انتشرت في الفترة القليلة الماضية على مواقع التواصل الاجتماعي عدة مقاطع فيديو تُظهر بعض المعلمين يشرحون المادة العلمية للطلاب عن طريق الغناء والرقص أحياناً إن لزم الأمر، وهو ما أثار ردود فعل متباينة بين من يرى أنها درب من الابتكار والتجديد، ومن يراها نوعاً من التسطيح وتقليل هيبة المعلم وصورته أمام الطلاب.
مسرح غنائي
الدكتورة ميساء نصر، المختصة بطرائق التدريس، قالت: إنه على الرغم من أن
تلك الطريقة الشيّقة التي ابتدعها بعض المعلمين قد تُسهّل بالفعل على
الطلاب حفظ المعلومات، إلا أن لها تداعيات سلبية، فهي أولاً تعتمد على
الحفظ والتلقين أكثر مما تساعد على الفهم، لأن الطلاب يرددون الأغنية وراء
المعلم كما حفظوها دون فهمها الصحيح، وبعيداً عن إكسابهم المهارات العلمية
والخبرات الحياتية المطلوبة، وهي ثانياً تدعو إلى تحويل ساحة الدرس إلى
مسرح غنائي هزلي لا يؤهل الطلاب لتعميق الفهم العلمي الفعّال، أما من ناحية
هيبة المعلم فإن الأمر مرتبط بثقافة المجتمع المتأصلة في الجذور التي
أنتجت صورة ذهنية عن المعلم تتسم بالجدية والوقار، حتى إنه “كاد أن يكون
رسولا”، وبالطبع لن يكون التأثير إيجابياً على الطلاب ولا على العملية
التعليمية برمتها إذا وجدت المعلم يغني ويتمايل كما يظهر في تلك المقاطع
المصورة من أجل توصيل المعلومة، بل إن هذا سيساهم كثيراً في إزالة كل
الحواجز الضرورية اللازمة لفرض شخصية المعلم واحترامه، بما يؤثر سلباً على
العملية التعليمية والقيم المجتمعية ككل.
شخصية المعلم
الطريقة التي يتم بها تدريس المناهج حالياً، ووصفتها بـ”النمطية جداً”،
تدعو للبحث والتخطيط للقضاء على الظواهر القديمة، وابتكار أساليب وطرق
جديدة تتناسب مع طبيعة تفكير الجيل الحالي وتساعد على تثبيت المعلومة في
ذهن الطالب.
تقول المرشدة النفسية ألفت حمزة: إن هذه الطريقة قد تنجح ولها تأثير إيجابي
في المراحل الأولى، حيث إنها تنعش الذاكرة، وتربط بين المادة والصوت،
وفيها جانب المتعة الى جانب الفائدة، ولكن في المراحل المتقدمة لها تأثير
سلبي، وهي في مرحلة التعليم الثانوي غير مجدية، ويأخذ التعليم طابع الهزل،
وخصوصاً مع جيل شديد الذكاء وشديد السخرية في المراحل الإعدادية والثانوية،
فلا يجب أن نتخلى عن شخصية المعلم ووقاره، وأضافت حمزة بأن أية تجربة
تعليمية يجب ألا تعمم ولا يمكن تطبيقها على الجميع، وهي تبقى مجرد فكرة أو
نموذج لا نعتبره مقياساً، ومن الممكن أن يقدم شخص أو اثنان درساً بشكل
غنائي أو رقص لفترة محدودة، ولكن من الصعب جداً التقيد بهذه الطريقة حتى
ولو نجحت في بعض الحالات، فالتعليم يتطلب تنوع الأساليب، وكل مدرّس له
أسلوبه وطريقته بما يتناسب مع طبيعة المادة، فمثلاً المواد العلمية مثل
الرياضيات والفيزياء والكيمياء تعتمد على الفهم العميق والتركيز لا على
الحفظ، أما المواد الحفظية مثل النصوص الأدبية في مادة اللغة العربية،
ونصوص الوعظ والإرشاد في مادة التربية الدينية، وبعض نصوص اللغات الأجنبية
كاللغتين الانكليزية والفرنسية، فهي تحتاج إلى نوع من الحيوية والحركة
والرقص والإيماء بحركات اليدين والجسم، فتكون هذه الطريقة ناجحة ومفيدة.
من جانبها بينت المرشدة الاجتماعية عند العماطوري أن هذه الطريقة يمكن استخدامها عند الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، خصوصاً الذين لديهم ضعف بالانتباه وتشتت بالتركيز، ويلجأ المعلم لأساليب متعددة لجذب الطالب للمعلومة لديه، وفي الوقت نفسه لهذه الطريقة فوائد إيجابية فقط للمرحلة الدنيا، أما طلاب الثانوي فيُستبعد تطبيق مثل هذه الطريقة عندهم، حيث توجد بدائل وأساليب واستراتيجيات أخرى تناسب المرحلة العمرية، ومنها التعلّم التعاوني، والعصف الذهني، والاستقراء والاستنتاج.. إلخ.
أفكار مستحدثة
قد يشكّل انتشار عدد من المقاطع على مواقع التواصل الاجتماعي حافزاً
للتفكير بإبداع وسائل وأساليب تعليمية جديدة تتناسب مع كل مرحلة عمرية،
وتكسر الروتين التقليدي في الحصة الدراسية، والأهم تتناسب مع العدد الكبير
للطلاب والتلاميذ داخل كل شعبة، وقد يكون تطبيق الموسيقا بالمناهج أحد هذه
الأساليب إذا ما قامت وزارة التربية بمنهجة ذلك بشكل مدروس بعيداً عن
الأغاني المتداولة في باصات النقل والمناسبات والأفراح، بحيث تصل كل
المعلومات المعرفية الموجودة بالدرس إلى الطلاب لمساعدتهم على الاستيعاب
بعيداً عن الطريقة التقليدية، وإذا ما تم اعتماد هذا المشروع يمكن الامتداد
به إلى صناعة أفكار مستحدثة عبر الطلاب أنفسهم عبر التحرك في أكثر من
اتجاه، والهدف هو طاقات الطلاب الإبداعية، وابتكار أفكار جديدة لتوصيل
المعلومة الدراسية بكل سهولة.
رفعت الديك