سيرياستيبس :
كتب الاعلامي علي عبود :
كان القطاع العام يتباهى منذ ثمانينيات القرن الماضي بخبراته الفنية
العالية، وتحديدا في الشركات الإنشائية، والصناعات المختلفة، وكان نادرا ما
يلجأ إلى الخبرات الأجنبية أو القطاع الخاص المحلي.
ولم يكن موضوع المردود المادي للفرق الفنية التي تتصدى لأعمال الإصلاح
والصيانة مطروحا، فقد كانت المكافآت مع الراتب كافية حتى عام 2010، على
الأقل، ولكننا بدأنا نخسر كوادرنا بمستوياتها المتدرجة وخاصة الإختصاصات
العالية تدريجيا منذ عام 2011، بل باتت بعض الجهات العامة يفتقر إلى وجودها
كليا بفعل الاستقالات بحثا عن فرص عمل مجزية، سواء في القطاع الخاص أو
العام بالهجرة إلى مختلف أصقاع دول العالم.
وبما أن القوانين لا تتيح صرف رواتب وأجور عالية لأصحاب الخبرات، فإن نزيف
الكفاءات لن يتوقف، ونشير إلى أن شركات النسيج العامة تحولت منذ تسعينيات
القرن الماضي إلى مراكز تدريب للعمال المبتدئين الذين يغادرونها إلى القطاع
الخاص بعد اكتسابهم للحد الأدنى من المهارات والخبرات.
ولو أتاحت الوزارات المعنية، بالتنسيق مع وزارة المالية، بصرف تكاليف أعمال
الصيانة والإصلاح للفرق الفنية بوقت مبكر، لاحتفظت جميعها بالخبرات
والكوادر باختصاصاتها النوعية والتي يستحيل تعويضها أو استبدالها في ظل
الظروف الحالية، فهل اتخاذ هكذ قرار أو إصدار صك تشريعي بذلك مستحيل، أم لا
توجد رغبة أساسا بإنصاف الكوادر والخبرات السورية، والتعامل معها على قدم
المساواة مع مثيلتها الأجنبية أو القطاع الخاص؟
لاشك ان الحرب الإرهابية على سورية دفعت بالكوادر والخبرات إلى الهجرة
بأعداد كبيرة كان أبرزها في القطاع الصحي إلى حد بدأت المشافي تعاني من نقص
حاد في بعض الإختصاصات، ولكن الملفت إنه ما من حكومة استنفرت خلال الأعوام
الماضية للحد من نزيف كوادرنا وخبراتنا التي لا يمكن تعويضها في الأمد
المنظور.
ولا نبالغ بالقول إن جامعاتنا تحولت إلى مراكز لتزويد أمريكا والدول
الأوربية بالأطباء والمهندسين في ظل سياسات الحكومات السابقة – منذ عام
2017 على الأقل – التي ساهمت بتطفيش الخبرات السورية بفعل الأجور الهزيلة.
ولم يكن مصادفة أن تكون ألمانيا المشجع الأول لاستقبال الخبرات والكوادر
السورية الشابة بمختلف اختصاصاتها، لأنها تحولت منذ أكثر من عشرين عاما إلى
مجتمع هرم.
والسؤال: لماذا يهاجر شبابنا إلى الخارج؟
الكل سيجيب يفقدان فرص العمل والأجور المناسبة، وهذا صحيح تماما، ولكن لماذا فرص العمل معدومة أساسا؟
الجواب في سياسات الحكومة التي تحدث عنها كل المختصين، فهي ركزت على تنمية
القطاعات الريعية، وإهمال القطاعات الإنتاجية، وانشغلت بتثبيت سعر الصرف
على حساب تنفيذ خطط تدير عجلات الإنتاج في القطاعين الصناعي والزراعي؛
والجانب الأهم، أنه ما من حكومة سابقة هيأت البيئة التشريعية والبنية
التحتية والحوافز لتشجيع الصناعيين المهاجرين بفعل الحرب ليس للعودة إلى
وطنهم – فهم لن يعودوا – وإنما لإقامة مشاريع مماثلة للتي أقاموها في مصر
وتركيا والإمارات، أو فروعا لها في وطنهم سورية توفر فرص العمل لخريجينا
الشباب بأجور مناسبة لمتطلبات العيش!!
أكثر من ذلك، بحّت أصوات الصناعيين في حلب وهي تطالب الحكومات السابقة
بتنفيذ المقترحات المتضمنة في مذكرتها المرفوعة إليها منذ عام 2017، والتي
من شأنها إنعاش الاقتصاد الوطني وزيادة الصادرات وتشغيل عشرات آلاف الشباب،
ولكن ما من حكومة ناقشتها، أو اهتمت بتنفيذها، ومع ذلك لم تتوقف عن مطالبة
من هاجر إلى العودة!!
الخلاصة: إذا صحت المعلومات التي تتحدث عن إن ما يزيد على 5 ملايين طالب
سوري، كانوا هاجروا إلى الدول الأوروبية، خلال الحرب، وفّر لهم العمل
والضمان الصحي والمساعدات المالية، ومنحوا الإقامة التي تضمن لهم كل حقوق
المواطن الأوربي، فهذا يعني أننا أمام كارثة لا يمكن التصديلها إلا
بالتخطيط الجيد، لأن الكوادر الشابة، التي هي عماد إعادة الإعمار، وإنعاش
الاقتصاد الوطني، لا يمكن وقف نزيفها بالأجور الزهيدة.