سيرياستيبس
كتب بشير فرزان :
من يمرّ هذه الأيام من سوق ساروجة ويسمع نداءهن “تفضل يا عيني .. عنا
اللقمة الطيبة”، يدرك تماماً حقيقة التغيير الجوهري في المجتمع السوري الذي
يستنهض طاقاته لتستمر الحيا؛، فبعد أكثر من 12 عاماً من الحرب والحصار،
بدأت النتائج تطفو على سطح الحياة العامة التي بدت عليها معالم العجز،
فمئات الآلاف من الشباب كانوا حصيلة سنوات المعاناة والألم، ومنهم من هاجر
بحثاً عن حياة أخرى ومستقبل أفضل وراء الحدود، تاركين فراغاً كبيراً في
بلدهم، وهذا ما فرض الكثير من المتغيرات داخل المجتمع، وخاصة على الفتيات
اللواتي يتحمّلن اليوم مسؤوليات كبيرة بالنسبة لأسرهن ومجتمعهن، وهناك آلاف
القصص عن معاناتهن والتي سمعنا بعضاً منها في أسواق العمل المختلفة.
سوق ساروجة، وغيره من أسواق العمل، بات ميدان واسعاً لعمل فتيات في مقتبل
العمر، ومن أعمار وبيئات مختلفة، منهن الجامعيات وطالبات المدارس واليتيمات
اللواتي لجأن لسوق العمل هرباً من الفقر والحاجة، حسب قصصهن التي تجتمع في
عبارة “بدنا نعيش”، مهما اختلفت في مجريات أحداثها، فقد سمعنا منهن صوت
المعاناة وأنين الفقر وآهات الألم على واقعهن وأماني السفر إلى بلاد الراحة
والرفاهية وآهات الحزن على المستقبل.
وفي المقابل، لم يتنازلن عن أحلامهن وقدرتهن على صنع الحياة وتحقيق
أهدافهن، على الرغم من كلّ التحديات التي تواجههن كفتيات في حياتهن
المعيشية والاجتماعية أو في حياتهن في سوق العمل، وما يتعرّضن له من
استغلال متنوع مادي وتحرشات من قبل أصحاب العمل وغيرهم من المرتادين لهذه
السوق التي تشكل مصدر الرزق الوحيد لهن.. وطبعاً عملهن في مهن جديدة يمثل
حقيقة التغيير الجوهري في حياة السورية، وخاصة لجهة اقتحام ميادين العمل
وإثبات أنهن أكثر كفاءة وديناميكية في العمل، فلم يعد دورهن مقتصراً على
الوظائف المكتبية والإدارية، بل تخطته الفتيات ليكون لهن حضور حقيقي في
ساحة العمل المهني وأصبحن مفصلاً مهماً من مفاصل الحياة والأعمال الميدانية
أو المجهدة.
ولا شكّ أن اختلاف ظروف الحياة من الناحية المعيشية الاقتصادية
والاجتماعية الأسروية، والتي نلخصها بعبارة “الظروف الاستثنائية” أتاح
المجال واسعاً لعمل الفتيات، إلا أن نظرة المجتمع لدخولهن لم تختلف من حيث
التشكيك بقدراتهن، ليثبتن أنهن نصف المجتمع الذي كان، ولا يزال، ضائعاً في
زحمة التحديات والهموم، وخاضعاً لمفاهيم المجتمع الذكوري وثقافة العيب التي
تحلّل كافة تصرفات الشاب، وتحرّم – بل تصادر – أبسط حقوق الفتاة في ممارسة
دورها كشريك فعال متحرّر من تسلط تلك العقلية الذكورية التي تضعها دائماً
في المرتبة الثانية وتقيّد حريتها بمفهوم “الضلع القاصر”.
وما يثير الاستغراب عدم وجود حاضنة وراعية لحياة الفتيات اللواتي لم
تمدّ لهن يد العون في هذه الآونة، واقتصر العمل على بعض المبادرات
المتواضعة والتي لا تتناسب مع واقع الظروف التي تتطلّب تغيير واقعهن، سواء
من ناحية الدعم أو من ناحية التوجيه والإرشاد.
باختصار.. الرسالة التي نرغب بتوجيهها لكلّ فتاة تناضل في سبيل لقمة
عيشها والحفاظ على حياة أسرتها: “لا تشعري بالإحراج من أي عمل تقومين به
لكسب الرزق طالما أنه لا يعكّر صفاء الحياة الاجتماعية أو يخدش حياء الناس،
بحيث تبقى أدبياته ضمن مظلة الحلال والقانون وكافياً لتجنّب العوز والحاجة
وتحقيق السترة التي كانت ومازالت البوصلة المجتمعية التي توجّه الكثير من
الأماني والمطالب الأسرية”.