سيرياستيبس
نورمان العباس :
ربما يكون الوضع الاقتصادي والصحة النفسية وجهين لعملة واحدة، فالأمان الاقتصادي أحد الأسباب إن لم يكن أهمها في إيجاد الاستقرار النفسي للإنسان، وكما هو معلوم يواجه السوريون أزمة اقتصادية شديدة بسبب العقوبات الغربية الظالمة والحصار الأحادي الجائر، حتى وصل الأمر وفقاً لما جاء في تقرير «هيومن رايتس ووتش» «بأن أكثر من ٩٠ بالمئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر».
من المؤكد أن قلق السوريين اليوم بشأن تأمين أبسط مقومات حياتهم من مقعد في سرفيس إلى استلام رسالة أسطوانة الغاز وتأمين أدنى متطلبات الحياة في ضوء ضعف الرواتب والدخول انعكس على صحتهم النفسية فازدادت الاضطرابات وحالات الاكتئاب، وهذا ما أكدته الطبيبة النفسية دينا القباني ».
وأوضحت القباني أن الأزمة الاقتصادية أدت إلى ارتفاع نسبة الاضطرابات النفسية لدى كل من الرجال والنساء خاصة اضطرابات القلق والاكتئاب، والسبب حسب المرضى هو الغلاء والشعور بالعجز عن تأمين مستقبل للأطفال، مشيرةٍ إلى أن العيادات النفسية يغزوها المرضى لسوء الحالة الاقتصادية وعدم قدرتهم على دعم عائلاتهم أو إطعام أطفالهم أو التخطيط لمستقبلهم والتفكير المستمر بكيفية الحصول على أبسط متطلبات الحياة والحفاظ على مستوى معيشي مقبول في ظل الغلاء الحالي.
بدورها أكدت الطبيبة والمعالجة النفسية نعمت الداهوك : أن هناك تقارير طبية تكشف عن ارتفاع الجلطات القلبية والدماغية لدى الشباب دون الثلاثين والراشدين دون الخمسين إضافة إلى تزايد نسبة القلق والرهاب الاجتماعي والوسواس القهري حتى الأطفال ظهرت عليهم اضطرابات نفسية وسلوكية لم تكن منتشرة بشكل كبير في المجتمع السوري كالتوحد.
ورأت أن الأسرة السورية تحتاج إلى دعم اقتصادي كبير عبر رفع الرواتب وتسهيل قروض السكن لأن نسبة كبيرة من السوريين اليوم يعيشون في بيوت مستأجرة عشوائية غير صحية وغير مؤهلة للسكن والاستقرار وتربية جيل سليم ومعافى نفسياً فيها, وشددت الداهوك على ضرورة إطلاق دورات في المراكز الاجتماعية لتأهيل وتدريب الأمهات في ظل تحديات الهجرة والسفر والبعد عن الأهل، فالمساندة الحكومية والمجتمعية ضرورية، معتبرة أن عدم الترخيص للمعالجين النفسيين على افتتاح مراكز ومكاتب تأهيل نفسي سوف يزيد من الأمراض النفسية
وأكدت الطبيبة النفسية فردوس صواف لـ«الوطن» أن حالات الانتحار عند النساء تظهر بشكل أكبر والاضطرابات المزاجية عند الرجال أكثر، إضافة إلى تزايد حالات الاضطرابات المزاجية المترافقة بنوبات غضب، وما ينجم عنها من مشكلات أسرية واجتماعية تهدد الأمن النفسي للفرد وتسهم في تفكك الأسرة.
وفي الوقت ذاته أشارت الدكتورة دينا القباني إلى أن النساء معرضات للاكتئاب بشكل عام أكثر من الرجال، فمن غير المستغرب أن ترتفع هذه المعدلات في ظل الظروف الاقتصادية، فالمسؤوليات تضاعفت على المرأة السورية سواء ضغط مسؤوليات المنزل أم ضغط العمل وتربية الأطفال خاصةً أن الكثير من المراجعات يقضين أغلب الأوقات وحدهن مع الأطفال في ظل غياب الأب أغلب أيام الأسبوع بسبب الأعمال المتعددة والدوام لساعات طويلة, ووافقتها الرأي الدكتورة نعمت الداهوك مشيرةٍ إلى أن قلق الأب السوري بشأن تأمين مستلزمات العيش لأسرته جعله يعمل ليلاً ونهاراً هذا إذا وجد عملاً ما جعل غيابه يخلق مشكلة جديدة حملت الأم أعباء إضافية وأثرت في العلاقة الزوجية ما أفرز مشكلات لدى الأطفال
وحول تأثير الأزمة الاقتصادية في الصحة النفسية لدى الشباب أكدت الدكتورة دينا القباني أن الشباب السوري اليوم لديه الحلم الوردي الذي يمثله الخارج وعند سفره يصطدم بالواقع وهناك حالات انتحار بين الشباب المهاجرين، وحالات اكتئاب شديدة بسبب المقارنة بين حياة «السوشيال ميديا» في الخارج، فحالة الانفصام التي يعيشها الشاب بين الواقع وما يعرض على صفحات السوشيال ميديا تزيد من مشاعر اليأس والاكتئاب والشعور بالعجز, وأشارت إلى أن الشباب السوري حالياً من أكثر الشرائح المعرضة للاكتئاب والأمراض النفسية لأنه أمام مرحلة بناء لنفسه وتخطيط لمستقبله والطريق صعب ومكلف اليوم، والظروف حوله في تدهور، فالطالب الجامعي السوري يتخرج في الجامعة والخوف يتملكه وهو يبحث عن فرصة عمل تلبي ما تبقى من أحلامه.