سيريا ستيبس - علي محمود جديد
أشعر بكثير من الإزعاج وقتما يتسلّم أحد المسؤولين، موقعه الجديد، ويبدأ بجولات
ميدانية سريّة ، أي دون أن يعلن عنها
مسبقاً، وذلك ليس من منطلق عدم أهمية مثل هذه الجولات، ولكن من منطلق أنها تبدو - بعد حين- ليست أكثر من هبّة عابرة وسريعة ، للفت الانتباه ، والإيحاء بأنّ الذي سوف يشيل
الزير من البير، هاقد أتى بشحمه ولحمه، ولكن ماأن يمرّ بعض الوقت، حتى يبدأ ذلك
المسؤول بالتراخي، واللامبالاة ، ونسيان أهمية مثل هذه الزيارات الميدانية،
والسرية ، وغير المعلن عنها، ويصير ميّالاً بشكل واضح، للزيارات العلنية، والمعلن
عنها، قبل أيام وأسابيع، حتى يتمكّن مرؤوسوه من الاستعداد جيداً لاستقباله، كي يقوموا بالواجب على أكمل وجه.
وربما يكون ذلك المسؤول ، قد انطلق من قاعدة صحيحة وصادقة في نفسه ، عند جريان الدم الجديد في بداية تسلّمه زمام الأمور ، ولكن لاندري
ماالذي يحصل تماماً ، فما أن يستقرّ على الكرسي قليلاً ، حتى يبدأ بتغيير اتجاهاته
، إمّا بسبب هذا الكرسي وسحره ،
وإمّا بأنّه يكون قد نام على زنود الفاسدين ، الذين يقنعونه بعدم جدوى مثل هذه الزيارات
التفقدية السرية ، وتبدأ الأمور بأخذ سمت آخر ومنحى مختلف ، لاعلاقة له بفورة الدم تلك .
بالأمس قام السيد نبيل السيوري ، المدير العام الجديد للمديرية العامة للجمارك
، بجولة تفقدية _ وصفت بالسرية ، وبالتي لم يعلن عنها مسبقاً _ وقد
شملت أربع أمانات جمركية ، أمانتي الدبوسية والعريضة على الحدود اللبنانية ، وأمانتي المركزية والمنطقة الحرة في طرطوس ، وقد نقل عن ( سيادته الجديدة ) بأنّه قد خرج من خلال هذه الجولة بملاحظات عديدة عن الواقع القائم ، وعن العمل والدوام ، وقد نقل عنه بأنه سوف يتخذ عدّة قرارات سريعة ، بحق الذين ثبت لديه تقصيرهم وإهمالهم ، مؤكداً اتخاذ قرارات أخرى ، من شأنها تشديد الاجراءات الأمنية
والجمركية ، وتفعيل العمل في كافة الجوانب ، لتساهم الجمارك في تسريع العمل والانتاج ، وفي تبسيط الاجراءات ، أمام المورّدين والمصدرين ، عبر المنافذ الحدودية البرية والبحرية .
بمقدار مايبدو هذا الكلام رائعاً لأنه يعكس عملاً إدارياً حقيقياً وناجحاً ، يريد أن يقف على واقع
الأمور وحقيقتها ، بمقدار ماسوف يصير
سخيفاً – بعد حين – إن لم يستمر بهذا الشكل ، أو بأي شكل آخر ، يوصلنا إلى نتيجة
الوقوف على الحقائق ، لاسيما وأنّ الجمارك
– يدرك الجميع بأنّها – تحتاج إلى تطهير شامل ، فالفساد فيها مزدهر إلى الأوج ،
وهكذا جولة سرية تفقدية ، غير كافية ، والسيوري يحتاج إلى آلاف الجولات
الأخرى ، حتى يتمكن من الوقوف على جزء
يسير ، من جبال الفساد الجمركية الهائلة ، على الرغم من كونه ابن هذه المؤسسة .
نحن
لانرجو للسيد نبيل السيوري إلا كل الخير والتوفيق ، ولكنّنا يئسنا من هذه المظاهر
الأفّاقة كثيراً ، لأننا نريدها أن تكون
منهج عمل وطني دائم ، وعرف مستمر ، لاموجات عابرة ، تحمل في طيّاتها حبّ الظهور ، وتصفية
|