سيرياستيبس 

في هذه المرحلة الفاصلة من تاريخ سوريا، يبرز دور التكنولوجيا الحديثة، لا سيما الذكاء الاصطناعي، كأداة محورية لرسم ملامح المستقبل الاقتصادي بوجه عام،و تعزيز صمود القطاع الزراعي أمام الأزمات المتعاقبة، وسط تحديات جمة تعصف بمختلف القطاعات عموماً، والقطاع الزراعي خصوصاً الذي يعد ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني، وسلّة الغذاء الأولية.

للوهلة الأولى قد تكون النظرة إلى الذكاء الاصطناعي وكأنه عنصر خيالي غير فعال في الأمور المحورية التي تؤثر على الاقتصاد وعلى الحياة عموما، لكن دوره يتقدم ليكون جوهريا وخاصة على المستوى الزراعي، بدءا من تحليل بيانات التربة، مرورا بتقدير الاحتياجات الفعلية من المياه، وصولاً إلى تقييم الكفاءة الاقتصادية.
ومع تراجع الإنتاج وتفاقم مخاطر الجفاف وتدهور البنى التحتية يلوح الذكاء الاصطناعي كخيار استراتيجي لتعزيز صمود الزراعة وتحسين كفاءتها كما يبين الباحث الزراعي الدكتور مجد نعامة  خاصة أن القطاع الزراعي في سوريا يشكل عصب الاقتصاد الوطني وسلّة الغذاء الأساسية للسكان.
و قد تكون الهيكلية العامة غامضة نوعاً ما للجمهور العادي أو المتلقين، لكن عملياً إمكانات الذكاء الاصطناعي في الزراعة كبيرة من حيث الزراعة الدقيقة و حساسات إنترنت الأشياء وطائرات مسيّرة ترصد رطوبة التربة والعناصر الغذائية، فتقلل الهدر وتوجّه المياه والأسمدة بفعالية،كما يتيح التنبؤ المبكر وفق خوارزميات تعلم آلي تحلل صور الأقماروالبيانات المناخية للتنبؤ بموعد الحصاد الأمثل، وكشف بؤر الآفات قبل انتشارها،إضافة إلى الأتمتة عبر روبوتات وأجهزة ذكية لعمليات الرش والحصاد تقلل الاعتماد على اليد العاملة وتسرّع الإنجاز.

فرص التطبيق

والسؤال الجوهري،كيف تبدو فرص التطبيق في سوريا؟و يجيب الدكتور نعامة بشرح جملة نقاط أولها، الجانب المائي،والانطلاق من إدارة المياه، ونشر حساسات ذكية تُربط مع منصات سحابية، ترسل تنبيهات فورية للمزارع حول حاجة الأرض للري، إضافة إلى دعم صغار المزارعين باستخدام تطبيقات موبايل تعمل أوف لاين تقدّم توصيات زراعية مبسطة (مواعيد الزراعة، مكافحة الآفات) ويُرافقها تدريب ميداني عبر شراكات مع منظمات أممية مثل (FAO )و (UNDP).
وأيضاً تأهيل البنية التحتية وتحديث شبكات الري بأجهزة لمراقبة الضغط والكشف المبكر عن الأعطال، وتزويد الصوامع بأنظمة قياس حرارة ورطوبة ذكية للحدّ من التلف.

تحليل الكفاءة الاقتصادية

وكان الباحث نعامة ابتكر تطبيقا ذكيا يحسب نسبة العائد إلى التكلفة للمشاريع النباتية والحيوانية عبر خوارزميات Python ويتيح للمستخدم: اختيار نوع المشروع (نباتي/حيواني)، كذلك إدخال عناصر التكلفة والإيراد (أسمدة، مياه، أجور…)، وثالثاً حساب الكفاءة الاقتصادية وتصنيفها (“كفؤ” أو “غير كفؤ”).
وأظهر التطبيق إمكانية خفض الهدر بنسبة 20–25% من خلال توصيات معتمدة على بيانات حقيقية، ما يعزز ربحية المشاريع ويوجه الدعم الحكومي للمشروع الأنسب.
وأكد نعامة أن هذا الاتجاه ضروري لواقع الزراعة السورية الذي يسجل تراجعاً من حيث الإنتاج والحصاد ففي عام 2024 شهد محصول الحبوب انخفاضاً عن المعدل الوسطي نتيجة تأخر الأمطار في دير الزور والحسكة، ونزوح السكان من المناطق الشمالية والشرقية، ما أثر على الأمن الغذائي المحلي، باعتبار أن القمح والشعير والمحاصيل البقولية يشكلون نحو 60% من الحبوب الاستهلاكية، رغم تناقص الغلال.
وأيضا ضروري لمواجهة التحديات الأساسية التي تعصف بالزراعة من ارتفاع درجات الحرارة وزيادة تبخر المياه ما قلّص الإنتاج البعلي بصورة واضحة، ومن البنى التحتية التي تحتاج صيانة وإصلاح مباشرين كشبكات الري والصوامع ومراكز التوزيع للحدّ من الخسائر بعد الحصاد.إضافة إلى نقص الإرشاد الفني وغياب المختصين الزراعيين وصعوبة وصول التقنيات الحديثة لصغار المزارعين ساهم في الاعتماد على طرق تقليدية ذات إنتاجية منخفضة.

إستراتيجيات مستقبلية

وعليه يرى نعامة ضرورة اعتماد حوافز استثمارية تشمل إعفاءات ضريبية وتشجيع شراكات بين القطاعين العام والخاص في تقنيات الزراعة الرقمية.
واعتماد مشاريع نموذجية (Pilot): بالتعاون مع FAO وUNDP لتقييم أثر المبادرات التقنية قبل التوسع، مع التشديد على أهمية التدريب والتعليم بعقد ورش عمل للمزارعين وإدراج التكنولوجيا الزراعية في مناهج الجامعات، وتشكيل لجان مشتركة بين وزارة الزراعة والمؤسسات التقنية لضمان استدامة وتطوير الحلول.

الحرية