أنوثتي... وشارع الثورة
كلما مررت أو توقفت في منطقة سرافيس شارع الثورة في
(مصران) دمشق - وهي تختلف عن قلبها- أخرج متفقدة جسدي بداية من الدبوس الذي ألملم
به غّرتي انتهاء بكعب حذائي الذي في أغلب الأحيان يحتج فيلتصق تارة بفتحة بالأرض،
وتارة أخرى ينخلع من مكانه وبحالات نادرة يخرج سالما من معمعة الركض واللهاث وراء
السرافيس، إنها لحظات لا بل ساعات تمر بسرعة البرق، فبينما أقف وأتجول وأركض باحثة
عن مقعد خال أو حتى ركن بقرب كرسي في السرفيس (أي القرفصاء على مقربة من شركاء
كثيرين يملأون زوايا السرفيس المنتظر) في كل هذه الأثناء لا أشعر بالملل أبدا فالجميع
يساندوني بدعم صوتي وحسي، من صوت الأغاني الممتزجة بالأناشيد الدينية والأخبار
والصياح والدردشات بين المنتظرين، إلى المارّين الذين يفرشون أيديهم بوسط الطريق
فقط ليشعروني بجسدي بأنه موجود، بينما عيناي التي تبحث بشغف عن السرفيس تجعلني
أتجاهل اللمسات والقروصات والطبطبات،
لألتفت إلى عظائم الأمور دون صغائرها فكل ما يحدث أنساه بمجرد رؤيتي للقادم الأبيض
الضاحك من بعيد لأقف مقاطعة طريقه لعلي أحصل على ركن فيه بأي شكل من الأشكال التي
يمكنني بها الصعود. وبعد هذه العملية الخارقة وعندما استعيد توازني النفسي والجسدي
وبحثي عن أشيائي وأجزاء جسمي أتذكر أنوثتي التي أضحك عليها كثيرا والتي أبارحها
منذ وصولي الى شارع الثورة فأحاول استعادتها، وأنا أتذكره وهو يهتني بأنوثتي
الناقصة لأقول له إنها غادرتني اليوم نهائيا، فأطل من الشباك لأرى المنتظرات وهن
يتدافعن للوصول الى مقعد في السرفيس فأفرح ها إنهن جميعهن تهرب أنوثتهن منهن في
شارع الثورة ونون النسوة تتحسر فلا مكان لها ان أرادت الوصول الى بيتها أو عملها ولسان
حالها يقول : "بلا أنوثة بلا بطيخ بدي اركب بالسرفيس".
رهادة عبدوش
|