للأسف، بات حضور الأزمات عندنا أشبه بالمرض المزمن الذي تعوّد عليه صاحبه، وبات يتعايش معه بالمسكنات رغم آلامه ومخاطره!
وضمن مؤشرات الواقع، لا نعتقد أن هذا الكلام فيه تجنٍّ على أصحاب القرار
التنفيذي، فقراراتهم في عديد المجالات يشوبها الكثير من الخلل، لدرجة أن
بعضها حوّل المواطن إلى “حقل تجارب” في وقت كان ينتظر حلولاً مجدية
لمعاناته المعيشية وخدماته المعطّلة، عدا عن خيبة أمله بحدوث انفراجات
اقتصادية سريعة.
واقع الحال الواضح وضوح الشمس يؤكد أن الحكومات المتعاقبة، منذ عام 2011
ولغاية اليوم، لم تستطع اتخاذ القرارات المناسبة التي يريدها ويتمنّاها
المواطن، والتي هي من أبسط الأشياء التي يجب أن تكون من ضمن أولويات عملها،
لا في ذيل القائمة الاحتياطية!
وما يزيد الأمر سوءاً هو استمرار الادّعاء في كلّ اجتماع رسمي، وكل
مناسبة أمام “الإعلام الحكومي”، أن مصلحة المواطن فوق كلّ اعتبار. ولكن
عذراً، فهذا “الادّعاء” يفتقد للمصداقية، عندما نعلم – كما يعلم أصحاب
القرار – أن نسبة كبيرة من المواطنين لم يحصلوا بعد على الدفعة الأولى من
مازوت التدفئة في عزّ هذا الطقس البارد!
هذا مثال واحد من عشرات الأمثلة التي تدلّ بوضوح على المعاناة الكبيرة
للمواطن المتعب والمنهك، والذي تجاوز بصبره الأيوبي عتبة الألم المعيشي
المزمن، حيث لم تعد تعنيه تقلبات بورصة الأسعار النارية، فهو أعلن الصيام
عن اللحمة والبيض وباقي المواد والسلع الغذائية التي كانت تزيّن مائدته.
وبالمختصر، فإن ما يدفعه المواطن من جيبه المثقوب من ضرائب على خدمات
غير متوفرة بشكل جيد، بل أحياناً معدومة، يفوق بالمقارنة ما يحصل عليه من
راتب ضعيف، وتعويضات هزيلة، فكيف سيستوي الحديث هنا عن حقوقه المؤجلة أو
المجمّدة التي يكفلها القانون، وواجباته المدفوعة مقدماً؟ هذا بالتأكيد غير
مقبول لا أخلاقياً ولا اجتماعياً!
بصراحة.. إن سمفونية الإصلاح الإداري “حديث اليوم” لا تطرب المواطن ولا
تعنيه كأولوية، فهو يريد إصلاح نظام الأجور والرواتب الذي بات ضرورة لا
مفرّ منها من خلال زيادتها بشكل دوري وفتح سقفها طالما هو على قيد الوظيفة.
إن المرحلة التنموية والإصلاحية التي تخطّط لها الحكومة لا يمكن أن تنجح،
والحال المعيشي للمواطن “تعبان”، والإحباط عنده بلغ مداه، إلى حدّ الاختناق
الذي يحتاج لمعالجة سريعة، فهل من منقذ؟!