بدأت واشنطن في 2017، بالتعاون مع «قسد»، باستخراج 100 ألف برميل يومياً من حقول المنطقة الشرقية
فيما لا تزال الإدارة الأميركية تجاهر بسرقتها النفط السوري وتهريبه إلى الخارج، تحافظ شركات النفط الأجنبية، صاحبة «الحقّ القانوني» في استثمار حقول المنطقة الشرقية، على صمتها منذ قرارها تعليقَ أعمالها في سوريا، بذريعة «القوّة القاهرة»، وهي لم تبادر، منذ ذلك الحين، إلى اتّخاذ أيّ موقف قانوني أو حتى إعلامي حيال عمليات العمل والاستثمار غير الشرعي في حقولها
تقترب شركات النفط الأجنبية من إكمال قرابة عقدٍ على خروجها «المؤقّت» من سوريا. خروجٌ تمّ عبر تعليقها العمل بالعقود الموقّعة مع المؤسّسة العامة للنفط، إمّا رضوخاً للعقوبات الغربية التي فُرضت على هذا القطاع منذ بداية الأزمة، أو نتيجة سيطرة مسلّحين على الحقول النفطية، ولا سيما في المنطقة الشرقية، حيث يتركّز معظم الإنتاج الوطني، وفقاً لبيانات ما قبل الحرب. لكن اللافت، طوال هذه السنوات، أن الشركات المعروفة عالمياً، اعتصمت بالصمت منذ خروجها من سوريا، مكتفيةً بمراقبة ما يحدث في حقولها، من دون أن تبادر إلى اتخاذ أيّ موقف قانوني أو حتى إعلامي حيال عمليات العمل والاستثمار غير الشرعي فيها. وإذا كانت السنوات الأولى من عمر الحرب السورية، شهدت تعدّداً في الجهات المسلّحة والعشائرية، التي تعاقَبَت في سيطرتها واستثمارها غير الشرعي لمئات الآبار النفطية، فإن الأمر بات واضحاً اعتباراً من عام 2017 وما تلاه، حين بدأت الولايات المتحدة بالتعاون مع «قسد» الكردية، باستخراج ما يقرب من 100 ألف برميل يومياً من حقول المنطقة الشرقية، وتهريبها إلى الخارج عبر أسطول من الصهاريج. وحتى عندما سلّمت إدارة دونالد ترامب المنصرفة، وبشكل علني، أحد الحقول لشركة أميركية بغية استثماره، لم تبدِ الشركة الأجنبية المستثمِرة شرعياً وقانونياً للحقل، أيّ موقف، كما أنها لم تتّخذ أيّ إجراء قانوني.
جميعها في الجزيرة قبل أن يفرض الغرب عقوباته على قطاع النفط السوري في عام 2011، كان نحو 11 شركة نفط أجنبية تعمل في البلاد، وأهمّها: «توتال» الفرنسية، «شِل» الهولندية، «غالف ساندز» البريطانية، «بتروكندا» الكندية، «سي ان بي سي» و«ساينوبك» الصينيتان، «تاتنفت» الروسية، «إينا» الكرواتية، وغيرها. وباستثناء شركتَي «إينا» و«بتروكندا»، اللتين كانتا تعملان غرب نهر الفرات باتجاه مدينة حمص وسط البلاد، فإن عمل جميع الشركات الأجنبية كان يتركّز في منطقة الجزيرة السورية، حيث كان الإنتاج يبلغ نحو 175 ألف برميل يومياً، موزّعة على النحو الآتي:
- «شل» نحو 90 ألف برميل يومياً. - «توتال» نحو 30 ألف برميل. - «غالف ساندز» نحو 24 ألف برميل. - «ساينوبك» نحو 15 ألف برميل. - «سي إن بي سي» نحو 15 ألف برميل. بالإضافة إلى شركتَي «اي بي ار» و«تاتنفت»، اللتين كان إنتاجهما منخفضاً، يصل إلى حدود 300 برميل يومياً لكل واحدة. لكن مع إعلان الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين عقوبات على الاستثمار في قطاع النفط السوري منتصف عام 2011، أعلنت الشركات الغربية تعليق أعمالها في سوريا بفعل «القوّة القاهرة»، فيما أحجمت الشركات ذات الجذر الشرقي («ساينوبك» و«سي ان بي سي» الصينيتان، و«تاتنفت» الروسية) عن الالتزام بالإعلان، مكتفيةً، منذ ذلك التاريخ، بإرسال كتاب إلى مؤسّسة النفط السورية كل ستة أشهر، تُعلمها فيه بتعليق أعمالها. وبحسب وزير النفط والثروة المعدنية، بسام طعمة، فإن «الحكومة السورية احترمت كامل التزاماتها العقدية، ولم تتّخذ أيّ إجراء غير قانوني حتى بالنسبة إلى الشركات التي علّقت أعمالها بسبب القوّة القاهرة. فمثلاً، هذه الشركات طلبت إيقاف عمل الشركات المشتركة المؤسسة بينها وبين مؤسسة النفط الوطنية، والأخيرة رفضت الطلب بالنظر إلى وجود فوات منفعة مشتركة في حال تنفيذ ذلك، فكان أن لجأت المؤسّسة إلى القضاء السوري، الذي أجاز استمرار عمل الشركات المشتركة مع تحييد دفتري لحصّة الشريك الأجنبي». وأضاف، في حديث إلى «الأخبار»، أن مؤسسة النفط الوطنية «حرصت، منذ تعليق الشركات أعمالها في البلاد، على مخاطبتها رسمياً ووضعها في صورة ما يجري من تطوّرات، وتزويدها بالمعلومات المتوفّرة حول واقع كل حقل، والجهات التي تنهب إنتاجه، والطلب من تلك الشركات التدخل قانونياً في دولها للحفاظ على حقّها الذي يُنهب، وتحديداً من قِبَل قوات الاحتلال الأميركي، والذي بات موثّقاً بتصريحات رسمية صادرة عن المسؤولين الأميركيين أنفسهم، وغيرهم».
المواجهة القانونية صَمْت الشركات الأجنبية مردّه إلى سببين: الأوّل، أن هذه الشركات لا تريد الدخول في نزاع قانوني أو سياسي مع دوائر السياسة الغربية حفاظاً على مصالحها، ولا سيما أن الدول الغربية لا تزال تحافظ على سياستها ومواقفها من الحكومة السورية. والسبب الثاني، هو أن المبدأ القانوني في تعليق العمل بالعقود، يعني أن المدّة الزمنية لإيقاف العمل بتنفيذ العقد تُضاف تلقائياً إلى مدّة العقد، وتالياً فالمدّة الزمنية التي استغرقها التعليق كأنها لم تكن. لكن هل لدى هذه الشركات مؤشرات تجعلها مطمئنة إلى أن الكميات المسروقة، طيلة تعليق أعمالها، لن تخفض من كميات الإنتاج، التي جرى التنبؤ بها عند توقيعها على عقود الاستثمار، ولن تنال كذلك من احتياطيات تلك الحقول؟
قبل عام 2011، كان نحو 11 شركة نفط أجنبية تعمل في سوريا
تدرك وزارة النفط أن العلاقة مع الشركات الأجنبية قد تشهد مستقبلاً نزاعاً قضائياً محوره أن خروجها من البلاد كان نتيجة عدم القدرة على توفير الأمن في مناطق عملها. وتعقيباً على ذلك، يشير وزير النفط السوري إلى أن «ما تعرّضت له البلاد من حرب كبيرة وتواجد غير شرعي لقوّات عسكرية أجنبية، أعاق تنفيذ الحكومة التزاماتها في توفير الأمن في المناطق التي تتواجد فيها حقول النفط، وهذة نقطة قد تكون مستقبلاً محلّ جدل قانوني. لذلك، فإن المؤسّسة العامة للنفط تعمل على إعداد ملفّها القانوني وتدعيمه بجميع الوثائق المتاحة، وبما يحفظ حقوق الدولة السورية، خاصّة إذا ما تمّ اللجوء إلى تحكيم دولي تتنازعه أسباب ومصالح سياسية». إلّا أن الوزير الشاب، والذي عمل لسنوات مع الشركات الأجنبية بحكم عمله السابق في «مؤسسة النفط الوطنية»، يميل إلى الاعتقاد أن هذه الشركات ستكون مهتمّة، في المقام الأوّل، بتعويض خسائرها في سوريا، الأمر الذي يعني أنها قد تفضّل الخوض في نقاش استثماري حول الفرص المتاحة على الدخول في نزاعات قضائية، وهي الحريصة على سمعتها. وهذا أيضاً قد يكون خياراً سورياً في ضوء عدم توفّر إمكانات مالية لسداد ديون تلك الشركات وحقوقها، التي حرصت مؤسسة النفط على تقييدها دفترياً التزاماً بالعقود الموقّعة، والمصادق عليها بنصوص تشريعية. زياد غصن - الأخبار
|