سيرياستيبس :
بعد انتهاء المواطن من “تدبير نفسه” في خضم هموم المؤونة والمدارس، يعود
مجدداً ليتذكر من خلال برد الشتاء مأساة أخرى تتمثّل في الحصول على اللباس
للموسم الشتوي، حيث أجمع من التقتهم “البعث” على أنهم حضروا إلى الأسواق
مجبرين لا “أبطال”، فقد قال أحمد: تغيّرت قياسات أولادي وأنا مضطر لشراء
قطع جديدة لهذا الشتاء مهما كانت الأسعار مرعبة، أما أم فاطر فأكدت أن ثياب
هذا الموسم لا تحمل أي جودة وفي الوقت نفسه أسعارها فلكية، فلو كان
بالإمكان لبسها لعدة مواسم لكانت الأمور أفضل حالاً، بينما أكد المهندس
رضوان أن الغريب في قطع الملابس أنها أصبحت تحتوي على قطع غير مخصّصة
للاستعمال “حسب تعبيره”، متسائلاً كيف يمكن أن يشتري بنطال جينز بمبلغ مئة
ألف ليرة ويتعطل سحابه في “أول لبسة” ليقوم بإصلاحه وعلى نفقته بمبلغ عشرة
آلاف ليرة بعد اعتبار البائع أن العطل عائد لسوء الاستخدام.
وعلى المقلب الآخر تساءل أحد صناعيي الملابس قائلاً: إن وزن البنطال 300
غرام وكيلو القماش يباع بسعر 42 ألف ليرة، فمن أين أتى التّجار بأسعار
تتراوح من 100 إلى 175 ألف ليرة لهذه القطعة، ولماذا لا يتمّ ضبط التكاليف
بشكل صحيح وعادل، بينما نجد وللأسف كلّ جهات الضبط والضرائب والرسوم تلاحق
الصناعي وتحاسبه على كل قرش، رغم أنه الخاسر الأول حتى اللحظة “حسب
تعبيره”.
بدوره الدكتور أسامة زيود، رئيس لجنة الأقمشة والمصابغ في غرفة صناعة
دمشق، أوضح : أن مسألة جودة الملابس تأثرت بشكل كبير،
وأهم أسباب ذلك هو ارتفاع أسعار تكاليف الإنتاج، لافتاً إلى أن الصناعة
التحويلية الوسيطة للألبسة عانت الأمرّين خلال مصائب الحرب الإرهابية على
سورية، كما بدأنا نشاهد عملية استيراد للمواد الأولية ذات النوعية السيئة،
وإنتاج خيوط وطنية ذات جودة متدنية، وفي الوقت نفسه كانت أسعارها مرتفعة،
وترافق ذلك مع غياب الرقابة على الجودة، مضيفاً: كما ساهم ارتفاع الرسوم
الجمركية ومسألة التمويل عبر المنصة بتأجيج سعر الخيط المستورد وجميع
المواد الأولية، وهذا أيضاً سيسبّب المزيد من التراجع لجودة صناعة الألبسة.
كما بيّن زيود أن الخيط الوطني سيئ جداً ويعادل النخب العاشر بالنسبة
للمستورد، ومع ذلك نستغرب فرق السعر البسيط بينهما، ناهيك عن أنه تمّ رفع
سعر الوطني مما يعادل ١،٨ دولار إلى ٢،٨ دولار للكيلو الواحد، وبدورهم قام
المستوردون أيضاً برفع سعر الخيط من ٣،١٠- ٤ دولارات، ليكمل العملية
التمويل عبر المنصة الذي رفع سعر الخيط المستورد إلى ٥- ٥،٢٠ دولارات
للكيلو، وترافق ذلك مع اختفاء للخيط الوطني في شركات القطاع العام، وغلائه
في القطاع الخاص.
أما بالنسبة للمواد الداخلة في صنع الألبسة فقد تمّ رفع سعرها بنسبة ٤٥٪
أيضاً بسبب التمويل عبر المنصة، مبيناً أن المشكلة ليست في المنصة بحدّ
ذاتها على قدر ما هي في آلية العمل المتبعة، والتي للأسف فشلت حتى تاريخه
في تحقيق الهدف المطلوب الذي يكمن في ترشيد الاستيراد والحدّ منه إلا
للضرورات القصوى مع ربط استخدام وتداول الدولار عبر الطرق الرسمية والمصارف
ومكاتب الصرافة، فذلك كله لم يتحقق!.
وفي مسألة أخرى، أوضح زيود أن العنصر الأهم في عملية الإنتاج هو حوامل
الطاقة التي أيضاً تمّ رفع أسعارها خلال السنوات الثلاث الأخيرة من 500%-
800% بالنسبة للفيول والمازوت والكهرباء، وذلك أيضاً انعكس إلى حدّ كبير
على تكاليف الإنتاج، مبيناً أن هذه الارتفاعات لم تتجاوز بالنسبة للصناعيين
والمنتجين الوسيطين أكثر من ٥- ١٠٪، أي تعادل جزءاً لا يُذكر بالنسبة
للفروقات في الطاقة من حساب الأرباح التي يحققها التاجر والمستورد مقارنة
بالصناعي، حيث شهدنا منافسة مدمّرة للصناعات الوسيطة زاد منها التهريب
والاستيراد غير المشرعن واللجوء إلى طرق ملتوية أخرى مثل الاستيراد
لمخصصات، وأقمشة ومواد أولية تفوق حصة أو طاقة المنشأة أو الورشة بعشرات
الأضعاف، حيث يستفيد أصحاب تلك المنشآت من قرار بيع الفائض في الأسواق، مع
العلم أن هذا القرار غير قانوني.
وتابع زيود: ولا ننسى أيضاً مسألة السماح باستيراد الأقمشة المصنرة التي
لا تُصنع في سورية، وما شهده قرار السماح باستيرادها من تلاعب بسبب غياب
وجود آلية وضوابط، وخاصةً ما يتعلّق باستيراد المخصصات لكل منشأة،
وبالنتيجة نكون أمام ارتفاع الأسعار النهائية للمنتجين بالمقارنة مع ورشات
تعتمد مواد مستوردة أو مع المستوردين الذين أيضاً أصبحوا يلجؤون لأساليب
ملتوية لرفع أسعارهم، حيث بتنا نشاهد قيامهم بفرض مواد رديئة على الورشات
مثل السحابات وبعض الأقمشة والخيوط الـ”ستوك”.
من جهةٍ أخرى، أكد زيود أنه لا توجد رقابة على الجودة والتقيد
بالمواصفات، سواء لجهة المواد المستوردة أو التصنيع، كما أن هناك غياباً
للتدقيق على مصادر المنتجات وكيفية وجودها في الأسواق ونوعيتها، وهذا متعلق
بالمستورد والجمارك والمخابر الجمركية ووزارة التجارة الداخلية وحماية
المستهلك رغم امتلاكهم لخبراء ممتازين وفنيين.
ولم يخفِ زيود أثر ارتفاع سعر الصرف الذي يتحكّم بالأسواق لأسباب
متعدّدة، ما أثر وبشكل سلبي تأثيراً سلبياً في القوة الشرائية للمستهلك
الداخلي الذي هو المحرك الأول والأساسي لحركة الإنتاج، والذي يفترض أنه أهم
من زبائن التصدير، كما شهدنا خروجاً للمصدّرين من القدرة على المنافسة
بسبب غياب القدرة التنافسية التصديرية لمنتجاتنا مقارنةً بالمنافسين في
الدول المجاورة.
كذلك لم يخفِ زيود أثر تراجع تلك العوامل في زيادة هجرة الصناعيين
وانقراض بعض الصناعات، وإفلاس الكثير من الصناعات المهمّة على حساب نمو
صناعات لا تحقق القيمة المضافة المتوخاة مثل التعبئة والتغليف أو الخلط بين
التعبئة والاستيراد والخياطة، مبيناً أنه لا يجوز اعتبار صناعة الألبسة
وطنية إلا إذا كانت ٦٥-٧٠% من مدخلاتها ابتداء من الحلقة الزراعية وصولاً
إلى آخر حلقة من منتج وطني، كما يجب ألا تزيد نسبة المتمّمات المستوردة عن
٣٠٪، مبيناً أن الخلل في تقييم هذه الصناعة المركز الرئيسي للصناعة
النسيجية من المصنّعين إلى التجار المستوردين، بمن فيهم تجار البضائع
المهربة في مدن كانت تعتبر من أعرق مواطن صناعة الألبسة كحلب وحي الحريقة.
وتساءل زيود: هل عجز الاقتصاديون عن حلّ هذه المعضلات، وعن اتخاذ قرارات
تصبّ في مصلحة هذه الصناعة التي تعدّ إحدى ركائز الاقتصاد الوطني، أم
سنتابع السير في الاتجاه ذاته دون تفسير مقنع؟.
زينب محسن سلوم