ما أكثر ما تريد هذه الحكومة تنفيذه ولكن هل تستطيع ؟  
سورية الجميلة RSS خدمة   Last Update:16/11/2024 | SYR: 02:49 | 16/11/2024
الأرشيف اتصل بنا التحرير
TopBanner_OGE

 بين المدن والارياف المنهكة
هل فكرتم يوماً بسياحة في سوريا تدمج المعرفة والطعام والثقافة؟
03/03/2020      


زينة شهلا

"البداية كانت من طبق كبير وُضعت عليه كرات "الكشك" بهدف التجفيف، وأثار فضولي وأيضاً حزني بشكل كبير"، تشرح لي ناديا حلمي بابتسامة عريضة ونحن جالستَين في أحد مقاهي دمشق، "واليوم هو مشروعنا الصغير الذي نُطلق عليه اسم "السياحة الريفية"، ونسعى لتوسيعه شهراً بعد آخر وفي كافة أنحاء سوريا".

"ماذا تقصدين بالسياحة الريفية؟"، أسألها، لتجيب بأنه مصطلح أطلقته على مشروعها الذي بدأ منذ بضعة أشهر، بهدف التعرف على الأرياف السورية التي لم يُسلط عليها الضوء يوماً كما يجب، "هو تعارف على طريقتنا الخاصة التي تدمج السياحة والطعام والثقافة في آن معاً"، تقول.

"وما هي حكاية طبق الكشك؟"، سؤال آخر. "هو طبق رأيته ذات مرة على سطح منزل عندما كنُت أزور واحدة من قرى الساحل السوري، ودفعني للتفكير بالهوّة التي تفصل مدننا عن أريافنا، وبمقدار المعرفة التي تنقصنا، نحن سكان المدن، عن تلك الأرياف وثقافتها وتقاليدها على مختلف الأصعدة، ومن هنا انطلق المشروع".

تبادل تجاري وثقافي بين الأرياف والمدن

مع بداية الخريف الفائت، انطلقت أولى رحلات مشروع السياحة الريفية بمبادرة من ناديا، وهي مهندسة معمارية متقاعدة، هدفت من خلالها لجمع عدد من صديقاتها من سكان دمشق، والانطلاق نحو أرياف بعيدة ربما لم تفكرن يوماً بزيارتها، ووقع الاختيار على منطقة شير الأسود التابعة لناحية البهلولية بريف اللاذقية الشرقي.

"لم يكن الهدف فقط أن نزور المنطقة وإنما أن نتشارك مع أهلها عدة أمور وأن نتعرف إليهم عن قرب، وهو أمر لا نقوم به في الجولات السياحية الاعتيادية". بذلك قررت ناديا وصديقاتها الأربع أن يجتمعن مع عدد من نساء المنطقة ليصنعن سوية دبس الرمان، وذلك بقضاء بضعة أيام في المقر الريفي التابع للجمعية الوطنية لإنماء السياحة والواقع في البهلولية.

"اكتشفنا حينها أن فعل التشارك هذا، وما تضمنه من تبادل للخبرات المحلية حول طريقة إعداد دبس الرمان، والتي تختلف من منطقة لأخرى، كان له أثر كبير على أن نكتشف بعضنا البعض بطريقة لم نألفها من قبل"، تقول ناديا.

تكررت الرحلة بعد ذلك ثلاث مرات، توسعت خلالها المجموعة لتشمل أعداداً أكبر من المشاركات من مدن مختلفة، وزارت قرية الدالية بريف مدينة جبلة حيث يُصنع صابون الغار ضمن وحدة التصنيع الريفية الخاصة بالقرية، ثم عادت نحو شير الأسود للتشارك بصناعة منتجات النارنج والبرتقال والتي تشتهر المنطقة بإنتاجهما بكميات وافرة، وتضمنت هذه الرحلات أيضاً تحضير أطعمة محلية شعبية خاصة بالمناطق المُزارة، وجولات سيراً على الأقدام لاكتشاف الطبيعة المحيطة والمناطق الأثرية التي يمكن أن توجد فيها.

وتسعى ناديا والسيدات المشاركات معها إلى توسيع نطاق الرحلات مستقبلاً، وزيارة مناطق أخرى في أرياف شمال ووسط وجنوب سوريا، والتعرف إليها، ومشاركة أهالي تلك الأرياف بصناعة مختلف أنواع المؤونة التي تشتهر بها.

لننتبه، فنحن لا نريد تخريب الأرياف

تتحدث النساء المشاركات في مشروع السياحة الريفية عن آثار إيجابية لتلك الزيارات لكلا الطرفين المشاركين.

فبالنسبة للسيدات القادمات من المدن، تتجلى الفائدة الكبيرة بعودتهن مع منتجات طبيعية عالية الجودة، الأمر الذي يصعب العثور عليه خاصة في المدن الكبيرة. ففي كل منطقة ريفية قصدنها خلال رحلاتهن عثرن على منتجات مصنوعة محلياً وبشكل يدوي، كالأطعمة والمربيات ومستحضرات التجميل المستخرجة من مكوّنات طبيعية.

أما سيدات الأرياف المختلفة، فقد حصلن على دعم لمنتجاتهن وبالتالي لوضعهن الاقتصادي بشكل عام، فبعد سنوات الحرب وفقدان آلاف الرجال، أخذت النساء خاصة في المناطق الريفية دوراً اقتصادياً أكبر، وأُلقيت على عاتقهن أعباء أثقل لإعالة عائلاتهن، مع ندرة فرص العمل ومصادر الدخل في تلك المناطق، ما يعني الحاجة لدعم مضاعف كي يتمكنّ من مواكبة الأحوال الاقتصادية المتراجعة في كل أنحاء البلاد.

"هو دعم من دون أي وساطة تجارية"، تقول ناديا، مشيرة إلى أن القناة المباشرة التي يخلقها هذا النوع من السياحة بين الريف والمدينة يرفع من ثقة أهالي الريف بأنفسهم وبمنتجاتهم، ويزيد من رغبتهم في تحسين عملهم وعرضه بالشكل الأفضل على هؤلاء المستهلكين الجدد الذين يمكن أن يتحولوا أيضاً لمندوبي دعاية وتسويق لتلك المنتجات في مدنهم ومناطقهم لدى عودتهم إليها، وأيضاً للترويج للمناطق الريفية غير المعروفة والتي قلّما كانت يوماً محطات جاذبة للسياح الداخليين.

تشير السيدات أيضاً إلى حرصهن على ألا تتحول هذه الرحلات السياحية، التي يصفنها بأبسط أنواع السياحة وأقلها كلفة وأكثرها متعة، إلى عامل يساهم في تخريب الأرياف بدلاً من إنعاشها.

"هنا تكمن العديد من المخاوف التي لا بد من أن نطرحها على أنفسنا في كل زيارة"، توضح ناديا. "تتجلى هذه المخاوف في أن نؤذي دون قصدنا المناطق الطبيعية، أو أن نحوّل هؤلاء الناس الذين يستقبلوننا في قراهم الصغيرة إلى أشخاص يعتاشون على هذه السياحة، أو أن نتحوّل نحن أبناء المدن لأشخاص راغبين فقط بالاستفادة من الريف دون إفادته. هي علاقة تبادلية وتشاركية وفي الوقت ذاته حساسة، وهي ثقافة إن تعممت بشكل صحيح قد تساهم بخلق طرق تواصل جديدة بين المدن والأرياف السورية".


شارك بالتعليق :

الاسم : 
التعليق:

طباعة هذا المقال طباعة هذا المقال طباعة هذا المقال أرسل إلى صديق