كتب عبدالرحمن جاسم :
الدراما السورية ليست بخير. تأتي هذه
الجملة بمثابة توصيفٍ حقيقي لما تمرّ به الدراما السورية حالياً، وتحديداً في موسم
الدراما الرمضانية. أُنتجَ عددٌ كبيرٌ من المسلسلات (ليس بمقدار نظيرتها المصرية)،
لكن ليس هناك تقريباً عملٌ واحدٌ يمكن القول بأنّه ترك بصمةً ويستحق أن يُشاهد ولو
بعد حين. أحد الناجين القلائل من هذه الكارثة، هو مسلسل «حارة القبّة» للمخرجة الماهرة
رشا شربتجي، والكاتب أسامة كوكش، ومن بطولة كوكبة من الممثلين السوريين أبرزهم
سلافة معمار، عباس النوري، فادي صبيح ومحمد حداقي.
بطبيعة
الأحوال، مَلَّ الجمهور مسلسلات البيئة الشامية المسطّحة ذات الصفات المكرّرة
والمعتادة: المقهى، القبضاي، البيك الظالم، وضع الفتيات/ النساء عموماً المزري في
هذه المسلسلات وطريقة تقديمهن. يحاول صنّاع العمل قدر استطاعتهم الابتعاد عن
الصورة النمطية لتلك البيئة، ينجحون أحياناً ويفشلون في أحيانٍ أخرى. حكاية
المسلسل تدور حول أبو العز (عباس النوري) المتزوّج من امرأتين: الأولى أمّ العز
(سلافة معمار) يعيش معها في «الحارة» (الشامية المعتادة) وسهيلة (نادين تحسين بيك)
ابنة البيك الذي تزوّج بها وأنجب؛ وهي تعيش في قصر البيك (التقليدي هو الآخر).
تبدأ القصّة حينما يموت أبو غازي أو
«البيك» (محسن عبّاس) ويترك وصيته من خلال صندوق يوصي بتركه عند أبو العز. وأبو
غازي لديه ابن «شرير» هو غازي (خالد القيش). منذ اللحظة الأولى، يبدأ المسلسل
بالتمهيد لهذا النوع من الأشرار، مع أنَّ حرفة «صناعة» الشرير في الدراما لم تعد
تستخدم هذا النوع. فالشرير الكلاسيكي انتهى عصره في الدراما العالمية وحتى
العربية. الشرير بات شخصاً عادياً لا يبدو الشر عليه، لا من ملامحه الخارجية، ولا
من شكله. الشر يظهر من تصرفاته قبل أي شيء آخر، وهو مستعدٌّ لتبريرها والدفاع
عنها. شخصية غازي في هذا المسلسل ليست كذلك أبداً. إلى جانب القصة الرئيسية، هناك
قصّة عادل (يامن الحجلي) المأخوذ «أخذ عسكر / سفر برلك». وكلا التعبيرين يعنيان
مرحلة إقدام «العصملي/ العثماني» المحتل لبلادنا،
على سوق الشباب لكي يخدموا ويموتوا في معارك الجيش التركي. كنز المسلسل بالتأكيد
هو شخصية «أبو الأحلام» (محمد حداقي) وإحدى نقاط قوّته. إنها شخصية تجمع بين
«المجذوب» و«الخيّر»، لكنها تخفي خلفها أسراراً وقصصاً كبرى، وتمتلك «إيفيهاً»
جميلاً تكرّره طوال الوقت: «دمعك يا عين، بيطفي حزنك يا روح»، ما يذكر المشاهدين
بالدراما المصرية/العربية عموماً التي تستخدم هذا النوع من الشخصيات منذ سنوات
طوال مع جملها/ ايفيهاتها التقليدية من نوع: «حيّ» و«وحّدوه» وسواهما.
أدائياً، هنا مربط الفرس؛ وهذا مكمن
قوّة الدراما السورية قبل أي شيء آخر. إذ إن معظم الممثلين السوريين يمتلكون
«حرفة» الأداء، ومهارته، وقلةٌ قليلة لا تفعل. في «حارة القبّة»؛ لم يخرج عباس
النوري بعد من عباءة «باب الحارة»، خصوصاً في أداءاته في مسلسلات البيئة
الشامية، إنه لا يزال يؤدي بالطريقة نفسها منذ أن أمسك بشخصية «أبو عصام» في
المسلسل الشهير. لا تختلف شخصيته هنا عن أبو عصام، وإن غيّر شكله خارجياً فأطال
شواربه ولبس ثياباً مختلفة. هو لا يزال «الحكيم/ القبضاي/ الشجاع»
إلى آخره من الصفات، مع نفس تقطيبة الوجه وعبوسه، وصوته المرتفع حال إرادته إثبات
قوته. باختصار، عباس النوري لم يقدّم أي جديد للدور، مع أنّه واحد من أفضل ممثّلي
جيله، ومهارته مرتفعة. سلافة معمار بدورها «محترفة تمثيل»، لكنّ مساحة الدور
والمطلوب منها في مسلسلات مماثلة، يجعلان حركتها «محدودة». بالتالي، لا يمكن
انتظار أن تكون سلافة ذاتها التي شاهدناها مثلاً في «مسافة أمان» (2019). يسعى خالد
القيش لأن يكون متميزاً في هذا العمل، وهذا يُحسب له؛ لكنه في الوقت عينه غرق في
كلاسيكية «التصوير» للشرير، فبدا شريراً من أفلام ثمانينيات القرن الماضي. يأكل
كشرير، ويمشي كشرير، وينظر كشرير وكل ذلك. هذا النوع من الأشرار تقريباً «انقرض»
من صناعة الدراما العالمية، إلا في دول العالم الثالث. محمد حداقي ممثلٌ مظلوم،
يؤدي باحترافية عالية، ولديه مهارة كبيرة، لكنه بالتأكيد مظلوم من قبل المنتجين
الذين يرفضون قيامه ببطولة أعمال، مع العلم أنه قادر وبسهولة وأفضل ممن يُحسبون
«نجوماً». على جانب الأمور، يامن الحجلي كما شكران مرتجى يحتاجان كثيراً لإعادة
حساباتهما في التعامل مع التمثيل. شكران ماهرة، لكن الـ
Hollywood smile بالتأكيد
غير منطقية نهائياً مع شخصيتها؛ وهذه «غلطة الشاطر» وهي أمرٌ غير مقبول، خصوصاً
أنّها قدّمت أكثر من مسلسل في «البيئة الشامية» هذا العام. يامن الحجلي بدوره، يعيد
تكرار «التمثيل نفسه» في كل دورٍ يؤديه، وهذا أمرٌ منهك له وللمشاهدين.
المسلسل بشكلٍ عام يمكن مشاهدته بدون
جهد، كما يحدث مع غيره من مسلسلات البيئة الشامية
إخراجياً
سعت رشا شربتجي لتقديم حرفتها، وإن لم تصل إلى ما هي قادرة عليه فعلياً، وعليها أن
تشحذ همّتها، لأن الدراما المصرية قد رفعت سقف المنافسة خصوصاً مع أعمال مثل «نسل
الأغراب» و«الاختيار 2»، وحتى الأعمال العربية مثل « 20 20»
باتت تنافس هي الأخرى، ونتحدّث هنا من
جميع النواحي حتى إخراجياً. حاول الكاتب أسامة كوكش أن يخرج من عباءة كلاسيكية
الدراما الشامية، وهو ما فعله حين تحدّث عن العثملي والسفر برلك؛ والجوانب المظلمة
من ذلك التاريخ. لكن كوكش ركن إلى الشخصية النسائية
التقليدية المعتادة الخائفة المغلوب على أمرها، والمقهورة دائماً.
المسلسل بشكلٍ عام يمكن مشاهدته بدون
جهد، كما يحدث مع غيره من مسلسلات البيئة الشامية. لكن ينبغي للدراما السورية أن تنتهي
منها كما انتهت يوماً من «الفانتازيا التاريخية» (كـ «الجوارح» و«الكواسر» وسواهما من مسلسلات ثمانينيات القرن الماضي). على
الدراما السورية العودة إلى نقطة قوّتها: الدراما الاجتماعية التي تصوّر وجع
الناس، آلامهم، وحياتهم اليومية المعاشة. هنا تكمن قوّة الدراما السورية وأداء نجومها.
هذا بالطبع لن يرضي ولن يعجب المموّل الخليجي صاحب رأس المال الراغب في مسلسلات
«تبعده عن الهم» و«النكد» ويفضّل دراما «غب الطلب» إما تتحدّث عن مرحلة تاريخية
«منقرضة/ افتراضية» أو «دراما الأوتيلات وعارضات وعارضي الأزياء» الفاقدة للطعم
كما للمضمون. باختصار؛ تحتاج الدراما العربية أن تنهض بجناحيها المصري والسوري،
لأن المنافسة بين المدرستين؛ دفعت بكلتيهما إلى «تطوير» الأداء، كما المضمون والنوعية.
سيرياستيبس - الاخبار