“سيرياستيبس :
غسان فطوم :
قم للمعلم وفه التبجيلا .. كاد المعلم أن يكون رسولا”.. هذه العبارة
تربينا عليها وتغنينا بها منذ أن تفتّح وعينا على مقاعد الدراسة، فاحترام
المعلم مبدأ مقدس لم نكن نجرؤ على مخالفته، لا في المدرسة ولا حتى خارجها،
وكان المعلم بمنزلة الأب الذي نحترمه ونجلّه ونهابه في حضوره وغيابه.
واليوم، وبالتزامن مع عيد المعلم، نسأل: هل ما زال بناة الأجيال يحتفظون بمكانتهم وهيبتهم أمام طلابهم؟
مبعث هذا السؤال ومبرراته يأتي على خلفية العديد من حالات الاعتداء على
المعلمين داخل حرم المدرسة وخارجه، من قبل طلابهم دون خوف أو رادع، وهو ما
تعزز في ظل تغيّر نظرة المجتمع لمهنة المعلم، حيث وجد البعض من الطلبة أن
الاعتداء عليه رجولة نتيجة تربيتهم السيئة، القائمة على تهاون من الأهل
والتدليل الزائد لأبنائهم، لذلك لا عجب أن يخشى المعلم على نفسه من تهور
طلابه بدلاً من أن يخشوه!
وفي البحث عن أسباب سقوط حصون الهيبة التي لم يكن أحد من جيل القرن العشرين
يجرؤ على الاقتراب منها، يرى بعض التربويين أن قرار تجريد المعلم من
صلاحيات تأديب الطالب كان عاملاً حاسماً في إضعاف شخصيته أمام طلابه، لذلك
اليوم هناك من يطالب وزارة التربية بسن قوانين صارمة تصحح من سلوكيات
الطلاب وتحفظ هيبة المعلم وكرامة مهنته، داخل الصف وخارجه، ومن الأسباب
الأخرى ضعف الحافز المالي الذي يجبر المعلم على اللجوء للدروس الخصوصية،
وهذه نقطة ضعف يستغلها الطلبة في الجرأة على الاعتداء على المعلم والتقليل
من قيمته.
لكن ثمة أسباب أخرى تتجلى بعيب متراكم على مدار عقود يتعلق بضعف إعداد
معلمين أكفاء، لديهم المقدرة والمهارة في التعامل الصحيح مع الطلبة، ولديهم
القدرة أيضاً على مواكبة التطور التكنولوجي في التعليم، فما يحدث هو
التركيز على “شطارة” المعلم وفهمه للمادة التي يدرسها أكثر من التركيز على
مهاراته في كيفية إيصال المعلومة بأسلوب جذاب يجعل الطالب يحبه كشخص قبل أن
يحب المادة، وبالنتيجة تعزيز الثقة المفقودة بينهما.
والحديث بهذا الخصوص يطول، لكن لا بدّ من الإشارة إلى أن الاحتفال بعيد
المعلم لا يكتمل من دون ضمان حقوقه، وأهمها الحفاظ على هيبته التي باتت على
المحك، فهي تبقى تاجاً على رأس المدرسة؛ ولكن الحفاظ على هذه الهيبة يتطلب
تكثيف الجهود لإعادتها لأنها من القيم التربوية التي ترتقي بمخرجات
المدرسة، وتجعل من المعلم “رسولا” ومرجعيةً علمية وفكرية وثقافية، وبانياً
حقيقياً لجيل من الأبناء واعٍ ومسؤول وقادر على العطاء!