يقوم أي تاجر ولو كان مبتدئاً مع نهاية كل عـام بجرد دفاتر حساباته؛ وهكذا يعـرف ميزان الربح والخسارة لديه.
وكذلك تفعـل الدول؛ ونلاحظ أن هنالك ثلاثة أنواع من المؤثرات: محلية؛ إقليمية؛ و… دوليــة.
ومعـذرة من القارئ إذا لمس أي خلط بين السياسة والاقتصاد؛ فهما وجهان لعـملة واحدة؛ وما يحصل سياسياً يؤثـّر في الأوضاع الاقتصادية… أصلاً تحوّلت العـلاقات السياسية بين الدول لاقتصادية بحتة؛ والضغـوط أضحت تنفذ بضربات تحت الحزام؛ مستهدفةً قوت ودفء وقطرة ماء المواطن المستهلك!
كلنا نلاحظ المؤشرات المحلية: من أوضاع السوق؛ بالغـلاء والتضخـّم؛ فمنها تداعـيات وآثار قانون قيصر؛ ومنها انفلات الأسعـار؛ وجشع أشباه التجار. ولاننسى سرقـة الأتراك لشجر وزيت الزيتون السوري؛ واستيلاء اليانكيز عـلى حقول النفط في الشمال السوري وضخ كميات غـير معـروفة في صهاريج لمصلحة (هذا تعـميمهم لنقل تجربتهم «الديموكراتية» المزعـومة)! وهنا لا يفوتنا دور «ثوار الحرية» في نهبهم الممنهج لكل ما يصادفهم؛ مترافقاً مع تصريحاتهم الرنانة من منابر فنادق الخمسة النجوم؛ في مأواهم ضمن الدول الداعـمة للإرهاب!
ترافقت هذه مع تداعـيات زلزال شباط- 2023؛ (وما رافقه من تهدّم بيوت وتهجير عـائلات)؛ ولا نغـفل باقي الزلازل التي تعـصف بالمستهلك السوري.
المؤشرات الإقليمية: لعـلنا لا نبالغ إذا قلنا إن سورية؛ مثل «يوسف»، محاط بأشقاء؛ لكهم يتآمرون عـليه ويغـارون منه؛ ويخططون لإلقائه في الجب؛ ثم يتباكون عـلى وضعـه. لن أعـدّدهم؛ فهم معـروفون؛ ولا ننسى الجارة تركيا؛ التي مافتئت منذ بداية الأزمة؛ تذكي نار الفتنة؛ وترسل المرتزقة؛ مزوّدةً إياهم باللوجستيات اللازمة؛ لحرق إهراءات القمح وقت الموسم؛ ولتفكيك المعـامل في الشمال السوري؛ ونقلها عـلى شاحنات عـبر الحدود؛ مغـمضة العـين عـن الكثير من ممارسات القرصنة الوقحة!
أما المؤشرات الدولية: من لعـل الجفاف العـالمي (ندرة في المواد؛ وغـلاء بها)؛ مع حرب أوكرانيا (تأثيرات عـلى القمح؛ والبترول؛ والزيوت النباتية)؛ وتداعـيات شهور من الاعـتداء السافر عـلى غـزة؛ قد تركت ظلالاً ثقيلة عـلى الاقتصاد العـالمي (والسوري الهش بالأخص)!
كل ما سبق ذكره من سلبيات يملأ القارئ بالتشاؤم؛ ولكن.. هنالك بصيص ضوء في نهاية النفق؛ اشتراك السيد الرئيس في القمة العـربية؛ وبالتالي عـودة العـرب لحضن سورية؛ اتفاقات التعـاون التي تم توقيعـها في الصين؛ وما نتفاءل أن تتركـه عـلى اقتصادنا؛ والتعـاون مع إيران (كهرباء وتقانة)؛ مع وجود وزراء جادين عـلى رأس عـملهم على الرغم من حجم المعـوقات لبناء مستقبل منشود.
مازلت أتساءل أين دور النخب؟ وهل تم إغـفال مشاركتها؟
يقول أستاذ جامعي في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق منتقداً الجفاء بين السلطة التنفيذية وجامعة دمشق، وذلك خلال ورشة أقيمت مؤخراً بعنوان: «على طريق المسؤولية الاجتماعية المعاصرة للدولة»، معـبراً عـن استيائه لعـدم حضور أي من المعنيين في الوزارات الورشات التي أقيمت مؤخراً والتي لها أهمية عـالية على مستوى الجامعة، مع الأخذ بالحسبان أن كلية الاقتصاد أشبه بمشفى للاقتصاد، تقدم حلولاً وطروحات اقتصادية. وأنا أضيف لتصريحه: «كل الجامعـات (حلب وتشرين وغـيرها) فيها مفكرون أفذاذ.. والميزة الإضافية هو أن تستعـين بهم الحكومة لتخطي المأزق». وكذلك تجأر جمعـية العـلوم الاقتصادية بالشكوى؛ فقد عـرضت خدماتها واستشاراتها؛ وما من سامع!
ننتقل لميزة فلكية للعام الحالي فهو –حسب الجمعية العـالمية- من أفضل الأعوام بالنسبة لمحبي الشهب، حيث تجنب القمر الظهور في ليلات تساقط الشهب السنوية، سواء تحدثنا عن 12 آب الماضي وكان أوج زخة شهب البرشاويات، أو مساء 13 و14 كانون الأول الجاري، وهو أوج تساقط زخة شهب التوءميات، حيث تشكـّل ظاهرة سماوية ممتعة، فقد ترى بعينيك في المساء العادي شهاباً أو اثنين، لكن في ليلة زخة شهب التوءميات يمكن أن يصل الأمر إلى متابعة 100 شهاب في الساعة الواحدة، في المناطق النائية. أعـلـّق بقولي ((هذا العـام «شفنا نجوم الضهر»))!
أقول لمن يؤمن بالرموز إن 2024 قد يكون عـام الحلول؛ لأن الرقم يتطابق مع عـدد الخطوات من الجامع الأموي إلى باب شرقي وكلاهما منطقة ذات قدسية في «الشام الشريف»؛ هل هي مجرد مصادفة؟
أختم بقول الواقعـي (وليس المغـرق بالتفاؤل): إن المواطن السوري خلاق ومبدع؛ وخلال عـقد من الأزمة أثبت وجوده في كل بلاد الهجرة التي طرقها (في مصر سجـّل قيماً مضافة نوعـية وكمية للاقتصاد)؛ وفي ألمانيا صار بحث المريض الألماني عـن الطبيب السوري؛ وفي دول الخليج أقام مشروعـات مميـّزة ورابحة؛ هنا يبرز تساؤل عـمّ يلجـم قدرات هذا المواطن/المستثمر في بلده الأم (أم إن مزمار الحي لا يطرب؟) سؤال يدور في الهواء برسم البحث عـن إجابة شافية!