سيرياستيبس
بشير فرزان :
شرعن الانقطاع الطويل للتيار الكهربائي وضعف أداء قطاع الكهرباء، تحت ضغط نقص حوامل الطاقة، وكثرة الأعطال ونقص القطع التبديلة، بفعل الحرب والحصار، حالة الاعتماد على وسائل بديلة، كان أبرزها نظام “الأمبيرات” الذي لجأت إليه العديد من المحافظات لتأمين التغذية الكهربائية الدائمة، كما هي الحال منذ فترة طويلة في حلب التي لاتزال تعتمد على الأمبيرات، واللاذقية أيضاً، إضافة إلى انتشارها في الغوطة الشرقية في محافظة ريف دمشق حيث تعاني المدن والبلدات من الواقع الكهربائي السيئ، واليوم أخذت هذه المنظومة توسّع نطاق عملها في باقي الريف الذي وصلت ساعات القطع فيه إلى 5 ساعات مقابل نصف ساعة وصل.
ولا شكّ أن اللجوء إلى الاعتماد على نظام “الأمبيرات” في تأمين الكهرباء
للمنازل والمحال التجارية، والتي يُقدّمها مستثمرو المولدات الكهربائية
الموزعة على عدّة مراكز في كلّ منطقة، باشتراكات شهرية أو ساعية، كان الحلّ
المتوفر
أمام مواطنين ملّوا العتمة وأدركوا التحديات التي تواجه وزارة الكهرباء
لتوفير هذه الخدمة لساعات طويلة، فالحصار والعقوبات عرقلا وصول إمدادات
حوامل الطاقة اللازمة لتشغيل محطات التوليد، كما أعاقا تأمين القطع
التبديلية اللازمة للمحطات والمحولات والشبكات التي تمّ تخريبها خلال سنوات
الحرب، وبات الكثير منها خارج الخدمة وبعضها يعمل على “آخر نفس” كما يقال،
نظراً لاستنزاف طاقتها وعدم إجراء صيانات دورية لها.
وعلى الرغم من أن انتشار الأمبيرات لاقى معارضة من الشارع، وخاصة لناحية التكاليف والأعباء المادية التي يفرضها على الناس، إلا أنه تحت ضغط الحاجة إلى التيار الكهربائي والمعاناة التي يسبّبها، سواء على يوميات العائلات المنكوبة معيشياً أو على المنشآت التجارية والصناعية والحرفية وانعكاسها على جودة المنتجات وأسعارها، بدّد جميع المخاوف والتحفظات وسهل انتشارها، حيث سيطرت أجواء القبول والرضا بهذا الحل البديل والمؤقت لحين تحسّن الظروف وانتشال المنظومة الكهربائية من واقعها المأساوي وعودة المؤسّسات المعنية بأقصى قدراتها لتأمين التغذية الكهربائية الدائمة.
وما يلفت الانتباه أن العديد من المواطنين الذين تواصلنا معهم، سواء في بلدات الغوطة الشرقية أو في غيرها من المناطق التي يتمّ فيها اليوم مدّ شبكات للتغذية الكهربائية بنظام الأمبيرات كأشرفية صحنايا وصحنايا، أجمعوا على أن الأمبيرات في ظلّ غياب الكهرباء لفترات طويلة حلّ بديل ومناسب لهم ويخفّف من معاناتهم، نظراً للتكاليف المالية العالية التي يتكبدها بعضهم في تأمين الكهرباء من خلال المولدات أو منظومات الطاقة البديلة، وما يواجهونه من معاناة في توفير المحروقات من السوق السوداء بأسعار مرتفعة، وهناك من وجد فيها تخلياً حقيقياً لمؤسّسات الدولة عن مهامها ومسؤولياتها بتوفير الخدمات للمواطن بسهولة وبأقل تكاليف وخطوة نحو الخصخصة. وأكد الكثير من المواطنين أن الأمبيرات تخدم الميسورين فقط، أما الآخرون وهم الأكثرية فلن يكونوا قادرين على الاستفادة منها لأسعارها المرتفعة والتي لا تتناسب أبداً مع دخلهم الشهري، وخاصة شريحة الموظفين برواتبهم الهزيلة والتي لم تعد تكفيهم أو تؤمّن لهم رغيف الخبز.
ورغم أن الاشتراكات بمنظومة التوليد الكهربائي الخاصة (مولدات) تزداد، سواء لأصحاب المحال والورشات أو الأهالي في مختلف المناطق، إلا أنه من الغريب عدم وجود مظلة قانونية لعملها، فقد أكدت لنا وزارة الكهرباء من خلال اتصال هاتفي مع المكتب الصحفي أن لا علاقة لها بالأمبيرات وليس لها أي دور في الترخيص لعملها، والجواب ذاته كان حاضراً في محافظة ريف دمشق، حيث أكد خليل داوود عضو المكتب التنفيذي لقطاع الكهرباء والمياه والصرف الصحي عدم وجود أية معلومة عن هذه الأمبيرات، وبتضييق الحلقات المسؤولة وصلنا إلى المجالس المحلية في بعض البلدات الذين أكدوا أنه نظراً لكثرة الشكاوى حول الواقع الكهربائي وتلبية لمطالب الأهالي لإيجاد حلول، كما جرى في مناطق أخرى، تمّ اللجوء إلى الأمبيرات بموافقة المجلس المحلي لتأمين التغذية الكهربائية رغم ارتفاع أسعارها، فتكلفتها مرتبطة بسعر المازوت ولذلك ليس بمقدور الجميع الاشتراك، حيث يمكن أن يشترك أصحاب الورشات ومن لديهم قدرة مالية، أما الفقراء في حال اشتراكهم بالأمبيرات فلا يتعدى الاشتراك الأمبير الواحد لتشغيل البراد أو الإنارة فقط، وفي الوقت ذاته هناك من يؤكد أن المستثمرين للأمبيرات يعملون دون أية تراخيص أو موافقات رسمية!
من جهته، أكد محمود الحاتي، مستثمر أمبيرات في محافظة ريف دمشق، الذي التقيناه في أشرفية صحنايا أثناء تجهيز شبكة أمبيراته، تمهيداً لتغذية المنطقة بالكهرباء، أن الواقع الكهربائي الحالي يتطلب حلولاً استثنائية للتخفيف من معاناة الناس من خلال تأمين الكهرباء للبيوت والمحال التجارية عبر المولدات وبمشاركة من القطاع الخاص الذي يقوم بدوره في هذه الفترة العصيبة من كافة النواحي، كما يمكن أن تساند الورشات الخاصة مراكز الطوارئ، هذا عدا عن تقديم الكهرباء المجانية للمؤسّسات العامة والدينية في كلّ منطقة تعمل بنظام الأمبيرات.
وفيما يخصّ الآلية المتّبعة لنظام عمل كهرباء القطاع الخاص، لفت الحاتي إلى أن جميع التكاليف على المستثمر، حيث يتمّ مدّ الشبكة العامة للأمبيرات دون أن يكلف المشترك بذلك، أما تكاليف إيصال الكهرباء للمشتركين فيتمّ من خلال قيام كلّ مشترك بشراء عداد إلكتروني خاص بهذه المنظومة، وكل أسبوع يقوم المواطن بدفع الفاتورة حيث يوجد مؤشر وجابٍ.
وكشف الحاتي أن استخدام الأمبيرات موجود منذ سنوات في محافظة ريف دمشق، وذلك في مناطق عديدة، لافتاً إلى أن عدم توفر البنية التحتية لعمل المولدات في محافظة دمشق (أعمدة) أعاق عملها في المدينة، مبيناً أنه تمّ إحداث مراكز “الأمبيرات” التي تعتمد على نظامين في بيع الكهرباء في الريف، أحدهما عبر النظام “الساعي” الذي يختار المشترك كمية الأمبيرات التي يحتاجها ويكون تشغيلها لأربع ساعات يومياً مقابل اشتراك شهري ثابت يُقدر بـ 150 ألف ليرة أو بالكيلو واط ويُقدّر سعر الواحد بـ 5500 ليرة، وأن الحدّ الأدنى للاستهلاك المنزلي هو 7 كيلو واط أسبوعياً، وسبب ارتفاع سعر الكيلو واط الساعي يعود لارتفاع سعر المحروقات “المازوت”، ولفت الحاتي إلى أن المولدات التي يتمّ توزيعها في أشرفية صحنايا تعمل على الزيت وليس على المازوت.
وقسّم الحاتي الاشتراكات بين 40% من المشتركين بسحب كهربائي يوازي الصفر (شاحن + جوال)، و50% يستجرون بين 2-5 كيلو واط (غسالة وتلفزيون)، و10% يستجرون أكثر من 10 كيلو واط، مشيراً إلى تغذية المنشآت الصناعية والتجارية بعد تركيب عداد كهرباء آلي لكل مشترك ليتمّ دفع فواتير بقيمة الاستهلاك الشهري بشكل أقرب لنظام الكهرباء النظامية.
وأوضح الحاتي أن توزيع المولدات يكون بشكل مدروس لتغطية كافة الأحياء، وهي مجهزة بكاتم للصوت تفادياً للإزعاج وتوضع بعيداً عن السكن، مؤكداً أن الشبكة معزولة تماماً لمنع أية حوادث، ونفى أن يكون هناك علاقة بين انتشار الأمبيرات وازدياد ساعات التقنين، حيث أكد عدم إلزامية الاشتراك وأن الأمر مرهون بتوفر الكهرباء النظامية، حيث ستنعدم الجدوى الاستثمارية للأمبيرات، وهذا ما يمثل نهاية عملها.
بالمحصلة.. قد يكون توجيه الاتهام بالتواطؤ للجهات المعنية بالواقع الكهربائي مع المستثمرين بالأمبيرات سابق لأوانه، إلى أن تعود تلك الجهات إلى حالة الاستقرار بالعمل واعتماد ساعات كهرباء ثابتة وعدالة بالتقنين حسب الوعود التي تتضمنها التصريحات المسؤولة، وفي حال استمرار الوضع على حاله في المراحل القادمة سيكون هناك إدانة واضحة، خاصة وأنه رغم حالة الارتياح الشعبية للأمبيرات إلا أنها لا تلغي حقيقة تكاليفها العالية الثقيلة والضاغطة على حياة الناس.
وهنا لا بدّ من التأكيد على أن كلام أحد أعضاء مجلس الشعب حول أن استمرار التيار الكهربائي النظامي سيرتب على المواطن فاتورة كهربائية تصل إلى 200 ألف ليرة أثار مخاوف الناس من حقيقة ما يتمّ التحضير له في إطار رفع التسعيرة الكهربائية وخصخصة بعض قطاعات العمل الكهربائي.
وطبعاً تساؤلات كثيرة نضعها أمام وزارة الكهرباء التي لم تفِ بالكثير من وعودها حتى الآن، فهل انسحابها لمصلحة الأمبيرات تكتيكي لتنفيذ إستراتيجية مستقبلية تخطّط لها، خاصة وأن شبكات الأمبيرات يتمّ مدها على الأعمدة الخاصة بالشبكة النظامية دون أن تعارض أو تقدم مبرراً لذلك، والسكوت هنا يكون بمعنى الموافقة الكاملة، وهنا نشير إلى أن أحد رؤساء مراكز الكهرباء الذين أوقفوا عمل الأمبيرات في قطاع عمله أكد خلال اتصال هاتفي أن مدّ شبكة الأمبيرات يجب أن يكون على أعمدة خاصة به أو أرضية وغير ذلك يعدّ مخالفة نظراً للأخطار العديدة التي قد تتسبّب بها التشاركية في الأعمدة بين الشبكات، إضافة إلى تأكيده عدم وجود أي توجيه أو موافقة بذلك.