سيرياستيبس
هناء غانم :
حظي موضوع الشراكة بين القطاعين العام
والخاص بأهمية كبيرة خاصة في الآونة الأخيرة، نظراً لما يمثله هذا الموضوع
من أهمية باعتباره أحد المداخل المهمة المطروحة على الساحة، والحكومة
السورية على أعلى مستوياتها بدأت الترويج للتشاركية.. وبالأمس وجه مجلس
الوزراء لأهمية تفعيل قانون التشاركية
بهدف تحقيق الاستفادة القصوى من ميزاته، وتنشيط الاستثمار، وإعداد قائمة
متكاملة بالمشاريع المطروحة للتشاركية مع القطاع الخاص والإعلان عنها،
علماً أن قانون التشاركية صدر في عام 2016 ولم يتم العمل به إلا بشكل
“خجول”.
..
عاصي: التشاركية أصبحت ضرورة وخياراً جيداً.. تحقق قيمة اقتصادية كبيرة
وزيرة الاقتصاد السابقة لمياء عاصي دعت إلى أهمية التشاركية بين القطاعين العام والخاص،
باعتبارها تحقق قيمة اقتصادية كبيرة من خلال الوصول إلى أهدافها.
وترى عاصي أن أحد أهم العوامل التي تساعد
على تحقيق التنمية الاقتصادية هو تعبئة أو استخدام كل الموارد المتاحة في
البلد، سواء أكانت تابعة للقطاع العام أو الخاص, لأن هذا يؤدي إلى رفع
كفاءة الاقتصاد بشكل عام, فهي تعدّ من الوسائل الفعالة في تنفيذ المشاريع
الكبيرة من روافع العمل الاقتصادي، ومن دون الضغط على الموازنة العامة
للدولة, مثلاً: تعدّ إقامة محطات الكهرباء الكبيرة والتي ستؤمن مستلزمات
المعامل والمصانع من الطاقة, والدولة تمتلك الأصول اللازمة لتحقيق المشروع
في حين يمتلك القطاع الخاص الخبرات والمعرفة ذات العلاقة ويمكنه تأمين
التمويل اللازم لتنفيذ ذلك المشروع, فيجري الاتفاق على تقاسم الالتزامات
والمسؤوليات والمنافع أيضاً، ولكن يجب أن يمتلك الخبرات اللازمة لإقامة
المشاريع المتفق عليها..
مخاطر التمويل!
وأضافت عاصي: إن التشاركية يقصد بها,
الاتفاق بين الحكومة والقطاع الخاص لتنفيذ مشروع معين, حيث يتشارك الطرفان
تحمل مخاطر التمويل والمسؤولية عن المخاطر الأخرى، إضافة إلى توزيع
الإيرادات الناجمة عن التشغيل ولمدة محددة وذلك حسب عقد معين, وضمن هذا
السياق, في سورية صدر قانون التشاركية رقم 5 لعام 2016, وفي المادة 2 منه,
تم تشميل ” مشروعات المرافق العامة والبنى التحتية الهادفة إلى الخدمة
العامة كمشروعات الطرق والكهرباء والمياه وغيرها”، ويستثني “صراحة” عقود
استكشاف واستثمار الثروات الطبيعية، مثل النفط والعقود التي يبرمها القطاع
العام حسب أحكام القانون 51 لعام 2004, أما المشاريع التي لم يأت على ذكرها
القانون, فهي كل ما يخص مشاريع الإسكان والمدن الصناعية.
تأمين المستلزمات يجعل التشاركية ناجحة !
وعن متطلبات التشاركية الناجحة للنهوض
بالاقتصاد الوطني استطردت عاصي: يمكن للتشاركية أن تكون إحدى الأدوات
الفاعلة في إحداث النهوض الاقتصادي وتحقيق التنمية الشاملة, إذا توفرت لها
البيئة القانونية والمؤسساتية اللازمة لها, ولا يمكن لها أن تنجح في تحقيق
أهدافها إذا تمت إدارتها والتعامل مع متغيراتها بالطرق التقليدية القديمة
من حيث البنى المؤسساتية أو القانونية, لذلك لا بد من تأمين المستلزمات
التي تجعلها ناجحة وخصوصاً وضوح الأهداف من المشروع وتطبيق أساسيات الحوكمة
في المراحل المختلفة لحياة المشروع, كما إن وجود وحدة مؤسساتية خاصة
بالمشروع تقوم بمراقبة التنفيذ وتقييم المخاطر العامة والمالية التي قد
تلحق بالمشروع ومتابعة النزاعات التي قد تنشأ بين الأطراف المتعاقدة تعدّ
ضرورة ملحة لتأمين نجاح المشروع بالطريقة التشاركية.
التشاركية منفذ جيد للتطوير
ولدى سؤالها متى تكون التشاركية الخيار الأمثل ؟
أوضحت عاصي أن التشاركية بين الحكومة
والقطاع الخاص تكون ضرورة وخياراً جيداً في مجالات معينة مثل: البنى
التحتية والخدمات العامة وكذلك في التكنولوجيا والبحث والتطوير, خصوصاً إذا
كان المشروع يحتاج خبرات خاصة في إنشائه أو إدارته وتشغيله، كما إنه يحتاج
تمويلاً كبيراً لتنفيذه وتشغيله, أو إذا كان تنفيذه سيشكل عبئاً كبيراً
على الموازنة العامة للدولة, كل ذلك ستكون التشاركية منفذاً جيداً للتطوير
بشرط أن يكون العقد التشاركي مبنياً على الوضوح والثقة والشفافية
والمساءلة, والمصلحة المشتركة.
الفرق كبير بين التشاركية والخصخصة
ولدى سؤالها عن إن هناك ترويجاً بأن
الشراكة بين القطاعين العام والخاص هو أداة جديدة للخصخصة ولإدارة الكيانات
الخاصّة للمنفعة العامة؟ أجابت عاصي: الفرق كبير بين التشاركية والخصخصة,
فعقود التشاركية تكون بين القطاع العام والخاص وتهدف لتقديم خدمات عامة أو
بناء مرافق معينة مثل؛ الطرق ومحطات الكهرباء أو المياه, حسب عقد لتنفيذ
وإدارة المشروع يتم فيه تحديد وتشارك المخاطر والمسؤوليات والإيرادات لمدة
معينة، أما الخصخصة فتعني نقل ملكية الممتلكات والأصول العامة إلى القطاع
الخاص بشكل كامل بمقابل مادي معين, من هنا نلاحظ أن التشكيك والقول بأن
التشاركية هي خطوة باتجاه الخصخصة, غير صحيح أبداً, لأن التشاركية ليس فيها
نقل ملكية للأصول العامة.
تعاون مشترك
ونوهت بأن هناك أيضاً خلطاً بين الشراكة
والتشاركية, فالشراكة هي مفهوم معروف قديماً, وهو الاتفاقية بين أشخاص أو
كيانات معينة ينجم عنها شركة أو مؤسسة ويشارك المعنيون بالأرباح والخسائر
بشكل دائم، أي إنها غير محددة بزمن أو بمشروع محدد, أما التشاركية فهي
التعاون بين الحكومة وشركة أو أكثر من القطاع الخاص, لتنفيذ مشروع محدد
ولفترة زمنية محددة ويمكن أن يكون لها هيكل مستقل, بشكل عام الشراكة هي
التعاون الأكثر استدامة بين جهتين..
ما يشاع عن أن التشاركية خطوة باتجاه الخصخصة غير صحيح
وفد سبق للحكومة السورية أن دخلت مع القطاع الخاص في شراكات، وهو ما سمي بالقطاع المشترك, مثل شركات الإنتاج الزراعي, وشركات السياحة لبناء وإدارة المنشآت السياحية, أما التشاركية, ورغم صدور القانون الخاص بها منذ عام 2016, مازال التحفظ والتردد يحيط بها.
نقاط القوة
وعن السلبيات المحتملة للتشاركية وهل من
نقاط قوة؟ ذكرت عاصي أن السلبيات المحتملة لاتباع التشاركية يمكن أن تكون
كثيرة وتتعلق بشكل أساسي؛ بمدى وجود إطار قانوني ومؤسساتي كفوء يقوم بداية
بدراسة المشروع والشركاء المحتملين, ثم أن يجري تقييم المخاطر المالية
والعامة إضافة لدراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع, فإذا كانت الوحدة المختصة
بدراسة المشروع ليست بالكفاءة اللازمة فإن الدولة ستتحمل مخاطر وخسائر
كبيرة, بالمجمل, وضوح وقوة العقد بين الأطراف هي الأساس في حماية المال
العام.
أما نقاط القوة الرئيسة للشراكة بين العام
والخاص تتعلق بتوفر الخبرة لدى الشركاء والقدرة على تأمين التمويل اللازم
إضافة الى توزيع المخاطر.
وأفادت عاصي لدى سؤالها: هل الشراكة أداة لتحقيق التنمية المستدامة؟ أم لأغراض أخرى؟ بأن الشراكة بين القطاعين العام والخاص هي إحدى الوسائل لتحقيق التنمية المستدامة, وهي في حد ذاتها لا يمكن أن تكون لمصلحة تحقيق التنمية أو إنها تعمل لمصلحة المحسوبيات, بل يتحكم بالأمر طريقة تطبيقها والتعامل معها, إذا كانت تفتقد أساسيات الحوكمة فإنها ستكون مثقلة بإساءة استخدام المال العام وستكون المخاطر المالية المحيطة بالمشروع كبيرة، وتلغي الفوائد التي يمكن أن يقدمها المشروع للدولة والمجتمع.
تشرين