سيرياستيبس : كتب علي عبود يتباهى المسؤولون عن القطاع السياحي منذ أسابيع بالإقبال الكبير على
منشآت المبيت في محافظتي طرطوس واللاذقية، وخاصة في عطلة العيد، حيث لم تبق
غرفة أو شاليه فارغة، كما تباهت الجهات المسؤولة في ريف دمشق بامتلاء
مطاعم المصايف المشهورة على مختلف مستوياتها بالناس سواء كانوا مقيمين أم
مغتربين.
نعم، توحي المشاهد على شواطئ البحر، ومنشآت المبيت والإطعام، وعودة فندق
صلنفة الكبير إلى المنافسة في الموسم السياحي، بعد غياب استمر أكثر من 10
سنوات، وعودة الازدحام على مدينة صلنفة وبلودان، وامتلاء مطاعم الزبداني
وسهولها بالناس، بأن الأحوال أكثر من ممتازة، لكنه انطباع كاذب وخدّاع!
وهذه المشاهد السياحية جيدة ما دامت ستعود بالفائدة على الكثير من
الفعاليات العاملة في القطاع السياحي، والمرافق الخدمية التي تستفيد من
الأعياد وأشهر الصيف، لكن يبقى السؤال قائما، ويشكل غصّة لدى ملايين
العاملين بأجر: ألا تستحق أسرنا قضاء عطلة قصيرة ولو في مخيم شعبي كما كنا
نفعلها قبل عام 2011؟
لا نجادل بأن مهمة وزارة السياحة ومجالس المدن تقديم التسهيلات والترويج
لمنشآت المبيت والإطعام وبأسعار منافسة للجوار القريب، لكن من مهامها أيضا
تخصيص جزء كبير من أرباح القطاع السياحي لإقامة مخيمات وشاليهات خشبية في
عدة مناطق تتيح لبضعة آلاف من الأسر قضاء عدة أيام من إجازتها على الشاطئ
بأسعار رمزية جدا، فهل هذا الحلم لملايين العاملين بأجر بات من المستحيلات؟
شكليا، لم تُقصر وزارة السياحة ولا المجالس المحلية بالترويج للسياحة
الشعبية، فأعلنت عن “قرب افتتاح فندق لابلاج للسياحة الشعبية في وادي قنديل
في آب القادم، إضافة لافتتاح مشروع سياحي في محمية الشوح والأرز بصلنفة
خلال العام الحالي، وإدخال جزء من مشروع السياحة الشعبية في شاطئ حميميم،
في الخدمة خلال العام الحالي”!
والسؤال: لماذا مواقع السياحة الشعبية غير جاهزة قبل حلول فصل الصيف؟
لفتنا جدا تصريح مدير سياحة اللاذقية، فادي نظام، فقد جزم “أن جميع
خيارات السياحة متاحة أمام المواطنين”، ونجزم بدورنا أن من قرأ هذا التصريح
سيسأل: خيارات السياحة متاحة فعلا، ولكن لأيّ شريحة من المواطنين؟
برأي مدير سياحة اللاذقية، انه حتى شريحة محدودي الدخل بإمكانها ممارسة
الفعل السياحي في المناطق المخصصة للسياحة الشعبية المدعومة من وزارة
السياحة والمجالس المحلية، ولكن السؤال: هل مشاريع السياحة الشعبية في
متناول العاملين بأجر وتحديدا لمن يتقاضى سقف الراتب؟
نعم، الشواطئ المفتوحة تتقاضى أجوراً رمزية لقاء خدماتها المتمثلة
بالطاولات والكراسي والحمامات والسباحة، لا يتجاوز 2000 ليرة عن الشخص
الواحد، لكن الواقع يؤكد أن الأجور هزيلة إلى حد لا يقوى أصحابها على دفع
البدل الرمزي لدخول المسابح الشعبية. هل نبالغ؟
إن أسرة من 5 أشخاص ستدفع 10 آلاف مقابل دخولها للمسبح، يضاف إليها
سندويشات فلافل (سندويشة صغيرة لكل شخص مع كأس مياه) بمبلغ لا يقل عن 20
ألف، وأجور نقل ذهاب وإياب بمبلغ لا يقل عن 10 آلاف، أي كلفة قضاء يوم
سباحة لأسرة مقيمة في الساحل ستبلغ 40 ألف ليرة، ما يعني أن ممارسة السباحة
لمدة يوم واحد في الأسبوع يتجاوز راتب أي موظف من الدرجة الأولى، فعن أيّ
سياحة داخلية أو شعبية يتحدثون؟.
أما بالنسبة لسكان المحافظات فإن ارتياد منشآت السياحة الشعبية في
الساحل أو المصايف، أمسى من أحلام اليقظة، فحتى لو كانت هذه المنشآت
مجانية، فإن ما من أسرة عاملة بأجر تقوى على تحمل نفقات النقل للوصول
إليها، ولا نفقات الطعام والشراب حتى لو اقتصر يوميا على وجبة واحدة من
الفلافل !.
الخلاصة: لقد أمست خيارات السياحة الداخلية بشقيها الفاخر والشعبي متاحة
فقط للأثرياء جدا أو للمقتدرين ماليا، وهم قلة يتناقص عددها يوما بعد يوم،
وليس صحيحا أن وزارة السياحة غير قادرة على تقديم خيارات لشرائح الأسر
السورية مهدودة الدخل، إذ بإمكانها تنظيم رحلات مجانية لبعض الأسر تتضمن
تحمل نفقات المبيت والنقل والإطعام بالتنسيق مع إدارات المؤسسات الحكومية
والتنظيم العمالي.
|