عربش: الخام مستقر عالمياً..وحجم الوفر لن يعادل 1.25 بالألف من موازنة 2025 ..
ميس بركات- خاص لسيرياستيبس
:
بثقة كبيرة وأرقام أسندت ظهرها عليها... خرجت الحكومة الجديدة منذ يومين بقرار رفع سعر المازوت"المدعوم" لتسير على خُطى الحكومة السابقة بقرارات رفع الأسعار مع فارق بسيط بتوقيت الإصدار الليلي الذي ميّز قرارات الرفع السابقة على مدار سنوات طويلة، ولأن "خدّ" المواطن اعتاد على اللّطمات المستمرة برفع الأسعار ليصبح "زبون دوّيم" بحقل تجارب الحكومات المتعاقبة والمتكّئة على جيب المواطن لتغطية الفجوات المالية وتحقيق الوفر لخزينة الدولة، فإن قرار الرفع مرّ كأي قرار روتيني دون أي ضجة من المواطنين في حين كان له وقع كبير على الاقتصاديين من منحى توقيت ومضمون القرار.
وعلى الرغم من أن كمية المازوت المدعوم والموّزع مرة كل عامين في أغلب الأحيان لا تستحق الجهد الذي تبذله السياسات الاقتصادية في طرحها وقسمتها كل شهرين لمعرفة الوفر المحقق وجمعه في النهاية من جيب المواطن "المضروب" بحجر الدعم، إلّا أنها على ما يبدو لم تجد حتى اليوم منبعاً آخر لتخفيف عجز الموازنة..
ليؤكد الدكتور في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق شفيق عربش لـ"سيرياستيبس" أن حجم المفاجأة كبير بصدور قراري رفع سعر البنزين ومن ثم المازوت بعد أيام قليلة من تولي الحكومة الجديدة مهامها وقبل أن تنال ثقة مجلس الشعب على بيان وزاري ستقدمه والذي لن يخرج عن دائرة ما سبقه من بيانات تتلخص بجمل إنشائية محشوة بالأرقام، وبما أن الثقّة شكلية –والكلام لعربش- خاصة بعد تأكيد رئيس مجلس الشعب بافتتاح الدور التشريعي أن مجلس الشعب والحكومة في خندق واحد سنصل لنتيجة مفادها أم الحكومة لن تُحاسب على أي قرار تتخذه. وانتقد عربش المبررات التي ترافق قرارات رفع أسعار جميع السلع والمحروقات بتخفيف عجز الموازنة ووهم إعادة توزيع الدعم لمستحقيه، ففي حال كانت الغاية إلغاء الدعم بشكل تدريجي، فهذا الأمر مرفوض، كذلك الأمر إذا كانت الغاية إصلاح سياسة الدعم فستكون النتيجة غير مناسبة لان سياسة الدعم بالأساس هي سياسة خاطئة،
وما نراه اليوم أننا سنعيش تجربة عشناها بالنصف الثاني من العقد الأول من هذا القرن وما يحصل لا يخرج عن دائرة استنساخ هذه التجربة من قبل أشخاص كانوا شركاء بهذه التجربة، لكنّهم لا يعرفون كيف يستنسخونها.
وبرأييه الشخصي أكد دكتور الاقتصاد عدم موافقته على سياسة الدعم لاسيّما الدعم غير المنضبط والذي شرّع الأبواب أمام عصابات الفساد في هذا البلد، لكن لابدّ من بديل من هذه السياسة وهذا البديل يتطلب إصلاح كل مكونات العملية الإنتاجية والأنظمة والقوانين النافذة، فالحكومة تفكر بتحقيق إيرادات لها عن طريق "إدارة النقص بطريقة رفع الأسعار حتى تصبح سعر السلعة خارج القدرة الشرائية لشريحة كبرى من المواطنين" متسائلاً لماذا لا يتم إدارة النقص بتعويض النقص، وفي حال تم إلغاء سياسة الدعم وإصلاح الرواتب والأجور يجب الحفاظ على الكوادر وإعادة النظر بقانون العاملين الأساسي في الدولة وخلق بيئة تنافسية في العمل وبنفس الوقت نحن بحاجة لشبكات حماية اجتماعية لكي تقوم الدولة بواجبها وبموجب دستورنا الذي أُقرّ تجاه الطبقات المهمّشة.
وبلغة الأرقام دحض عربش مبررات الحكومة لقرار الرفع الأخير لخمسين لتر من المازوت والتي لا تكفي خمس أيام في الكثير من المناطق، إذ سيفرق سعرها بناء على القرار الجديد 150 ألف ليرة، وبحسابات الحكومة "نظرياً" فإن أربع ملايين "بطاقة مدعومة" سينتج عنها 600 مليار لخزينة الدولة وهذا لا يخرج عن دائرة الكلام النظري غير المقبول، خاصّة وأن سياسة التوزيع خلال الأعوام الأخيرة تتم كل عامين مرة واحدة بالتالي فإن الوفر الذي سيحقق هو 300 مليار، وفي حال سلّمنا جدلاً بأن كل الأسر ستأخذ الخمسين لتر فإن حجم الوفر لن يعادل 1.25 بالألف من الموازنة العامة للدولة في عام 2025، أي أن كل هذا الوفر سيشكل أقل من رواتب شهر كامل للعاملين في الدولة، وطبعاً سيكون هناك انعكاس لرفع السعر على الاقتصاد ككل.. منوّهاً إلى بدء عملية التحوّط التي ترافق القرار بارتفاع سعر المازوت الحر والصناعي وسنشهد ارتفاع في الأسعار وأجور النقل، علماً أن أسعار الخام عالمياً بالرغم من كل التوترات الحاصلة في المنطقة مستقرة وفي بعض الأحيان هي في تراجع.
|