ميس بركات
لم يعد بيع المواد المهرّبة يتمّ بشكل سريّ ومخبّأ مع السلع الوطنية، بل
على العكس، فقد ازداد عدد الأكشاك المخصّصة لبيع المهربات من المحروقات
والسلع المنافسة جودة وسعراً للسلع المحلية التي لم تعد تلمح لها أثراً على
طريق حمص، فحمولة الباصات من عبوات الغاز الفارغة التي تحطّ في هذه
الأكشاك لتبديلها بممتلئة لأكثر من نصف ساعة بدلاً من الوقوف في استراحات
المسافرين كانت تشي بأن نقل الركاب لم يعد حسب رأي الشوفيرية “بيجيب هم
الشغل”، فعلى الرغم من أن أصحاب الباصات قبضوا عيديتهم من الركاب عندما
رفعوا أجرة نقلهم “دبل السعر النظامي”، إلا أن كار التجارة على ما يبدو
أعجبهم لدرجة أن حمولة الباص في كلّ نقلة ركاب كانت تختلف بحيث تمّ تقسيمهم
إلى ورديات زيت وبنزين وغاز ومازوت كي لا يحدث مشكلات بين الشوفيرية على
المربح، وفي حال قرّر أي مسافر التأفف من حشره بين أسطوانات الغاز يكون
الردّ بأنها أهم منه “وإيدك وما تعطي”، خاصة وأن وجود هذه الأكشاك يؤكد
للجميع بأنها شبه رسمية ومحمية، وأن الشبكات التي تديرها لا تأبه بأكبر
تهديد لها، ولاسيما أن سيارات المسؤولين عند زياراتهم المحافظات تمرّ قطعاً
بها ودوريات التموين ليست غافلة عن وجودهم الضارب للاقتصاد الوطني الذي هو
الهمّ الشاغل لهم بمؤتمراتهم واجتماعاتهم، ليتساءل المواطن ما هو سبب
تركهم تجارة الأكشاك بهذه المواد تنتعش بدلاً من ضبطها بشكل أكبر طالما أن
وجودها بات أكثر حضوراً ، ولا شكّ أن الكثيرين تعرّضوا للنصب من شراء عبوات
الغاز الفارغة أو البنزين المخلوط بالزهورات من هذه الأكشاك والذي أودى
بسياراتهم إلى محال التصليح التي ازدهر سوقها هي الأخرى خلال السنوات
الأخيرة بعد أن ازدادت نوعية البنزين المباع على الطرقات سوءاً!!.
عبد الرزاق حبزة أمين سر جمعية حماية المستهلك في تصريح لـ”البعث” أكد
اقتصار المواد المهرّبة سابقاً على المواد التموينية كالسكر والرز، لكن في
ظلّ ارتفاع سعر المحروقات وشحّ الغاز المنزلي تعدّدت طرق التهريب على
الموتور أو بطرق أخرى، لافتاً إلى أن هذه الظاهرة مضبوطة في ريف دمشق، على
عكس ما هي عليه في طرق السفر، إذ باتت المهربات منتشرة في الأكشاك التي لا
يتجاوز المسافة بينها عشرات الأمتار، وهذا الأمر لا يتمّ ضبطه بتكثيف
الحملات والضبوطات التي تمّ العمل عليها في فترة من الفترات، إلّا أنها
خفّفت الوضع ولم تقضِ عليه ليستشري لاحقاً بشكل مخيف وسط غضّ نظر الجهات
المعنية عمّا يحصل، وخاصّة في ظلّ تأخر توزيع المحروقات، إلّا أنّ ذلك لا
يشرعن وجودها، منوّهاً بأن الحلّ البديل هو تأمينها بشكل رسمي.
أمين سرّ الجمعية أكد أن المشرفين على مراقبة الباصات ونقلها للركاب هم
موظفون حكوميون، وبالتالي في ظلّ تدني الأجور وضعف القدرة الشرائية يتمّ
التواطؤ بين المهربين والسائقين والمراقبين، ليتعدى الأمر ذلك إلى نقل
عبوات الغاز الفارغة إلى لبنان وتعبئتها هناك وبيعها على عينك يا تاجر،
لافتاً إلى أن ما يحصل يؤثر على الاقتصاد الوطني من حيث استنزاف القطع
الأجنبي، كما أنه يندرج تحت ما يُسمّى اقتصاد الظل غير المضبوط، لنجد في
الكثير من الأحيان شكاوى من المواطنين ممن وقعوا في فخ هذه الأكشاك بشرائهم
بنزيناً مخلوطاً بالماء أو عبوات غاز نصف فارغة، كون القائمين على هذه
الأكشاك عبارة عن بائعين متجولين، ونوّه حبزة بأن ضبط أي موضوع يتمّ من
خلال توفر المواد، أما في حال وجود تعطّش لحوامل الطاقة وبعض السلع
وإغراءات سعرها المنخفض في الدول المجاورة بغضّ النظر عن نوعيتها سيلجأ
الجميع لهذا الأسلوب، ولن تستطيع الحملات التموينية والجمركية مكافحتها
لعدم وجود الإمكانيات البشرية والآلية الكافية للقدرة على التنقل، لذا يجب
إيجاد حلّ اقتصادي جذريّ ووضع خطة اقتصادية مضبوطة لحلّ المشكلة أو شرعنة
وجود المواد المهرّبة من خلال تأمينها من قبل التّجار مثلاً ضمن ضوابط
قانونية محدّدة.