سيرياستيبس :
داهمت قناديل البحر
شواطئنا هذا الصيف بكثافة، وفرضت نفسها عنواناً عريضاً في المشهد السياحي هذا الموسم،
بما سببته من هواجس ومخاوف لدى مرتادي الشاطئ للسباحة في البحر، إذ لم يعد النزول إلى
البحر والسباحة في وارد اهتمامهم لمجرد معرفتهم بانتشار القنديل الذي يتربص بمرتادي
البحر و لا يتوانى عن طبع لسعته على الجسد محدثاً الألم الشديد بكل مضاعفاته و مرافقاته
و علاماته. كثيرون جداً هم الذين آثروا ألا يعرّضوا أنفسهم لهذا الألم الذي يحمله القنديل
فنأوا بعيداً عن البحر تفادياً لمواجهة مع قنديل لا يرحم ولا يرأف بحال الجسم الذي
يلتصق به و يلسعه بلا هوادة، و لذلك فإن هجوم قنديل البحر على هذا النحو الكثيف لشواطئنا
قد أثّر بشكل واضح على حركة الاستجمام على شاطئ البحر، وبالتالي شكّل منغّصاً حقيقياً
لحركة النشاط السياحي التي تأثرت و تضررت أيضاً بأزمة جائحة كورونا و بتدابير و إجراءات
الوقاية الاحترازية الضرورية .
بشكل توضيحي
و حول الإضاءة العلمية
و البحثية على قنديل البحر و ماهيته و تركيبه و عوامل تواجده على شواطئنا و ما يسببه
من مشاكل وأضرار للمصطافين ومرتادي البحر فقد تحدث الدكتور سامر غدير غدير عميد المعهد
العالي للبحوث البحرية في جامعة تشرين عن الدراسة العلمية التي جرى إعدادها ووضعها
بشكل توضيحي شامل عن قنديل البحر الرحّال “روباليما نوماديكا” حيث أوضح بأنّ قناديل
البحر تنتمي إلى شعبة اللاسعات وهي لافقاريات تشكل جزءاً من العوالق الهلامية الضخمة
يتكوّن الجسم في معظمه من الماء، مشيراً إلى أن قناديل البحر لا تمتلك أجهزة دوران
أو تنفس أو إطراح، وتنتشر فيها شبكة عصبية بدائية تشمل الجسم بأكمله تسهم في تأمين
تقلصات الحيوان المنتظمة و ردود فعل متناسقة .
وأضاف: تتعرض شواطئنا
لهجمات من قنديل البحر الرحّال الذي يظهر بأعداد كبيرة جداً ويسبب كثيراً من المشاكل
و الأضرار الجسيمة للمصطافين على طول الساحل السوري، كما أنه يؤثر على الصيد البحري
من خلال تمزيق الشباك و افتراس العوالق الحيوانية التي تعدّ الغذاء الرئيسي للأسماك،
بالإضافة إلى كونه يتغذى على بيوض الأسماك و يرقاتها ما يؤثر تأثيراً كبيراً على المخزون
السمكي، ويعدّ قنديل البحر الرحّال من أكبر قناديل البحر الأبيض المتوسط و أكثرها خطورة
و تأثيراً على الإنسان لما تحتويه خلاياه اللاسعة من سموم و أنزيمات تسهم في الاستقلاب
الليبيدي للغشاء الخلوي و تسبب التأثيرات الجلدية والتنفسية التي تحدث بعد اللسع، ما
أوجب وضعه من بين قائمة أسوأ مائة نوع غاز في البحر المتوسط و أكثرها تأثيراً .
ويتميز هذا النوع
بلون أبيض مائل للأزرق الثلجي و له مظلة هلامية نصف كروية تقريباً ثخينة في المركز
و تقل ثخانتها تدريجياً باتجاه الحواف وتوجد له ٨ أنواع فموية قوية ناعمة تلتحم في
المنتصف و تحمل في نهايتها خيوطاً طويلة و رفيعة يتراوح قطر المظلة بين ١٠ إلى ١٠٠
سم و يتراوح وزن الفرد الواحد ما بين ١ إلى ١٠ كغ و قد يصل وزنه إلى ٤٠ كغ . ويعدّ
قنديل البحر الرحّال نوعاً مهاجراً من المحيط الهندي و جديداً بالنسبة للبحر المتوسط
ربما هاجر من موطنه الأصلي في المحيط الهندي إلى البحر الأحمر و منه إلى البحر المتوسط
مع مياه صابورة و هياكل السفن القادمة عبر قناة السويس . وظهر هذا النوع لأول مرة في
البحر المتوسط أمام شاطئ فلسطين عام ١٩٧٧ و من ثمّ الساحل اللبناني عام ١٩٨٨ و جرت
الإشارة إليه في المياه السورية عام ١٩٩٥ تزامناً مع تسجيله أول مرة في الساحل التركي
لينتشر بعدها في كامل الحوض الشرقي و جزء كبير من الحوض الغربي للبحر المتوسط . ويجري
تسجيل تجمعات كبيرة من أفراد هذا النوع بدرجة غير مألوفة سنوياً أواخر الشتاء و بداية
الربيع منذ العام ٢٠١١ ليختفي اختفاء كلياً حتى بداية شهري تموز و آب من كل عام حيث
يعود للظهور و الانتشار انتشاراً واسعاً على شكل تجمعات كبيرة جداً على طول الساحل
السوري ثم يختفي ظهوره كلياً مع نهاية الصيف.
تزايد الأعداد
و عن أهم الأسباب
المحتملة للظهور الكثيف و المتزايد لأعداد قناديل البحر في البحر الأبيض المتوسط أوضح
غدير أن هذه الأسباب تكمن في التغيّر المناخي نتيجة للنشاط البشري و التلوث و الإثراء
الغذائي و الصيد الجائر و استنزاف الثروة السمكية واستغلال الشواطئ استغلالاً مباشراً
من قبل البشر و غياب الأحياء المفترسة و أهمها السلاحف البحرية حيث تتعرض في البحر
المتوسط إلى خطر الانقراض، ما أدى إلى انخفاض أعدادها بشكل كبير حيث تتغذى السلاحف
البحرية أساساً على قناديل البحر و بالتالي أدى غيابها إلى حدوث عدم توازن لصالح القناديل
و زيادة أعدادها . ويتمثل تأثير اللسعات بحروق جلدية و احمرار و ألم شديد مع حكة في
موضع اللسع و نادراً ما تكون شاملة للجسم إلا في حالات التحسس كما تتضمن الأعراض في
الحالات الشديدة حمى و إعياء و ألماً عضلياً و قد تحتاج إلى دخول المشفى، أما التأثير
الأشد فهو على العين حيث يؤدي إلى حدوث وذمات و التهاب الملتحمة
و عن أهم الإسعافات
الأولية في حال التعرض للسعات قنديل البحر، فقد بيّن عميد المعهد العالي للبحوث البحرية
أنه ينصح عند تعرض المصاب للسعات القناديل القيام ببعض الإجراءات للتخفيف من الآثار
و تشمل غمر الجزء المصاب بماء البحر و ليس بالماء العذب الذي ينشط الخيوط اللاسعة و
يستحسن أن تزال أجزاء القناديل الملتصقة بالملقط أو بالحافّة غير الحادة للسكين و عدم
لفّها بالقماش أو دعكها بالرمال لأن ذلك قد يؤدي إلى انطلاق المزيد من الخلايا اللاسعة
فيزداد التأثير اللاسع و معاملة الجزء المصاب بمحلول مخفف من حمض الخل ٥ % أو الخل
المنزلي لمنع انطلاق استعمال الماء البارد و الثلج لتخفيف ألم الحروق و دهن الجسم المصاب
بالمراهم المسكّنة لألم الحروق أو استعمال مراهم مضادات تحسس موضعية و في إصابة العين
معالجتها بقطرات مسكّنة مثل أوبتلار و قطرة كورتيزون مع مضاد حيوي مثل سبير ساموند
و يجب مراجعة طبيب العينية. ويجب المحافظة على درجة حرارة الجسم بتحريكه تحريكاً مستمراً
و استعمال طرق التنفس الاصطناعي في حال حدوث أزمات تنفسية و إغماء و نقل المصاب فوراً
إلى المستشفى لإجراء الإسعافات و إعطاء العلاج اللازم و يجب أخذ الحيطة و الحذر عند
السباحة في مناطق ظهور قنديل البحر أو عند رؤية أي نوع منها و ضرورة عدم الاقتراب منها
حتى وإن كانت ميتة و ملقاة على الشاطئ لأنها مازالت قادرة على اللسع و نأمل من مرتادي
الشاطئ و العاملين في مهنة الصيد البحري الإبلاغ عن أي مشاهدات لقناديل البحر و تصويرها
إن أمكن و يمكن لنا عندها جمع المعلومات البيئية اللازمة بما يخدم حماية الحياة البحرية.
استخلاص الكولاجين
و في سياق متابعة
تأثيرات قنديل البحر و إجراءات التعاطي العلمي مع تواجده على شواطئنا فإنه من المهم
جداً أن تستوقفنا دراسة بحثية في هذا الإطار و هي من أهم الأبحاث في المعهد في هذا
المجال و هي تحويل هذه المشكلة إلى مادة يستفاد منها في مجالات الطب و الصيدلة و يقوم
به فريق بحثي من المعهد برئاسة الدكتور أحمد قره علي رئيس قسم الكيمياء البحرية في
المعهد العالي للبحوث البحرية في جامعة تشرين والباحثة نور جسري و يتناول البحث استخلاص
الكولاجين من بعض أنواع الأحياء البحرية ( قنديل البحر ) في الساحل السوري . و أوضح
الباحث د. أحمد قره علي أنه من خلال هذا البحث سيتم العمل على الاستفادة من هذه الثروة
المهمة الغنية بالمواد الأولية كالكولاجين الذي يعدّ من أهم هذه المواد الطبيعية و
المستخدمة بكثرة في المستحضرات الدوائية و الطب الحيوي و صناعة الجلود، ولابد من العمل
على الاستفادة من هذه الثروة المهمة والغنية بالمواد الأولية كالكولاجين الذي يعد من
أهم هذه المواد الطبيعية والمستخدمة بكثرة في المستحضرات الدوائية, الطب الحيوي ، صناعة
الجلود وغيرها وأضاف ..قنديل البحر مصدر واعد وبارز لاستخراج الكولاجين البحري و لذلك
ندرس في هذا البحث الكولاجين المستخلص من قنديل البحر الذي يمكننا الحصول عليه بسهولة
وبكميات كبيرة وبتكلفة منخفضة,مع تحديد الشروط المثلى للاستخلاص والعزل.
وأضاف علي: كما نعمل
في هذا البحث على استخلاص الكولاجين، من قنديل البحر، والذي يشكل المادة البيولوجية
الأكثر أهمية في تركيب قنديل البحر من حيث الأهمية الطبية فالكولاجين هو بروتين ليفي
عالي الكثافة موجود في كل من الكائنات الحية اللافقارية والفقارية ، ويوجد في أكثر
من 20 نمطاً مختلفاً وذلك وفق دوره في الأنسجة المتمايزة و هو عبارة عن سلاسل متشابكة
من الببتيدات المتعددة polypeptide ملتفة بشكل حلزوني ثلاثي مميز، وهذه الببتيدات
غنية بالأحماض الأمينية مثل الجلايسين والبرولين والهيدروكسي برولين و يستخدم الكولاجين
في عدد كبير من التطبيقات نظراً لتوافقه الحيوي العالي والتحلل الحيوي وخاصة في مستحضرات
التجميل والأدوية ومنتجات الحماية الطبية. وهو مثالي بشكله الجيلاتيني لتطعيم العظام
وتجديد الأنسجة وترميم الجلد.
مصدر مهم
الكولاجين هو أكثر
البروتينات وفرةً بشكلٍ طبيعيّ في جسم الإنسان، حيث يشكّل 30% من كامل الجسم و75% من
الجلد، إلّا أنّه ومع التقدّم في العمر يقلّ إنتاجه في الجسم، مما يؤثر سلباً على قدرة
الجسم على إصلاح وتجديد نفسه؛ مما يتسبب نهايةً في حدوث تغيّرات في المظهر، والمرونة،
والقوّة والوظيفة وله دور مهم جداً في الوظائف البيولوجية للخلية . (( بقاء الخلية_
الانتشار _ التمايز )) يوجد الكولاجين في العضلات الغضاريف والعظام وقد بيّنت الدراسات
أن المصدر البحري أفضل مصادر الكولاجين الخام بالمقارنة مع التقليدي بسبب وفرته العالية،
و عدم وجود خطورة من انتقال المرض إلى البشر وقدرة الحصول على كمية أكبر من الكولاجين
المستخلص منها لذلك فقد تم استبدال الكولاجين المستخرج من الماشية البرية بأنواعها
كالأبقار التي تسبب اعتلالاً دماغياً اسفنجياً ومن الخنازير التي رفضت لأسباب دينية،
بالكولاجين المستخلص من البيئة البحرية ( كالحبار، أخطبوط، اسفنج، قنديل البحر،….)
الذي استخدم في نمط واسع من التطبيقات( الطب الحيوي، العلوم الغذائية، مستحضرات التجميل).
إن مصادر الكولاجين
وفيرة كجلود الأبقار والخنازير والدواجن وغيرها ولكن بسبب ظهور حالات تحسس جلدي وحدوث
التهابات ومشاكل مناعية لذلك تم البحث عن مصدر بديل من البيئة البحرية.
مروان حويجة
|