لم يشفع تفرّد سورية بحرفييها العاملين في مجال التراث المادي وغير المادي بحماية هؤلاء الحرفيين ودعمهم واستقطاب من اختار الاغتراب منهم، فحتى اليوم يستمر استنزاف الحرف التقليدية عبر دعم غير تقليدي تقدمه دول عربية وأجنبية للحرفيين لتنسيب هذه الحرف إليها، أمام إهمال و”تطنيش” أحد أهم مصادر الترويج السياحي والثقافي لدينا، حتى بات المطلب الوحيد هو مجرد الحفاظ على من تبقى كأضعف الإيمان، وهم مجموعة ضئيلة من الحرفيين منهم من كان محظوظاً بوجوده ضمن أحد الأسواق المعدودة للمهن اليدوية، ومنهم من لا يزال يعمل بمفرده ودون سوق أو مكان لائق للعمل حتى..!
الرئة الوحيدة
تعتبر التكية السليمانية “رئة” الحرفيين التراثيين بحسب توصيف رئيس شعبة المهن التراثية في اتحاد غرف السياحة عرفات أوطه باشي، فهي السوق الوحيد في دمشق وريفها والوحيد الجامع بين التراث المادي وغير المادي وتضم 30 حرفة، ومن ليس له مكان للعمل فيها يعمل عن بعد بالتشبيك والتواصل مع الحرفيين الموجودين ضمنها، وبذلك يكون عدد العائلات المستفيدة من هذا السوق حوالي 600 عائلة، وبدل دعمهم –يتابع أوطه باشي- يعاني الحرفيون من إهمالٍ كبير، مشيراً إلى أن 80% من الحرفيين التراثيين أصبحوا خارج البلاد، فهناك دول تقدم دعماً لا محدود من سكن وعمل ودخل وضمانات لمجرد تنسيب هذه الحرف لها، مما جعل الحفاظ على الأسواق المحلية والحرفيين فيها مطلباً مستعجلاً، متسائلاً كيف يمكن الحديث عن إعادة استقطاب المغتربين إن كان الموجودين هنا مهمشين أساساً.!
ووسط خشية من زيادة بدل الاستثمار في التكية أكد أوطه باشي أنه حتى الآن البدل ثابت، وهذا الحد الأدنى الذي يمكن تقديمه مقابل غياب أي دعم آخر، مشيراً إلى أنه حتى الآن لم يستلم أي حرفي بدل التعطل من وزارة الشؤون الاجتماعية رغم أن الجميع مسجل فيها.
احتكار
وكما لكل مادة حصتها من الاحتكار يضطر الحرفيون اليوم للقبول بحصر تأمين المواد الأولية عبر أشخاص معدودين، فأغلب المواد يتم استيرادها لعدم توافرها محلياً، وبحسب أوطه باشي لكل مادة هناك مستورد واحد يحتكر تأمينها وبالأسعار التي تحلو له، كالصدف العربي المستورد من الفلبين بسعر 50 ألف ليرة للكيلوغرام الواحد، وكذلك الخشب والنحاس وغيرها، أما ما يمكن تأمينه محلياً فهو تحت سلطة جشع التجار فبعض المواد ارتفع ثمنها من 375 ليرة إلى 50 ألف ليرة، ومع عودة إمكانية تأمين خشب الجوز محلياً فإن سعر المتر الواحد يتجاوز 15 مليون ليرة.! وهنا نوّه أوطه باشي إلى المراسلات العديدة بين الحرفيين واتحادهم ووزارة الصناعة للسماح بالاستيراد دون أية استجابة.
كلفة “عالفاضي”!
ارتفاع ثمن المواد الأولية بهذا الشكل انعكس على أسعار المنتجات وحركة البيع، فالأسعار المرتفعة لا تتناسب مع الدخل وحركة الشراء باتت شبه معدومة، أما على مستوى التصدير فهو يعتمد على علاقات شخصية وليس تصديراً منظماً، وطالب رئيس شعبة المهن التراثية بإعادة تفعيل المشاركة في المعارض الخارجية وحصرها بوزارة السياحة فهي كانت الأكثر جدوى ومردوداً، وكان التمثيل للحرف فيها متميزاً طيلة سنوات سابقة، كاشفاً أن المعارض الداخلية لم تتجاوز كونها مجرد كلفة وعبء على الحرفي، ويتم إحراجهم للمشاركة بها، فيتكلف الحرفي بنقل البضائع وما تتعرض لها من تكسير أو حتى سرقات في بعض الأحيان، لذلك اقتصر الهدف من المشاركات على الترويج، فالدفع المعنوي وإعلامي للمشاركات كان كبيراً لكن دون مردود مادي يذكر.
دعم مباشر
وبعد أن تحول خان أسعد باشا إلى “كافيتيريا” طالب أوطه باشي من وزيرة الثقافة إعادة تفعيل المقترح القديم بإقامة سوق للحرف على مستوى الشرق الأوسط في الخان لاستقطاب الحرفيين الذين لا مكان لهم للعمل، والحفاظ على التراث غير المادي، مؤكداً أن الدعم للحرفي يجب أن يكون مباشراً وليس عبر وسيط أو شركات، أما على مستوى القروض للحرفين فهي لم تتجاوز الحالة النظرية، إذ بيّن أوطه باشي وهو أمين سر جمعية الشرقيات في ريف دمشق أن أغلب أعضاء الجمعية تقدموا بطلبات للمصرف الصناعي للحصول على قرض دون أي تجاوب، وحتى الجمعيات الأهلية والمنظمات المعنية بالتراثيين لم يقدم أحد منها دعماً يذكر.
نطاق واحد
وبيّن أوطه باشي أن التنسيب لغرف السياحة إلزامي لكن هذا غير مطبق حالياً، والمنتسبين هم الموجودين في أسواق الحرف اليدوية وعددهم 60-70 شخص، لافتاً إلى محاولة تنسيب الجميع وحتى محلات بيع الحرف التراثية لضم كل الحرفيين ضمن نطاق واحد.
وعلى مستوى توثيق الحرف لفت أوطه باشي إلى مشروع لمؤسسة وطن لتوثيق الحرف التراثية، فضلاً عن التوثيق الموجود في وزارة السياحة التي عملت على إنشاء أسواق المهن في دمشق وحلب وحماة على أن تستمر بخطة إنشاء أسواق جديدة، على عكس وزارة الثقافة المعنية بالتراث غير المادي والتي لم تقدم له شيء بعد.
ريم ربيع