جزمنا منذ سنوات أن الأسعار لن تنخفض سواء أرتفع أم انخفض سعر الصرف
طالما أن الحكومة والتجار يتنافسان على رفع أسعار السلع والخدمات!
صحيح أن جشع التجار بلا حدود، وشغلهم الشاغل شفط دخل العاملين بأجر في
الأيام الأولى من كل شهر، ولكن الصحيح أكثر إن الحكومة منشغلة أيضا بزيادة
مواردها المالية لذا هي السباقة دائما برفع أسعار منتجاتها وخدماتها، وبرفع
مستلزمات الإنتاج الزراعي والصناعي بنسب مرتفعة جدا وبفترات زمنية
متقاربة.
والحق يُقال أن التجار ليسوا وحدهم من يضرب بقوانين الأسواق عرض الحائط،
وبرفع الأسعار، فالحكومة هي التي تشجعهم على ما يفعلون برفعها لحوامل
الطاقة المرة تلو المرة، أيّ انها المسؤول الوحيد عن رفع كلف إنتاجهم،
وعندما تأمر الحكومة شركاتها ببيع سلعها حسب الكلف الفعلية وفق سعر الصرف
الذي لم تتوقف عن تعديله خلال السنوات الثلاث الماضية، فمن الطبيعي أن لا
يبيع التجار منتجاتهم المصنعة والمستوردة بسعر الكلفة فقط، بل سيقومون
بالمبالغة بزيادة الكلف الوهمية عليها كي بشفطوا من المستهلكين أكبر حجم من
المال!
وكما كررنا مرارا فإن ثبات سعر الصرف، ولو استمر لأكثر من عام، لا يعني أن
التجار سيخفضون أسعار منتجاتهم وخدماتهم، فهناك دائما ذرائع جاهزة ـ غالبا
توفرها لهم قرارات الحكومة ـ لزيادة أسعار السلع والخدمات أكثر فأكثر، أليس
هذا ما يفعله التجار والحكومة منذ سنوات؟
وبما أن التجار ادمنوا على رفع الأسعار، فلم يعد يكفيهم رفعها كل عدة أشهر،
أو كل شهر، بل يفعلونها منذ عام، أسبوعياً، دون حسيب أو رقيب، مستندين إلى
أفعال الحكومة نفسها التي ترفع أيضاً أسعارها بفترات متقاربة غير مكترثة
بما يلحق بملايين العاملين بأجر من كوارث غذائية وصحية!
نعم، لا يمكن محاججة التجار بأن ثبات سعر الصرف لا يكفي لثبات الأسعار أو
خفضها، وخاصة بالنسبة للسلع غير المرتبطة بالدولار، طالما أن القرارات
الحكومية مستمرة برفع أسعار الطاقة ومستلزمات الإنتاج، والدليل أن ارتفاع
أجور نقل البضائع بنسب عالية جدا يرفع أسعار جميع السلع وخاصة القادمة من
محافظات بعيدة!
ومن الملفت أن تشغلنا الجهات الحكومية بموضوع الرقابة على الأسواق، مع أن
الجميع بمن فيهم جمعية حماية المستهلك يؤكد أنها غير مجدية، كما أن إلغاء
حلقات الوساطة بين التاجر والمستهلك غير ممكن، فهذه الحلقات موجودة في كل
دول العالم، ومن الأجدى أن تأمر الحكومة مؤسسات التدخل الإيجابي، والتي
تبلغ 1400 منفذ تسويقي، باستجرار السلع من المنتج مباشرة لا من الوسطاء أو
أسواق الهال.
ولم نتفاجأ بقول رئيس جمعية حماية المستهلك “أن بعض التجار شركاء لبعض
عناصر الضابطة التموينية، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الكثير من المواد
الاستهلاكية”، فهذه الشراكة قائمة منذ عقود، ولا حل لها في الأمد المنظور
إلا بمعالجات إقتصادية تكسر احتكار التجار للمواد والأسواق.
الخلاصة: لا توجد حلول جذرية للأسعار إلا بزيادة القدرة الشرائية لملايين
العاملين بأجر، أو قيام مؤسسة “السورية للتجارة” ببيع المواد الأساسية لهذه
الأسر بالبطاقة الذكية بأسعار تناسب دخلها الشهري، وبما أن هذين الحلين لم
يكونا في قائمة أي حكومة سابقة، وإذا لم يدرجا على قائمة الحكومة الجديدة،
فإننا نجزم بأن الأسعار لن تنخفض، بل ستستمر بالإرتفاع أكثر فأكثر بانتظار
معجزة إقتصادية لن تتحقق في الأمد المنظور!!