مع انحسار مساحات «السيران» باتت الكافتريات والمطاعم
متنفّساً أساسياً
سيرياستيبس:
ارتفعت
نسبة المستثمرين في قطاع المقاهي في العاصمة السورية. مقاهٍ «عصريّة»، درجت تسميتها
بـ«كافيهات»، من مختلف المستويات والمساحات، وتزايدت أعدادها في شكل لافت. الدوافع
كثيرة، على رأسها سهولة إطلاق هذا النوع من الأعمال، في ظل تحول مخيف لنمط الاقتصاد
السوري من اقتصاد إنتاجي إلى اقتصاد خدمي استهلاكي. علاوة على انطلاق كثير من أصحابها
من فكرة «شريك الماء لا يخسر»، وتأسيس أعمالهم باستسهال ومن دون السعي إلى تحقيق تمايز
فعلي. كل ما يحتاج إليه الأمر، صالة مستأجرة أو مشتراة، ديكور، طاولات وكراسٍ، بعض
المعدّات، يافطة واسم، واف
قبل
عامين عاد لبيد، إلى سوريا، بعد اغترابٍ دام ثلاثين عاماً في إحدى الدول الخليجية.
سعى ابن مدينة التل إلى توظيف رأس مالٍ في مواد البناء، ومجال الصناعة، لكنّه لم يحصّل
عائدات مناسبة. بعدها، قرّر الاستثمار في مجال «سهل»، فافتتح كافتيريا مع بداية العام
الحالي. يقول «وجدت أن مصلحة المطاعم هي التي تتماشى وسوق الفترة الحاليّة، وبعد مراقبة
سوق العمل، وجدت أن مشروع (الكافيه) هو الخيار الأنسب». ويضيف «الكافيه مكان مريح لمن
يود الاستراحة وتناول مشروب سريع أو أخذ نفس أركيلة». اختار لبيد صالة في حي الشعلان
الدمشقي، بسبب مركزيّته وازدحامه. حرص على اختيار ألوان جاذبة للنظر، ومريحة، وانتقى
اسماً أجنبيّاً «يتناغم مع كلمة كافيه»، و«طاقم عمل محترماً يبتسم دوماً للزبون، فأهم
شيء أن يشعر الزبون بالراحة»، كما يقول. لبيد، واحدٌ من كثيرين باتوا يرون الاستثمار
في هذا القطاع خياراً «مضموناً»، لأنه مشروع واضح المعالم، يمكن إطلاقه سريعاً، من
دون معوقات وعراقيل، فضلاً عن سرعة إدراره الدخل للمستثمرين. «نحن اليوم بحاجة إلى
مهنة المردود اليومي أو الشهري. طبعاً هذا لمن يملك رأسمال صغيراً، أما أصحاب رؤوس
الأموال الضخمة فلا مشكلة لديهم في المشاريع التي ترد أرباحها بعد سنوات»، يقول لبيد.
من
أقدم «الاستثمارات»
يعود
تاريخ هذه المهنة في دمشق إلى القرن السادس عشر، إذ افتُتح أول مقهى فيها عام 1530،
وكان اسمه «قهوة خانة»، وتقول مصادر عديدة إنّه كان «أول مقهى في العالم». طرأت تغيرات
شكلية كثيرة على المحال الحديثة، علاوة على حلول اسم «كافيه» محل اسم «قهوة»، أو «مقهى»،
أما العمل والخدمة فظلا يدوران في الفلك نفسه، ووفق النظام نفسه، من دون تطوّرات جوهرية.
يعدّ مقهى الروضة، في شارع العابد، واحداً من أقدم المقاهي الشعبيّة في دمشق، افتُتح
في العام 1938، ولم يتغير شكله كثيراً منذ ذلك الوقت. يقول أبو الحكم، وهو أحد أقدم
العاملين في المقهى «أعمل هنا منذ منتصف السبعينيات. لحقت المكان تغييرات قليلة، مثل
شكل السقوف، والسيراميك الذي كسا جدران الجهة الشرقيّة من المقهى. كما استُحدث في زاويته
الداخلية شلال، تمّت إزالته في ما بعد». ويضيف «مرتادو المكان تغيّروا أيضاً، وهذا
أمر طبيعي بسبب الظروف التي اجتاحت البلد». يرى أبو الحكم أن إحدى أهم مزايا «الروضة»
استقباله النساء كما الرجال، «من جميع الأعمار، ومن المحجبات وغير المحجبات، هذا الأمر
كان مألوفاً منذ إنشاء الروضة واستمر حتى اليوم »
ترتفع
فواتير المطاعم و«الكافيهات» تبعاً لارتفاع الأسعار المطّرد في السوق
« الكافيه» بديلاً
مع
انحسار المساحات المناسبة لـ«السيران» في أحضان الطبيعة، باتت الكافتريات والمطاعم
متنفّساً أساسياً لسكان العاصمة، لكنه مكلف وليس متاحاً للجميع. كانت نزهات الغوطة
قد تناقصت منذ سنوات طويلة، بسبب الزحف العمراني الكبير، قبل أن تتحول ساحة للحرب.
اليوم، لم تستعد جاذبيتها الكاملة للمتنزهين، بفعل أسباب كثيرة، أمنية ونفسيّة، وفقاً
لشروحات عثمان، وهو ربّ أسرة مؤلّفة من خمسة أفراد. ويضيف «كذلك، لم يعد سهلاً أن نقصد
مناطق الاصطياف المجاورة. الأمر بات مرهقاً، ومكلفاً، إضافة إلى أن الخدمة هناك لم
تعدّ كما عهدتها في السابق». يؤكد عثمان أن «العاصمة لا تمتلك حدائق مؤهلة للارتياد،
وإذا استثنينا حديقة تشرين، فسنجد أن لا حدائق يمكن التنزّه فيها». يتشابه معظم «كافتريات»
دمشق، في كثير من التفاصيل الأساسية، وتكاد عوامل المفاضلة بينها تقتصر على الانطباعات
الشخصيّة. يحبّ سليم، وهو شاب في الخامسة والعشرين، كافتريات «ساحة المطاعم» (حي أبو
رمانة)، التي ترتادها وجوه معروفة من فنانين وغيرهم. يقول الشاب «ما يميّزها بالنسبة
إلي، وبكلّ صراحة، أن وجوهاً معروفة من الفنانين ترتبط بتلك الأماكن وتزورها بشكلٍ
دوري». ويضيف «ليس الدافع تناول وجبة، أو شرب فنجان قهوة، بل التقاط صورة سيلفي، مع
فنان أو فنانة، ثم نشرها على صفحتي في موقع إنستغرام»
«الفاتورة
بعد إذنك »
يتحدث
الخبير الاقتصادي هاني خوري عن مشكلة في هذا النمط من الاستثمارات، قوامها «الاستسهال،
وتحويل رأس المال من فاعل وإيجابي، إلى منفعل في دورة استثمار تنذر بالخسارة». يشرح
خوري بالقول «الاستسهال يتجلى في الذهاب برأس المال إلى مساحة عمل ليست ذات إنتاج حقيقي،
ولا تحمل الديمومة المطلوبة لمشروع «استثمار، فضلاً عن منعكساتها السلبية على أسعار
الكتل العقارية وارتفاعها». يشير خوري، وهو مدير «مؤسسة الرضا للتدريب والتطوير»، إلى
أن هذا النوع من المشاريع «غالباً ما يصطدم أصحابه بالخسارة، ليتخلوا عنه بسرعة». ويضيف
«أخطاء هذا النوع من الاستثمار كثيرة، إضافة إلى أن كثرة أعداد الكافتريات تشكل تزاحماً
في ما بينها، لا سيما أن معظمها يتشابه، ولا تحمل واحدتها مقومات تختلف فعليّاً عن
الأخريات». ترتفع فواتير المطاعم و«الكافيهات» تبعاً لارتفاع الأسعار المطّرد في السوق.
رغم ذلك سنجد مرتادي «الكافيهات» في دمشق مواظبين على عاداتهم. وجد البعض حلّاً للتكلفة
المالية، يعتمد على التشارك في الدفع، بهدف «الحفاظ على لقاء الأصحاب»، وهذا ما تشير
إليه فاتن. تقول الفتاة العشرينية «كل شخص يدفع عن نفسه، ويطلب على قدر ما يملك من
المال. هذه مسألة مريحة، فالوضع بات صعباً لدى معظم الناس »
الأخبار
اللبنانية