ما من شك أن الاهتمام بالإعلان قد بدأ يشق طريقه نحو النمو
أكثر فأكثر، والمؤشرات كلها تؤكد، أنه ذاهب باتجاه التعمق في هذا النمو،
وهذه حالة لم تعد قابلة للتردد او التراجع، ما دامت آلية السوق، والمنافسة
في الجودة وفي السعر، هي المحرك الأساسي لتسويق السلع، وإقناع المستهلكين
باقتنائها. فأمام غزارة الإنتاج، وغزارة المستوردات، صار لا بد ولا مناص
من اللجوء إلى أفضل الطرائق التي توصل هذه السلعة أو تلك إلى الأذهان،
وتبقى مستقرة في الذواكر، لضمان استدعائها عند الاحتياج إليها، وإلا فلا
بد أن تغيب في ظل هذا الازدحام السلعي الكبير الذي تشهده الأسواق السورية
في هذه الأثناء. وعلى الرغم من تنامي الحس الإعلاني عند المنتجين والتجار
واندفاع كثير منهم نحو الانصياع لهذا الواقع الجديد الذي لا بد منه، فإن
بعض هؤلاء المعلنين، مازالوا يفتقرون – على ما يبدو- إلى تعميق هذا الحس،
وترسيخ الثقافة الإعلانية عندهم، التي لا تأتي إلا من خلال فهمهم لأبعاد
الإعلان، وإدراكهم لمدى تأثيره الإيجابي في نفوس المستهلكين. وقد حان الوقت لأن يقتنع المعلن بضرورة تواضعه أمام
المستهلك، الذي لم يعد بحاجة لأي معلن، وصار هذا الأخير هو بأمسِّ الحاجة
للمستهلكين جميعاً، الذين يجلسون على عروشهم ليختاروا بكل هدوء ما يحلو
لهم، دون مزاحمة ودون أي خوفٍ من أن يسبقهم أحد على ما يشتهون. امام هذه الحقائق، أحزنتني رؤية أحد المعلنين المنتجين لنوع
من المنظفات، واضح أنه قد دفع تكاليف باهظة لإعلانات طرقية مكثفة، يدعو
المستهلكين لشراء المزيد من إنتاجه، واعداً كل مستهلك يشتري دزينة من علب
منظفه، "بالتكرّم" عليه بتقديم كأس ماءٍ زجاجية كهدية مجانية!! أفليس غريباً أن يعتقد هذا المعلن أنه قادر في هذه الزحمة أن
يُغري الناس بشراء 12 علبة منظفات كي يغتنموا 12 كأساً؟ وقد تكون غير
متشابهة أحياناً؟ إنه نوع من الاستهتار باهتمامات الناس، وقناعاتهم، وحتى
كراماتهم... وأقوالها علناً أن مثل هذا المعلن لم يشعر بعد بسخونة
الازدحام، ولا بحرارة المناخ. إنه فقط يُغمض عينية، أو يصُّم أذنيه، ولا
يسمع سوى رنين الكأس!
علي محمود جديد
|