دمشق - سيرياستيبس :
ذهب الباحث والصناعي عصام تيزيني في محاضرة الثلاثاء الاقتصادي أمس الى توصيف الفساد في سورية وكيف انتقل من الحالة الناعمة التي كانت سائدة قبل عام 2011 وحيث وصف الفاسدين بأن لديهم بعض الاخلاق فكانوا يفسدون دون أذية المجتمع .. الى الفساد الخشن و الوقح بعد عام 2011 حيث صار أذى المجتمع نهج عمل الفاسدين وكان لافتا حديثه عن تعاظم الفساد الاداري بعد عام 2019 والذي ادى الى واقع حالي سيء للغاية
المحاضرة التي حملت عنوان : كيف ننقذ اقتصاد سورية من الفساد؟ وقدمها تيزيني خلال ندوة الثلاثاء الاقتصادي التي أقامتها جمعية
العلوم الاقتصادية حملت في طياتها الكثير من التساؤلات والمحاور التي
حاول من خلالها إيصال رسالة إلى المعنيين بأن محاربة الفساد تقتضي اتباع
أساليب جديدة لأن الأسلوب المتبع لم يجد نفعاً على عكس ما كان يتم بتخطيط
وتدبير مشرعن لـ«مبدأ دبر حالك.. أو ادفع بتمشي أمورك» حتى أصبح الفساد
ظاهرة تهدد المجتمع بشكل غير مسبوق وأضرت بالجميع. ورأى التيزيني أن
الضرب بيد من حديد ليس الحل، بل علينا أن ننتقل إلى خيارات الإصلاح
المتاحة وفق روح قانون مكافحة الفساد وتطبيق الإستراتيجيات المضادة للفساد
وسن الأنظمة والتشريعات والقوانين والشفافية فيها بما لا يدع مجالاً للشك
والوضوح في تطبيقها على كل من يخالف. واعتبر أن ضيق الحال والقدرة
على العيش.! من أهم ثمار الفساد الذي انعكس على المجتمع وأصاب الجميع
وخصوصاً الفساد الشرس الذي تشكل بعد 2011! وقال: لا يخفى على أحد أن
الفساد ليس دخيلاً جديداً علينا وهو في الحقيقة رفيق درب امتد لعقود على
الاقتصاد السوري وفعل فعله في جميع المفاصل والمؤسسات الاقتصادية. واعتبر
أن هناك هيئات لمكافحته ولكن للأسف من دون جدوى، وبناء على هذا الواقع
يمكننا الاستنتاج أن هذا الفساد الذي أصبح عرفاً صار جزءاً لا يتجزأ من جسد
المجتمع، وخصوصاً أنه لم يؤذ الطبقة الوسطى والتي تشكل 75 بالمئة من
المجتمع، طبعاً ليس كرم أخلاق ولكن لأن مصالح الفاسدين تقتضي بقاء هذه
الطبقة التي تعتبر الخزان الذي لا ينضب لمصالحهم.. وهذه في الحقيقة نقطة قد
تكون إيجابية بشكل مجازي لأن الفساد الذي شهدناه بعد 2011 يجعلنا نترحم
على ذاك الفساد! وأشار الباحث إلى أن الفساد الذي تواصل من 2011
وحتى نهايات 2018 كان له شكل آخر..! حيث تكونت فئة فاسدة لا يهمها مصالح
المجتمع، وهذه الفئة تفتقد المهارة والحرفية في ممارسة الفساد وتختلف عن
فاسدي ما قبل 2011 بغبائها لتفكيرها في الحصول على الثروة بشتى الطرق وهي
غالباً ما تتسبب بأذى مباشر للمجتمع والدولة لذلك بدأت في هذه المرحلة
ملامح تغيير واضح في بنية المجتمع الاستهلاكي السوري الذي ظهرت عليه آثار
الإرهاق والتعب بسبب استفحال النهب والسرقة والفحش والتحول نحو الفقر وهكذا
حتى أواسط عام 2018 والتي تراجعت نسبتها إلى دون 50 بالمئة والسبب
باعتقاده أنه في هذه الفترة كانت إدارة الملفات الاقتصادية تتمتع بشيء من
الرصانة بأدائها وتتماهى مع الوضع المعيشي الذي جعلته قابلاً للتحمل نسبياً
وهكذا استمر الوضع إلى أن بدأ المجتمع يصارع حرباً تجلت بحصار الخارج
والعقوبات الاقتصادية. وقال: علينا أن نقر أن الفرق الحكومية
الاقتصادية حينذاك لم تقف صداً منيعاً تجاه تلك الاختناقات فتعاملت برد فعل
مضطرب حيث صارت تعالج المشكلات بطريقة رد الفعل فغاب التخطيط وغاب استقراء
الأزمات وغابت معه الخطط الإستراتيجية ليكون هذا الأسلوب في الإدارة جزءاً
لا يتجزأ من أدوات الضغط على المستهلك ناهيك عن مسارعتها إلى اتخاذ
إجراءات لمواجهة الحصار الخارجي ظناً منها أن مواجهة العقوبات القاسية
يحتاج أموال وتقشف وسعر صرف ثابت للعملة الوطنية فقط… ليصبح تثبيت سعر
الصرف هو الهدف، ولأول مرة بتاريخ اقتصاد سورية تم تجميد الأموال وتقييد
حركتها وتجفيف الكاش وابتكار أساليب قاسية بطرق تمويل مستوردات التجار
وغيرها من الإجراءات التي فتحت أبواباً جديدة للفساد المالي والنقدي فزاد
النفور وبدأت المشاكل المعيشية تتراكم وجفت المدخرات وتراجعت المداخيل
وأخرجت الحكومة مئات الآلاف من حزمة الدعم بحجة أنهم يملكون سجلات تجارية
ليصبح أغنياء الأمس ومتوسطوهم فقراء اليوم مما أدى إلى تراجع العملة وتدهور
الصناعة والتجارة وغيرها.. حتى أكدت التقديرات والأرقام الرسمية أن 90
بالمئة من الشعب مع نهاية 2023 هم من الفقراء. وخلال الندوة حاول
الباحث إيجاد حلول للتخلص من الفساد وتلافي حدوثة مستقبلاً أولها اختيار
المسؤول الذي يتصدى للشأن الاقتصادي لأن التعيينات في معظمها تكون وفق
المحسوبيات وهذا الأسلوب في الاقتصاد تحديداً لا يجوز، بل يزيد الطينة بلة.
فلا يمكن أن يُدار اقتصاد دولة من دون قادة اقتصاديين مخلصين.. معتبراً
أنه ليس حتمياً أن يكون انتقاء المسؤولين محصوراً فقط بالأكاديميين أو ممن
لهم تراتيب وظيفية حكومية سابقة علماً أن البعض لهم كل التقدير ولكن من
المهم أيضاً أن ندعمهم بطاقم تكنوقراطي عملي واقعي. والناحية الأخرى
أنه من المهم أن يكون المسؤول عن إدارة ملف الاقتصاد حاملاً نهجاً نقدياً
في تفكيره، وعلى الجهات المعنية كف يد بعض الأشخاص المشهود لهم بالفساد
ومنعهم من التدخل أو التأثير في القرار المتخذ.. لأنه طبعاً هناك أشخاص
أكفاء، ولكن نفوذ البعض يمنعهم من أخذ دورهم كما يجب.. واعتبر أنه لا يجوز
أن يتم رمي الكرة في جناح الآخر! وعرّج الباحث في حلوله إلى طرق على
مبدأ «أن يكون آخر الطب الكي» بأن نزيد وبشكل غير مباشر من الإجراءات
الإدارية التي تجبر الفاسدين النافذين على ألا تتحقق مصالحهم إلا عبر نشاط
الرافع الأساسي للاقتصاد وهو المجتمع المنتج بكل شرائحه (تاجر، صناعي،
حرفي، مزارع..إلخ) بحيث لا يمكن لهم أن يجنوا ثروات إلا بتنشيط هذا المجتمع
وجعله يعمل وينتج ويستفيد ولو بالحدود الدنيا.
|