حفلات سوق الإنتاج كانت معياراً للنجاح
عند سيّد القدود والطرب الحلبي الأصيل
الكرة في ملغب وزارة الاقتصاد لاستعادة
أمجاد سوق الإنتاج المنكوب
سيريا ستيبس – علي محمود جديد
من أبرز القرارات التي اتخذت في عهد
الرئيس جمال عبد الناصر في الإقليم السوري بدولة الجمهورية العربية المتحدة، كان
قرار إحداث سوق الإنتاج الصناعي والزراعي في حلب عام 1959 .
وهذا السوق ليس سوقاً تجارياً من أسواق
حلب العريقة المعهودة، وإنما في الواقع كان أرضاً محدّدة، يقام عليها سنوياً نشاط
فريد من نوعه يضم الأسواق كلها على شكل معرض سنوي يتضمّن فعاليات اقتصادية وثقافية
وفنية مختلفة.
كان سوق الإنتاج الصناعي والزراعي محطة
ينتظرها الحلبيون في كل صيف، ينتظرها الصناعيون والتجار والمنتجون الزراعيون
وأصحاب الحرف الحلبية العريقة لعرض منتجاتهم وسلعهم أمام الناس التي تقصد السوق
أفواجاً، والكل كان يبدو مبتهجاً .. العارضون بعروضهم، والمستهلكون بتسوقهم، ومحبو
الاطلاع بمحاضرات وفعاليات ثقافية، وأصحاب المزاج والرواق يبتهجون بتلك الحفلات
الفنية التي اعتاد الحلبيون على إقامتها على هامش السوق.
كان الحلبيون كباراً وصغاراً ينتظرون
سوق الإنتاج في كل عام فهو أيضاً فسحة نهارٍ وليل يصطحب الأهالي صغارهم إليه كفسحة
ترويحٍ عن النفس في غمرة المنتجات السورية والحلبية خاصة التي تضفي على السوق
تشكيلة روائح الغار والورود والزعتر والأعشاب بأريجها الزكي المُعشّق بالأنغام
المنعشة للنفوس.
الحفلات الفنية لسوق الإنتاج الصناعي
والزراعي كانت على مستوى رفيع يجذب القلوب وتعكس فن الزمن الجميل بكل أبعاده
وروعته.
صباح فخري كان يقول عندما يقدّم حفلة
ناجحة في مكان أو مدينة ما : إن هذه الحفلة ناجحة كحفلات سوق الإنتاج ... فكانت
روعة الحفلات في سوق الإنتاج معياراً للنجاح عند سيّد القدود والطرب الحلبي
الأصيل.
اغتيال سوق الإنتاج .. أم تجميده ..؟!
في غمرة زهوّ هذا السوق وما يقدمه من
فرحٍ وخدماتٍ معرضية للمنتجين وللناس .. فجأةً استطاعت أن تطاله الأيادي العبثية
العشوائية لتتخذ قراراً غير مسؤول، بإيقاف سوق الإنتاج على أمل نقله – كما ادّعوا
حينها – إلى أرضٍ جديدة أخرى فسيحة لاستيعاب أكبر عدد من العارضين، ولنقله من داخل
المدينة إلى خارجها، غير أن قرار إغلاق السوق اتّخذ قبل أن يُحسم وضع الأرض التي
سينتقل إليها، وقد استطاعت الأحداث أن تغطي مساوئ هذا القرار العشوائي، حيث تعطلت
حلب وطال التدمير الإرهابي أسواقها القديمة العريقة كما نعلم وجوانب كثيرة منها،
ونُهبت ودُمرت مصانعها، ولم يعد أحد يجد من الضرورة أن يتذكّر أو يتطرّق لسيرة سوق
الإنتاج، ولكن ها هي حلب تعود إلى ألقها من جديد، وبدأت تشعر بالحاجة إلى سوق
الإنتاج ويتذكر الكثير من الحلبيين أيامه ولياليه بحسرة، لأنه منقول إلى مكانٍ ما
.. لا أحد يعرفه ..!
كان من المفترض وقبل أن تُتّخذ أي خطوة
من خطوات نقل سوق الإنتاج أن تكون الأرض البديلة ليست معروفة فقط وإنما معروفة
ومحدّدة وجاهزة للعمل ببنيتها التحتية وأبنيتها اللازمة.
تشابكات مختلطة
ولا يكاد أحد يعرف كيف وقع سوق الإنتاج
بخليطٍ من التشابكات التي لم يعد من السهل حلّها، فأرضه بالأساس هي إعارة من وزارة
الأوقاف لإدارة السوق، وإدارة السوق تابعة لوزارة الاقتصاد، فدائماً يكون مدير سوق
الإنتاج الصناعي والزراعي في حلب هو نفسه مدير الاقتصاد في حلب، ولكن فور إغلاقه
في أواخر العقد الأول من القرن الحالي، أعلنت وزارة السياحة إقامة مشروع سياحي على
أرضه، ثم بدت بلدية حلب وكأنها قد سطت على تلك الأرض، إذ راحت تتحدث بأن المشروع
السياحي سيدخل أموالاً طائلة إلى مجلس المدينة لتنعكس على شكل مشاريع خدمية لأبناء
حلب .. هكذا كانت الوعود .. وعلى الوعد يا كمون ..
والمؤسف فعلاً أن هذا كله قد جرى
بمعزلٍ عن إدارة السوق، فأي أحدٍ لم يستشرها بشيء وكأنها غير موجودة ولا طعم لها
ولا وزن ..!!
احتفالات عارمة بما لم يحصل
قالت صحيفة الثورة في عددها الصادر صباح 13 / 10 / 2008 :
( بتاريخ 2/8/2008 اسدل الستار على ارض
سوق الانتاج الصناعي والزراعي من خلال توقيع عقد استثمار بين مجلس مدينة حلب واحد
المستثمرين وفق نظام الـ /BOT/ لبناء فندق خمس نجوم وفعاليات تجارية
متنوعة. وقام بتوقيع العقد الدكتور المهندس معن الشبلي رئيس مجلس المدينة
والمستثمر السوري علاء كسادو.
وقد اكد الدكتور المهندس تامر الحجة
محافظ حلب في حفل التوقيع على اهمية هذا المشروع ودوره في تعزيز الجوانب
الاقتصادية والسياحية والخدمية مشيرا الى ضرورة تقديم تصاميم تليق باسم هذه
المدينة العريقة واسم موقع سوق الانتاج الذي رافق مدينة حلب /48/ عاما منوها
بكفاءة المستثمرين السوريين ومساهماتهم الفعالة في رفد الاقتصاد الوطني وبما يساهم
في دفع عملية التنمية الشاملة.
واشار السيد المحافظ في كلمته الى ان
فعاليات سوق الانتاج لن تتوقف وستقام في مكان آخر وانه تتم الان دراسة الجدوى
الاقتصادية لإقامة موقع بديل لأرض سوق الانتاج..
اما رئيس مجلس المدينة الدكتور معن
الشبلي فقد أكد وخلال كلمته ايضا في ذات الحفل-ان هذا المشروع سيعود بريعية هامة
ستنعكس على تعزيز الخدمات مشيرا الى ان الموقع العام للمشروع سيساهم في تعزيز
الواقع السياحي وتجسيد خدمات اضافية وهامة لأبناء المدينة خصوصا وان توظيف المشروع
سيكون متنوعا ).
ما طبيعة ذاك المشروع ..؟
كان من المفترض أن يقام ذلك المشروع
على مساحة الأرض البالغة 21152 م2 تقريبا، متضمناً الفعاليات التالية:
1- فندق
من المستوى الدولي خمس نجوم 400 غرفة كحد أدنى.
2- فعاليات
تجارية على ان لا تتجاوز 20% من المساحة الطابقية الاجمالية.
3- مول
تجاري من المستوى الدولي يحتوي على صالات سينما للأطفال-مطاعم الخدمة السريعة.
4- صالة
تزلج على الجليد للكبار وصالة للصغار بوجود مدربين للأطفال.
5- مركز
للوخز بالابر الصينية.
6- مواقف
سيارات.
7- صالة
مؤتمرات من المستوى الدولي.
8- مسبح راقص للدولفين بإشراف طاقم تدريبي
وأي توظيف يراه العارض مناسباً.
وقد قدّرت كلفة المشروع التقريبي آنذاك
بنحو مليارين ومائة واثنين وعشرين مليون ليرة سورية كحد أدنى، فيما بلغ الريع
المتوقع لمجلس مدينة حلب مائة وسبعة وثمانين مليونا وخمسمائة الف ليرة سورية كحد
ادنى سنويا، وهذا المبلغ يمثل نسبة مجلس مدينة حلب السنوية البالغة /15%/ ومدة
انجاز المشروع /4/ سنوات ميلادية ومدة الاستثمار /45/ عاما.
في ملعب الاقتصاد
طبعاً هذا كله بات هباءً منثورا .. فلا
الدلافين رقصت .. ولا جليد للتزلّج عليه .. وأحدٌ لم يوخز أحداً بالأبر الصينية،
والأنكى من ذلك أن أحداً لا يعرف حتى الآن مكاناً جديداً للسوق المسلوب .
لا أمل بعد كل ما حصل إلاّ بتحرك جدّي
لوزارة الاقتصاد بهذا الاتجاه للحفاظ على سوق الإنتاج وعراقته، إما باستعادة الأرض
المسلوبة منها ودون استئذانها ولا حتى استشارتها، والتي لم يُبنَ عليها أي شيء
طبعاً، أو بتحديد أرضٍ جديدة تعيد المجد لهذا السوق المنكوب.