سيرياستيبس
عندما يقال “تربية وتعليم” يقصد بها، تفضيل الأخلاق والقيم على التي
تليها.. ألا وهي التعليم، إلّا أن ما نراه اليوم في الأسواق منافٍ لتلك
الرسالة وما تحمله في طياتها من مفاهيم، حيث يفترض أن تعكس الأزياء
المدرسية القيم الثقافية والأخلاقية، فبدلاً من تعزيز الهوية التعليمية
وتشجيع الطلاب على التربية والتعليم وما الهدف منه؟ نجد أن الأسواق تفيض
بموضات (ماهب ودب)، بعيدة بذلك كل البعد عن رسالتها وما ترنو إليه، لنجد
أـن “الموضات” المدرسية وما تثيره من جدل، تفرض سؤالاً ملحاً مفاده: هل ما
نراه في الشوارع رسالة عن التربية، أم عرض لصيحات الموضة على أرض الواقع؟!
أبو إبراهيم رجل ستيني ومدرّس سابق بيّن أن المعايير اختلفت، فما نشهده
اليوم مختلف تماماً عما كان سائداً، حيث كان الزي المدرسي له احترامه داخل
وخارج المدرسة.
أما لمى وهي ربة منزل تقول: أنتقي لابنتي زياً مدرسياً يكون أنيقاً وفي الوقت ذاته مناسباً من دون “المبالغة”.
تشويش
الدكتور علي السرحان اختصاصي في الإرشاد النفسي كشف : أن الزي المدرسي ليس مجرد ملابس، بل تعبير عن فكرة الانتماء
والاحترام للعلم والمكانة التعليمية، إلّا أن ما يحدث حالياً هو تشويش لهذه
الفكرة، حيث تسود أزياء تحمل تصاميم تبرز جسد الطالبات بطريقة غير مناسبة،
ما يفسد جو التعلم.
وأضاف السرحان: إنّ بعض الأزياء المدرسية تحمل طابعاً بعيداً كل البعد عن
الطابع الأكاديمي، والذي يفترض أن يكون رسالة وهدفاً للتعليم لا العكس،
منوهاً بأن الأقمشة والألوان وطبيعة المجتمعات والثقافات الأخرى ليس
بالضرورة أن تلتقي مع ثقافة مجتمعنا.
السرحان: الزي المدرسي هو تعبير عن فكرة الانتماء والاحترام للعلم والمكانة التعليمية وما يحدث حالياً هو تشويش لهذه الفكرة
من جهتها بينت الاختصاصية و(الخبيرة الأسرية) د. نهاد كنعان، أن ما يحدث في عالم الأزياء المدرسية مؤسف حقاً، فبدلاً من أن تكون الملابس رمزاً للأخلاق والانضباط، أصبحت تعبيراً عن الفوضى والجرأة، الأمر الذي يستدعي الوقوف عنده وإعادة النظر في مضمونه، مشددة على أن التعليم ليس مجرد معرفة تكتسب، بل هو عملية تربوية شاملة يجب أن تشمل جميع جوانب حياة الطالب، بما في ذلك مظهره، وعندما نغفل عن قيمة الزي المدرسي، فإننا نفقد رسالة التعليم التربوي بل ونخونها، لذا يفترض أن يعكس الزي قيماً مثل الاحترام والانضباط، ولكن ما نراه اليوم في الأسواق يعبّر عن ردة فعل عكسية تخدش صورة التعليم بشكل سلبي وناقد.
تصاميم غير أخلاقية
وهنا أوضحت كنعان أن أسواق الملابس المدرسية
الآن ملأى بتصاميم بعضها غير أخلاقي ولا يمت للهوية للتعليمة بصلة، وأصبح
التركيز على الإثارة عند البعض بدلاً من القيمة الأكاديمية.. هذا الابتعاد
عن روح المدرسة دفع بالكثير من الطلاب إلى التنافس، في كيفية اختيار
الملابس الأكثر جرأة، وليس في مضمار التفوق الدراسي.
كنعان: الابتعاد عن روح المدرسة دفع بالكثير من الطلاب إلى التنافس في كيفية اختيار الملابس الأكثر جرأة وليس في مضمار التفوق الدراسي
دور المدارس والأهل
من جهته أشار السرحان إلى أهمية إدراك دور المدارس وأولياء الأمور، في أن
يكون الزي وسيلة لتعزيز التركيز على التحصيل العلمي، بعيداً عن أي تشتت، هو
بالتأكيد ليس في صالح ومستقبل أبنائهم وتحصيلهم العلمي، ويقول: يضحي البعض
بالأخلاق والاحترام في سبيل الإنجذاب إلى صيحات الموضة، ما يعزز افتقار
الطلاب إلى قيم الانضباط والجدية، ومن هذه النقطة بالتحديد لا بدّ أن تبرز
أهمية دور المدرسة في تشكيل ذوق الطلاب، والتأكيد على أنّ الأناقة لا تعني
بأي شكل من الأشكال التخلي عن ثوابت التعليم وقيمه.
من جهتها أكدت كنعان في السياق ذاته، أنّ الأهل والمدرسة يتحملان الجزء
الأكبر من المسؤولية، ولاسيما أن الأهل هم نواة المجتمع وهم الداعمون
الرئيسون، وغالباً ما يرضخون ويستسلمون لرغبات أبنائهم في ارتداء ملابس لا
تتناسب مع بيئة المدرسة، مشيرة إلى أنه ينبغي أن يدرك الآباء أنّ هدف
التعليم يجب أن يكون متجانساً مع القيم الأخلاقية، وليس مجرد مسعى ليكون
الأطفال أكثر لفتاً للانتباه.
معايير واضحة
ومن هذا المنطلق وحسب رأي السرحان تقع المسؤولية أيضاً على عاتق المؤسسات
التعليمية، والتي ينبغي أن تضع معاييرَ واضحة للزي المدرسي، فعندما تقبل
المدرسة بتصاميم غير لائقة، فإنها تعزز ثقافة تناقض القيم التعليمية، لذا
لابدّ من أن تفرض سياسات واضحة بشأن الزي المدرسي تشجع على الاحترام للأصول
الثقافية وتحث على الانضباط، و في حال عدم اتخاذ إجراء حازم ضد تلك
الأزياء المدرسية الجريئة قد يؤدي إلى تفشي قيم سطحية في المجتمع، ويجب أن
نذكر دائماً أن التعليم رسالة سامية، تستحق أن تحافظ على قوامها، فالطلاب
يحتاجون إلى دعم من الأهل والمدارس ليكونوا أكثر وعياً بضرورة اختيار ما
يناسبهم ويعكس احترامهم للعلم.
في حال عدم اتخاذ إجراء حازم ضد تلك الأزياء المدرسية الجريئة قد يؤدي إلى تفشي قيم سطحية في المجتمع
الانتماء
وختمت كنعان: يجب أن يعتبر الزي المدرسي فرصة لتعزيز الانضباط النفسي
والاجتماعي لدى الطلاب، وذلك يجعلهم يشعرون بالانتماء لمؤسسة تتجاوز
الأزياء الفردية لتصل إلى قيم التعليم والتعاون، لذا يجب إعادة النظر في
الأزياء المدرسية وتوجيهها نحو تعزيز القيم التعليمية بدلاً من خرقها
والانحدار بها إلى قاع الفوضى.. خاصة أنه لكل مقام مقال، وهذا ما يجب أن
يدركه الجميع.
وأخيراً.. السؤال الذي يطرح نفسه: هل نريد أن نرى جيلاً يتنافس على الأناقة
الجريئة، أم جيلاً عازماً على بناء مستقبل قائم على الأخلاق والمعرفة
والقيم؟ إذا أردنا الخيار الأخير، يجب أن تبدأ خطوات التغيير من الآن،
فعلينا أن نلتزم بإعادة صياغة ما يعنيه الزي المدرسي، ونظهر للعالم أن
التعليم ليس مجرد جهد أكاديمي، بل هو أسلوب حياة يجب أن يحترم ويحتفى به.
تشرين