نضال حيدر
توازياً مع سرقة النفط والثروات الطبيعية واستغلال الأدمغة والكفاءات العربية على نحو بشع.. تتواصل الجهود المشبوهة لتزييف التاريخ .. والمستهدف الأساسي هو الذاكرة ..التي يسعى المحتلون أينما وجدوا لمحوها واستبدالها بأخرى منقطعة عن بيئتها الأصلية وعن سيرورتها التاريخية ..هذا المشروع المريب متواصل ..للأسف سواء في فلسطين المحتلة عبر محاولات الصهاينة (تهويد القدس) وباقي المناطق الفلسطينية والعبث بالأوابد واللقى الأثرية واستنساخ بدائل عنها تلغي الوجه الحقيقي والهوية الأصلية ..وكذلك الاعتداء الصهيوني المتواصل على آثار الجولان المحتل واستطراداً الجهود الحثيثة التي تقوم بها قوات الاحتلال الأميركي –البريطاني في العراق التي تواصل سلب الشواهد الأثرية وتهريبها خارج الحدود .
مناسبة ما تقدم ..إشارة د.جورج جبور في صحيفة الثورة (الثلاثاء /29/أيار/2007 ) إلى رفض السلطات الألمانية (إعارة )مصر(رأس نفرتيتي) ولمدة ثلاثة أشهر ..هذا التمثال الذي نحت قبل قرون عديدة والذي تم تهريبه إلى ألمانيا عام 1914 ..
الدكتور (زاهي حواس) أمين عام المجلس الأعلى للآثار المصرية أعلن بوضوح أن مصر ستلجأ إلى إعادة النظر في التعاون العلمي مع ألمانيا ومع الجهات التي ترفض إعادة الآثار إلى أصحابها وذلك إذا ما استمر رفض ألمانيا للطلب المصري .
وذهب ( حواس ) إلى أبعد من استعادة التمثال ليطالب بإعادة حجر رشيد الذي كان مفتاح شامبليون لحل ألغاز اللغة الهيروغليفية مطلع القرن التاسع عشر والموجود في متحف لندن وكذلك إعادة ( القبة السماوية ) من متحف اللوفر الفرنسي والتي تمثل أحد سقوف ( معبد دندرة ) والتي صور عليها السماء وحركة النجوم والشمس والتي يعود تشييدها إلى العصر البطلمي وكذلك إعادة تمثالي مهندس الهرم الأكبر ( هرم خوفو ) ومهندس الهرم الثاني ( هرم خفرع ) .
والمثير للاستهجان أن الرفض الألماني للطلب المصري المشروع استند إلى ( التخوف من تعرض التمثال للتلف ) والمسألة بتفرعاتها اليوم يجب أن توضع في عهدة حملة عربية شاملة تتبنى هذا الموضوع ( كما طرح د. جورج جبور ) وتدفع به إلى الواجهة وتسعى إلى إنجازه على أرض الواقع بحيث تعاد المقتنيات الأثرية إلى مواطنها الأصلية سيما وأن اليونسكو تحاول منذ زمن إعادة الآثار إلى أمكنتها الأصلية بجهود حثيثة لم تتبين نتائجها حتى اليوم .
المثير للاستغراب والسخط في آن معاً أن وقائع ( التهريب ) مثبتة بأدلة دامغة لا ينكرها السارقون الذين يواصلون بوقاحة وصفاقة منقطعتي النظير منهجهم المرسوم بدقة متناهية لمحو ذاكرة الشعوب واستمرار استعمارها بواجهات متعددة كولونيالية وثقافية واقتصادية وعلمية والسؤال الكبير الذي نتوخى إجابة وافية وشافية عنه حتى متى ستبقى ( نفرتيتي ) زوجة ( أخناتون ـ فرعون التوحيد ) وحيدة في منفاها البرليني ( متحف برلين ) ؟
ومتى سيعود ( حجر رشيد ) من عاصمة الضباب ؟ ومتى تستعيد ( القبة السماوية ) مكانها بدلاً من إقامتها الجبرية في متحف اللوفر ؟
ومتى يتوقف هذا الاستنزاف الآثاري المتعمد وتعود أوابدنا التاريخية إلى واجهات متاحفنا ؟ وهل يكفي التهديد بمجرد إعادة النظر في التعاون العلمي مع الدول السارقة والمارقة ؟
|