سيرياستيبس :
كان السوريون يمنّون النفس مع بداية العام الجديد بأخبار مفرحة
وإجراءات منعشة لأحوالهم المعيشية الصعبة، أقلها ضبط الأسعار أو تثبيتها،
لكن حساب “القرايا ما انطبق على حساب السرايا”، كما يقول المثل الشعبي
المتوارث، الذي يدلّ على خيبة الأمل بما كنت تتوقعه وتتمناه، حيث تلاشت
أحلامهم وتبدّدت مع صدور قرارات برفع تسعيرة البنزين والمازوت، وأجور نقل
البضائع والحمولات بشتى أنواعها، وأيضاً ارتفاع سعر الصرف في المصرف
المركزي، وبالمحصلة شهدت الأسواق ارتفاعاً كبيراً في أسعار المواد
الغذائية، وغيرها من المواد!.
غيمة صيف
من يراقب حال الشارع يرى بوضوح أن المواطنين في حالة ذهول وتشاؤم من هول ما
يحصل من ارتفاع جنوني للأسعار، وبعضهم يتساءل: هل يُعقل رفع سعر البنزين
المدعوم ثلاث مرات خلال أقلّ من شهر، وأين الوعود المتكررة في العمل على
ضبط الأسعار؟!، ومنهم من رأى في ذلك دلالة على الخلل في اتخاذ القرارات
والإجراءات التي يدفع المواطن المستهلك ثمنها، فبعد أن كان عنده بعض الأمل
بتحسّن الأحوال المعيشية مع بداية عام جديد، تلاشى بسرعة كغيمة صيفيّة في
ظل غياب التدخل في لجم جنون الأسعار ومحاسبة المتلاعبين بها.
ويستغرب المواطنون استمرار تأكيدات الحكومة في اجتماعاتها الأسبوعية على
“تشديد الرقابة على الأسواق والحدّ من ارتفاع الأسعار، واتخاذ كلّ ما من
شأنه تفعيل ذلك”، لكن على أرض الواقع الأمر مغاير تماماً، فما الفائدة من
التشديد على ضبط الأسعار إن ظل ذلك مجرد كلام لا يهابه الباعة والتجار؟!.
مفلس مادياً
الخبير الاقتصادي شادي أحمد يقول في تعليقه على رفع الأسعار: لا يمكن
للحكومة أن تستمر برفع الأسعار دون أن (تضم) شركاء العملية الاقتصادية في
العمل الإنتاجي وتبعاته المعيشية، متسائلاً: هل تدرك بأن هذه الزيادات
المستمرة في رفع الأسعار سوف تنتج مستهلكاً مفلساً مادياً؟، وبرأيه أنه في
حال الإفلاس يجب أن يُعفى الشعب من الرسوم والضرائب وأقساط القروض
والالتزامات المالية الأخرى.
الخبير الاقتصادي استغرب في ظلّ هذه الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة
كيف تتجاهل الحكومة مقترحات اقتصادية جديرة بالاهتمام والنظر فيها من قبل
المختصين من ذوي الخبرة والكفاءة الاقتصادية!.
حلقة مفرغة
الدكتور حسن حزوري يرى أن رفع أسعار المحروقات، ومن قبلها أسعار الدواء
والكهرباء والاتصالات، وقبلها الأسمدة وغيرها من ارتفاعات طالت مواد أخرى
مع التخلي عن الدعم، سيزيد من معدلات التضخم ويؤدي إلى انخفاض القوة
الشرائية الهزيلة لدخل المواطن، مما سينعكس سلباً على كل القطاعات
الاقتصادية ويؤدي إلى زيادة معاناة المواطن، وبحسب “حزوري” أن ذلك بالنتيجة
سيفشل الجهود الحكومية لضبط التضخم وتثبيت الأسعار، وبالتالي سنبقى ندور
في حلقة مفرغة نتائجها كارثية.
أسوأ إدارة
ولم يتردّد الخبير التنموي أكرم عفيف بالقول “إننا نملك أسوأ إدارة
للموارد”، متسائلاً بدوره: هل من المعقول أن يكون سعر كيلو الليمون
“الماير” بـ400 ليرة وليتر الكولا بـ25 ألفاً، وفوق ذلك يتحدثون عن جدوى
إقامة معمل عصائر؟، وهل من المعقول أن تكون تكلفة زراعة وإنتاج كيلو القمح
بـ6000 ليرة ويحدّدون سعره بـ4700؟، وهل يعقل أن يتمّ شراء كيلو التبغ من
الفلاح بـ 10000 ليرة وكلفة إنتاجه تتجاوز الـ20000 ليرة؟، وبرأيه فإن
استمرار ارتفاع الأسعار، وخاصة أسعار المحاصيل الزراعية المنتجة محلياً،
سوف يقتل الفلاحين وينعش جيوب المستوردين!.
قرارات صادمة
ويرى محلّلون اقتصاديون أن استمرار رفع الأسعار مع مراوحة الرواتب والأجور
في مكانها، بل وحتى إن طرأ عليها زيادة، سيكون له انعكاسات صادمة
اجتماعياً، فجيب المواطن المثقوبة لم تعد قادرة على تحمّل الغلاء الفاحش،
متسائلين: ألا يكفيه زيادة أسعار الأدوية بنسبة من 70-100%؟.
تحت خط الفقر
أحد الزملاء الصحفيين المعنيين بالشأن الاقتصادي قال: إن الإجراءات
الاقتصادية غير المدروسة أوصلتنا إلى تحت خط الفقر، مشيراً إلى أن سقف
الرواتب الحالي لجميع الفئات لا يؤمّن عيشة كريمة للمواطن قياساً بالأسعار
النارية، علماً أن خبراء الاقتصاد يؤكدون أن الأسرة السورية تحتاج لمصروف
شهري لا يقلّ عن مليوني ليرة إن كان عدد أفرادها أربعة أشخاص، فكيف إذا كان
عددهم ستة أو سبعة؟، وهل سأل أحد من المعنيين كيف يتدبر المواطن بأمور
معيشته المرهقة؟!.
من يراقب المراقب..؟
أستاذ جامعي قالها بصراحة.. إن غالبية القرارات التي صدرت العام الفائت
وبداية هذا العام هي في خدمة جيوب التجار أكثر من المواطنين المستهلكين، ما
يعني أن أغلب تلك القرارات زادت في معاناة المواطن، لافتاً إلى أن دوريات
حماية المستهلك لا تقوم بدورها كما يجب، على الرغم من أنها تصول وتجول في
الأسواق يومياً وتتباهى بتسجيل عشرات، بل مئات الضبوط اليومية بهدف حماية
المستهلكين من الارتفاع غير المسبوق للأسعار!.
لكن السؤال هنا: بحق من تسجّل هذه الضبوط؟، سؤال مشروع ونحن نرى كبار
التجار والباعة في الأسواق والمحال التجارية يبيعون على مزاجهم غير مبالين
بالتسعيرة الرسمية، ونادراً جداً ما يُسجّلُ بحق أحدهم ضبط تمويني، وحتى إن
حصل ذلك فغالباً ما يكون رفع عتب بعد قبض المعلوم!!.
وحدهم الباعة الصغار “دكاكين وبقاليات” من لا يسلمون من شباك المراقبين،
رغم أن أسعارهم مقارنة بأسعار “الحيتان” لا تثقل جيب المستهلك الخاوي من
“الفلوس” منذ الأيام الخمسة الأولى من كل شهر.
نحن لا نعمّم باتهامنا للمراقبين، بل نقصد ضعاف النفوس الذين يبيعون ضميرهم
مقابل حفنة من الأموال، وهؤلاء شركاء في محاربة المواطن بلقمة عيشه،
ويحتاجون لمن يراقبهم ويوقفهم عند حدهم.
البعث - غسان فطوم