن
بالعموم الأثر إيجابي لأن المستثمرين الحاليين سوف يحققون منفعة من ارتفاع
سعر الأسهم المجانية لاحقاً كونها وزعت عليهم بالقيمة الاسمية وعند بيعها
تباع بالقيمة السوقية، موضحاً أن زيادة عدد الأسهم ستخفض سعر السهم مما
يجعله متاحاً بشكل كبير، وقد يشجع السعر الرخيص البعض على دخول السوق وشراء
أسهم، وإن كان في البداية بمبالغ صغيرة.