ما أكثر ما تريد هذه الحكومة تنفيذه ولكن هل تستطيع ؟  
سورية الجميلة RSS خدمة   Last Update:18/11/2024 | SYR: 11:39 | 18/11/2024
الأرشيف اتصل بنا التحرير
TopBanner_OGE

 خضور : تراجعت الإيرادات بسبب الفساد وهدر موارد الدولة والتهرب الضريبي
05/12/2023      




سيرياستيبس
 
جلنار العلي
 
بيّن الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور رسلان خضور في ورقة بحثية قدمها خلال الورشة، أنه يوجد توجهات وبرامج على المستوى العالمي والمحلي سواء كان أكاديمياً أم حكومياً ترى بأن مؤسسات الدولة الرسمية بحاجة إلى إعادة نظر، وتقر بعض التيارات بضرورة تخلي الدولة عن الكثير من مسؤولياتها الاجتماعية في مجال الصحة والتعليم والسكن وغير ذلك، نظراً لأن الدولة انسحبت بالأساس من النشاط الاقتصادي وليس لديها الموارد الكافية للقيام ببعض مسؤولياتها الاجتماعية، مشيراً إلى أنه قد يكون أحد أهم الأسباب لهذا الطرح هو العجز في الموازنة العامة للدولة، بحيث يتم تبرير العجز بأنه ناجم عن زيادة الإنفاق الاجتماعي، معتبراً أن هذا التبرير غير دقيق، فالمشكلة لا تتعلق بالنفقات أو زيادة الإنفاق الاجتماعي، وإنما تتعلق بجانب الإيرادات، فعلى مدى سنوات يتراجع الإنفاق الاجتماعي الذي لا تتجاوز نسبته من إجمالي الإنفاق العام بالموازنة 41 بالمئة عام 2022، وفي العام الحالي 30 بالمئة، أما في موازنة العام القادم فوصلت إلى 17 بالمئة فقط، مؤكداً أن الإيرادات العامة للدولة تراجعت بالفعل بسبب الحرب والحصار وفقدان الوصول إلى حقول النفط والغاز بسبب الاحتلال وتدمير المؤسسات الإنتاجية بالقطاعين العام والخاص، وهذا الأمر طبيعي، إلا أن تراجع الإيرادات بشكل أساسي وعجز الموازنة سببه التهرب الضريبي والتهريب الذي يعد شكلاً من أشكاله، إضافة إلى أشكال أخرى من الفساد والموارد المهدورة بأملاك الدولة وعقودها، إضافة إلى تراجع العبء الضريبي الذي يعد منخفضاً تاريخياً، حيث لم يتجاوز 15- 17 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي GDP، بينما وصل المتوسط العالمي إلى 28.2 بالمئة، ومتوسط الاتحاد الأوروبي 43 بالمئة، أما في الدول العربية التي تشبه اقتصاداتها الاقتصاد السوري فهو يقارب الـ25 بالمئة.

لا علاقة للنظام الاشتراكي

وفي السياق، أشار خضور إلى أن للدولة أياً كان شكلها ونظامها الاقتصادي مهام وواجبات اجتماعية، إلا أن الخلاف يتمحور حول حجم هذه الواجبات وكيفية وطريقة قيام الدولة بمهامها الاجتماعية، كما يعتقد البعض أن المسؤولية الاجتماعية لمؤسسات الدولة مرتبطة بالنظام الاشتراكي، وهذا الاعتقاد خاطئ، ولا يرتبط حتى بالرأسمالية، إلا أن الرأسماليين لا يتبنون المسؤولية الاجتماعية لدوافع أخلاقية وإنسانية وإنما حرصاً على سلامتهم وعلى الدولة الرأسمالية والمنظومة كلها، حيث يوجد قاعدة بالنسبة لهم تقول «إن مستقبل النظام الرأسمالي يتوقف على إدراك الجميع أن مبدأ المسؤولية الاجتماعية لا يقل أهمية عن مبدأ السوق الحر».

كما تم عرض بيانات توضح نسبة الإنفاق الاجتماعي بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي للدولة، للدول الأربع ذاتها خلال الفترة الممتدة بين عامي 1980- 2022، فكانت النسب تتراوح بين 15 بالمئة و35 بالمئة، وقد كانت النسبة تتصاعد، أما في سورية فكانت النسبة تتراوح بين 16 بالمئة و20 بالمئة، على الرغم من أن الدول الرأسمالية تنصح الدول المشابهة لسورية عبر البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بتخفيض نسبة الإنفاق الاجتماعي.

التنمية الاجتماعية

وأشار خضور إلى أنه من أهم أسباب تزايد الاهتمام بالمسؤولية الاجتماعية على المستوى العالمي خلال السنوات الماضية، هو زيادة حدة التفاوت في توزيع الثروات والدخول، بدءاً من أواخر السبعينيات إلى اليوم، مؤكداً أن اختصار مفهوم المسؤولية الاجتماعية بما تقدمه الدولة بشكل مباشر من سلع وخدمات كدعم الخبز والسكر وغير ذلك، يعد أمراً خاطئاً لأن ذلك يعد أقل شكل من أشكال هذه المسؤولية أهمية، فجوهر ومركز ثقل المسؤولية الاجتماعية للدولة يكون في مكان آخر، حيث يتجسد في تحقيق التنمية المجتمعية التي تضمن حقوق الإنسان الأساسية، والتزام مؤسسات الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية والإنصاف في إتاحة الفرص لهم، وحماية المجتمع من الفقر وتبعات البطالة، وحماية الأفراد كمستهلكين، وضبط الالتزام بالمعايير الأخلاقية تجاه المجتمع في النشاط الاقتصادي.

وأضاف: إن المسؤولية الاجتماعية ليست أعمالاً خيرية أو مكرمات وعطاءات على الإطلاق، بل هي واجب ومهمة أساسية من مهام الدولة المعاصرة، وقيام الدولة بمهامها الاجتماعية يجب ألا يكون لأسباب إنسانية وأخلاقية فقط، ويجب عدم حصرها على فئات أو شرائح فقط، كما أن الهدف ليس حماية بعض الشرائح الضعيفة والهشة اقتصادياً، لأن الهدف الأساس هو الحفاظ على الدولة نفسها وحمايتها من الانهيار وتحصينها داخلياً، مشيراً إلى أنه يمكن لمؤسسات الدولة الرسمية وقطاع الأعمال العام ألا يقوم بإنتاج السلع والخدمات وتبادلها، وأن يحل محله قطاع الأعمال الخاص بإنتاج السلع السوقية وتبادلها، فهذا قد لا يؤثر في قوة الدولة وأمانها واستقرارها، ولكن لا يجوز على الإطلاق أن تتخلى الدولة عن مهامها الاجتماعية، فالدولة القوية ليست الدولة التي تملك وسائل إنتاج قوية وتنتج سلعاً وخدمات مختلفة من خلال قطاع الأعمال العام، بل هي الدولة التي تملك القدرة على الضبط والتحكم والتدخل بالمجريات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

عدالة توزيع الثروة

وأشار خضور إلى أن أول مهمة من مهام المسؤولية الاجتماعية هو تحقيق العدالة والإنصاف في توزيع الثروات والدخول حيث يكسب الجميع من ثمار التنمية، وذلك من خلال سياسات التوزيع الأولي والثانوي، كي لا تضطر لاحقاً إلى اللجوء لتقديم الدعم المباشر لسلع وخدمات مختلفة إلا على نطاق ضيق ومحدود جداً، لأن هذا الشكل من الدعم يشوبه عمليات فساد كبيرة ويخلق سوقاً سوداء، وله آثار سلبية في المستوى الاقتصادي الكلي تفوق الآثار الإيجابية وهذا الأمر ملموس حالياً، ذاكراً بأن وسطي حصة الرواتب والأجور في الدول الرأسمالية يتراوح بين 36- 50 بالمئة على حين كانت في السبعينيات والثمانينيات تصل إلى 60 بالمئة في بعض الدول، أما بالنسبة لسورية فقد تراوح وسطي حصة الرواتب والأجور من الناتج الإجمالي المحلي قبل الحرب بين 25- 28 بالمئة، أما في فترة الحرب فأصبحت تقل عن 20 بالمئة، علماً أن 65 بالمئة من المواطنين يعملون بالأجر، و35 بالمئة يعملون لحسابهم الخاص، مشيراً إلى وجود تفاوت مرعب في توزيع الثروات والدخول في سورية وهذا يؤدي إلى عدم الاستقرار وفقدان السلم المجتمعي وإلى أزمات كبرى.

وتابع: «أما ثاني مهمة فتتمثل بمسؤولية الدولة بتوفير فرص التعليم لجميع مواطنيها لضمان تكافؤ الفرص وتمكين الجميع، وثالث مهمة تتعلق بتقديم الخدمات الصحية وإتاحتها عبر شبكات التأمين الصحي، وتنمية المجتمعات المحلية»، لافتاً إلى أن الدولة تقوم بذلك إما بشكل مباشر عندما تمتلك الفائض الاقتصادي فتتولى مهام التوزيع الأولي والثانوي وتقديم الخدمات الاجتماعية، أو بشكل غير مباشر عندما تملك جزئياً الفائض الاقتصادي فيكون دورها من خلال تحديد القواعد والقوانين ووضع التشريعات وإنشاء شبكات الأمن الاجتماعي لتقديم خدمات اجتماعية.

وأكد أن الدولة ليست وحدها المسؤولة عن تقديم الخدمات الاجتماعية، فهي مهمة جميع المؤسسات بما فيها قطاع الأعمال الخاص والنقابات والأحزاب والمؤسسات الوقفية، فخلال العقود الماضية بدأ قطاع الأعمال الخاص يحل بكثير من المجالات محل قطاع الأعمال العام، فمثلاً كانت حصته من الناتج الإجمالي 30 بالمئة في الثمانينيات، أما في عام 2011 فقد ساهم بحدود 65- 70 من الناتج المحلي الإجمالي، على حين كانت مساهمته في الضرائب 30 بالمئة، وكانت نسبة العاملين فيه تصل إلى 70 بالمئة من مجمل العاملين، على حين تتراوح نسبة المسجلين بالتأمينات الاجتماعية بين 30-50 بالمئة، ويتحمل العاملون معظم تكاليف التأمين الصحي، وقد صار الوضع خلال سنوات الحرب أسوأ وليس أفضل.



شارك بالتعليق :

الاسم : 
التعليق:

طباعة هذا المقال طباعة هذا المقال طباعة هذا المقال أرسل إلى صديق