بقلم آرا سوفاليانسيارة وزيت وهو ليس زيت سيارة بل زيت وزعتر وهو خليط يدخل في مكوِّن صندويشة محلية عظيمة الشهرة ولكنها ليست لوحدها هذه المرة بل مصحوبة بقدرٍ وافٍ من الخيار المقشر والمقطَّع وبقدرٍ وافر آخر من سوء التربية و قلة الأدب؟ ما العلاقة بين مفردات المقدمة أعلاه ؟... لا بد انها شيء طلسمي برجوازي بروليتاري انتهازي استفزازي مستتر ومنبهر... لا لا أبداً هذه المقدمة أمر واقعي وحقيقي ولا بد من الاسترسال في المقالة لمعرفة العلاقة والأسباب المؤدية. الحمد لله لقد بعت سيارتي... أنا الآن مرتاح وهمّي في قلب غيري.... كل باصات البلد في خدمتي وكذلك تكسياتها وسرافيسها ومكاريها الماكرة، ولبيع السيارة منافع متعددة أهمها: 1 ـ وداع موجة الكابة التي تلازمك منذ لحظة ركوبها (الخوف من نعرة أو بوسة أو رفعة إلى عالي سماه) ووداع الأحبة راكبي الدراجات النارية وحملة دفاتر المخالفات والعصي الأرجوانية المفسفرة، أما سبب موجة الكابة الابتدائية فهو البحث عن الإبرة في كومة القش، أي البحث عن مكان تضع فيه السيارة لتقضي شغلك، ليتم فيما بعد القضاء على أحلامك وأمانيك. 2ـ إن قدّر الله وقضيت شغلك فقد تعود لتجد أن سيارة أخري تقف مكان سيارتك وعند السؤال يتبين ان الونش والنمل قد سحبوا سيارتك بدون أخطار وهذا مستوى معين من السلوك ننفرد فيه نحن! وهذا السلوك يقودك إلى الجنون وضرب الكف بالكف، ترى أين وضعت سيارتي؟ هنا أم هناك أم في شارع آخر، هل جئت بها إلى هذا المكان أم هي التي جاءت بي، ترى هل جئت بتكسي أم أنى جئت بها وتمت عملية سرقتها؟ومن الذي سرقها؟ وماذا افعل الآن، وكل أغراضي فيها وبها، كل السيارات متوقفة في عين المكان وتم سحب سيارتي انا بعد خلع نافذتها، فهل وضعتها في مكان مقدس وتم انتهاك قدسيته من قِبلي ومن قِبَلِها؟...لا اعتقد ذلك حيث لا أحد يعرف أين يمكن السماح بالوقوف وأين لا يمكن على مستوى السائقين ثانيا والشرطة أولاً، والمسالة تعود للمزاج فعلى الرغم من عدم وجود شاخصة، وحتى في حال وجودها فان المخيلة وحدها تحدد مكان المنع ومداه، ولهذه المعضلة الكأداء حل وهو تحديد منطقة السماح عن طريق وضع لافتة سماح في الأول ولافتة انتهاء سماح في الآخر مثل طريقة الأقواس في المطابع وفي الكتب وفي الدفاتر هكذا (هنا فقط وفي هذا الحيّز يسمح بالوقوف). 3ـ وان قدّر الله وبقيت سيارتك في مكانها فستجد راكب دراجة قد وضع لك مخالفة تحت البلور وهرب! ... الله لا كان جاب البلاء... روح دفاع ودوق ذل ومهانة. 4ـ قد يحدث أن ينتحي راكب الدراجة جانبا بعد أن يطرّز بلور كل السيارات المتوقفة ... فخود وعطي معو يا مولانا ... وعود علبازار حتى تشوف لك شي دوبارة أو تخريجة. 5ـ بعت سيارتي وخلصت من تبخيش جسمي بالمنيّة لأني في نظر الدولة عنصر هدّام وملوث للبيئة ويجب مكافئتي بعقوبات وغرامات المقصود منها التعويض على البيئة المتضررة من ممارساتي الهمجية، لأنه وبالرسوم والضرائب المتصاعدة يتم تطييب خاطر البيئة ويتم منع التلوث عنها وكاَّن المسالة ليست تآمر مع تجَّار السيارات ومستورديها للتضييق على الناس وتحويلهم إلى زبائن جدد و.... تعى شيل! 6ـ بعت سيارتي وهربت من النقاط ... فكل أمور الوطن والأمة منصلحة بعون الله وبقيت المسالة على النقاط! 7ـ حزنت على صديق لي يقود على مهل ولا يدوبل عن اليمين ولا يخالف إشارة ولا يستعمل سيارته إلا قليلا ولا يناور ولا يستطيع أن يدبّر حاله ولذلك فلقد خسر نقاطه كلها خلال أسبوعين ضمن المعادلة الآتية: آ ـ مد اليد.... ب ـ اختراع المخالفة... ج ـ اخذ القضية على محمل الجد.... د ـ قلة التدبير.... هـ ـ جعل الوجه 7 غضبات وكتابة المخالفة... وـ خسارة المال و النقاط. 8ـ بعت سيارتي وانتهت متاعبي مع الباركينغ وقبضايات الباركينغ وانتهت مسالة أن يستثمر البعض أجزاء من شوارع وأرصفة بلدي بالاتفاق مع البعض الآخر بزعامة عبدو ابن قاسم النصف والدته مشفقة خانوم التحصلدار خانة 229 نهب متسلسل. ارتحت من كلمة شيل سيارتك من هون، أو بالله لا تصفْ امام واجهة المحل، أو قربها لقدام لأنه جايي البيك اب وبدنا نحمّلْ بضاعة، وطبعا هذا كذب مكشوف، وارتحت من أحواض الزريعة الفارغة من الزريعة ومن أحواض الغسالات القديمة المملوءة بالأتربة والأحجار والمثبتة قبالة المحلات، وارتحت من البواري المعدنية المنبثقة من الزفت والتي يصطدم بها الراجع إلى الوراء دون أن يتمكن من رؤيتها لأنها تتموضع كالخازوق في الظلام! 9ـ ولأن السنة الميلادية التي نعتمد عليها في التقويم وراء الباب فلقد انتهيت من مصيبة الترسيم ووقفة الذل في مجمّع كتلة الزبلطاني الترسيمية السرطانية حيث نفوس سيارتي المباعة ونفوس الناس هناك، وانتهيت أيضاً من مصيبة التامين ومن كارثة براءة الذمة ومن ضريبة تلوث البيئة التي تضاف حتما في كل حركة وسكنة عند تغيير محرك أو تغيير مواصفة، فأنا مرتاح الآن من ضريبة تلوث البيئة وقطع أشجار الغابة وقتل حيواناتها بسبب عوادم سيارتي العدم التي كانت افضل من كل السيارات الجديدة التي تم استيرادها حتى اليوم. 10ـ أنا مرتاح الآن من الحزام (حزام أمان الشرطة) والطفَّاية وعلبة الإسعاف الأولي حيث تم إجبار الملايين على شرائها مجتمعة ولم يتم حتى اليوم استعمال واحدة منها منفردة؟ ما عدا تلك الموجودة في سيارة المحامي الذي ضربه الشرطي ومزق له إذنه اليسرى ثم اشتكى عليه على مبدأ(ضربني وبكى وسبقني واشتكى) 11ـ آنا مرتاح الآن من دخول محطات الوقود ودفع مبلغ 1400 ليرة في كل دخول، دون أدني أمل باسترداد هذا المبلغ من شغلي المتوقف، وبالتالي الخروج والسيارة تسكسك (تلعن الساعة) تسكسك في الرابع وفي الثالث وبعد كل مداهمة للكازية من قبل دورية ما وبعد دفع البلاء بما يدفع البلاء فان البنزين تسوء نوعيته اكثر فاكثر لاسترداد الرشوة التي تم دفعها وبالتالي فان السيارة سوف تسكسك على كل الغيارات و حتى على الأول. 12ـ أنا مرتاح البال الآن (الله يريّح بال يلّي ريّح بالنا) فمن المستحيل أن ارجع إلى سيارتي لأعود إلى بيتي فأجد أحد أبوابها أو رفاريفها أو كليهما معا وقد دخلا إلى الداخل بمسافة فتر أو شبر أو متر، ولا أن أجد البلور لأحد الشبابيك أو الصطوبات مرمي تحتها على الأرض، ولا أن أرى طبونها الأمامي وقد تحطمت براغيه ووقع على الأرض نتيجة هجمة إلى الوراء من قبل (كرّ مو عامل حسابو) لا بد أن يضرب ثم يهرب وهو يلتفت يمين ويسار كما يفعل اللص، لا يمكن ايذاء سيارتي الآن فهذا مستحيل بالطبع لأني بعتها فلا عين تشوف ولا قلب يوجع. 13ـ وأيضاً من المستحيل أن أراها مقشوطة أو مقحوطة عل داير من قبل ولد بيده حديدة قد تسعفه مخيلته فيدور حولها والحديدة في يده عشر دورات. 14 ـ أنا مرتاح من ضريبة الرفاهية لأني غير مرفه ولا مترفه ولا أريد هذا الترفيه بأي شكل من الأشكال ولذلك وحرصا على عدم ترفيه غيري بما كسبته من كد يميني وعرق جبيني فلقد صممت على عدم شراء سيارة لأنه لا حاجة لي بكل صنوف الرفاهية والتمتع حرصا على عدم البعزقة من جهة وعدم وضع تعبي في يد من لا يستحقه ومن سيسيء التصرف به وصرفه بكيفية لست مقتنع بها ولا أريدها مع العلم بأنه لن يحصل أحد على مواقفة أو تصريح مني وهذا من جهة،ولن يهتم أحد لرأيي وهذا من جهة أخرى مغايرة ومؤكدة تماماً! ولكن! مهلا ... هناك عامل إيجابي اكتشفته اليوم ويتعلق ببيع السيارة وهو عامل مطيل للعمر ويحافظ على نضارة الوجه وهو الضحك والضحك والضحك دون توقف!، فهل تصدق أن يكون هذا العامل هو مكسب إضافي ناجم عن بيع السيارة ... صدق أو لا تصدق. اليوم وفي ساحة باب توما ولا زال الملك توما يتعجب حتى اليوم من الطريقة التي تعامل بها ساحته وبابه، والحشود على الرصيف ثم تحت الرصيف والانتظار الطويل على موقف الباص ولم يصل أي باص، ولأن هذا الخط هو من افضل الخطوط بالنسبة للركاب بمعنى (عليه طلب) فلقد وضعت جماعة المؤسسة العامة للنقل وضعت يدها الكريمة عليه وحرمت الجميع من العمل عليه والذهاب منه وإليه، بهدف تفشيله ومن عليه كما جرت عليه العادة ومنذ أول يوم استخدمت فيه باص للدولة وكنت تلميذ غرّ في الصف السادس الابتدائي، المهم وصل البساط السحري الأخضر وفتح كابتن أعالي البحار أبواب الباص ورفع فريم اليد ونزل ليلحّقْ شفتي شاي مع نصف دجيكارة حمراء طويلة، فتوقف رتل الصاعدين من الأمام لان اغلبهم يريد شراء بطاقة من السائق والسائق غير موجود وهو سيعود وهو يضمن عدم هروب الزبائن بسبب عدم وجود بدائل، وهجمَ طلاب الجامعة على الباص وصعدوا مباشرة من الباب المخصص للنزول وهو في الوسط وحجزوا جميع الأماكن لهم ولأصدقائهم ولأصدقائهن والهيدفونات في آذانهن الطاهرة وموبايلاتهنَّ وموبايلاتهمَّ في الأكف والبلوتوث شغّال وسبابات الأيدي اليمنى على الأزرار وتم وضع بعض الشنط على المقاعد من قبلهم أو من قبلهن وتم انتظار من سياتي وتم ندب إحداهن لتذهب إلى جهاز قطع التذاكر البرتقالى اللون، بعكس السير ويفتح لها الطريق أحدهم وهو يدوس على الناس وخلفه الإحداهنَّ المكلفة بقطع التذاكر للبقيات؟ ولم يبق مكان لكل شريف صعد من الباب المخصص للصعود لا بل تمَّ على الأقل الدعس عليه او على قدميه لعدة مرات من قبل القادمين بعكس السير ووصل شيخ بعكاز وعينين زرقاوين ونظّارة كبيرة وقديمة لم تعد تحظى اليوم بشرف ان تدور على خطوط الإنتاج وقال لي وبصوتٍ عالٍ: ما لك عليِّ يمين يا اخي والله ما بيصحّلي كرسي بهل باص ولا مرة بالشهر... وأشار بعكازه الى الكراسي المحجوزة بالشناطي والأكياس وقال : أصحاب هذه الشناطي هنَّ في هذه اللحظة خارج الباص وقد تولى حجز الامكنة لهن بعض الزعران يلي قفزوا من فوق الناس... وآنا بدي العن أبوهن واحد واحد. وانهال بعكازته على الشناطي ورماها كلها على الأرض ووقعت الدفاتر والأقلام من إحدى الشناطي ووقع كيس نايلون من شنطة أخرى يحوي صندويشتي زيت وزعتر مع ثلاثة خيارات مقشرة ومقطعة، وكان التزاحم كفيلا بان يدوس الجميع على كل شيء، وموجة هستيرية من الضحك المتواصل، وهناك من لم تتح له رؤية هذه المكرمة فاخذ يضحك على الريحة. وجلست امام الرجل العجوز فلقد منحني بجثارته مكان اجلس فيه وشكرته قائلا ... أنا مثلك يا عمْ لم يتح لي شرف الجلوس على كرسي اصفر يعود لبساط الريح الأخضر حتى اليوم...وجاءت صاحبة المكرمة أو بعبارة أدق صاحبة صندويشتي الزيت والزعتر ولملمت أغراضها من الأرض ورمت العجوز بكلمة في العظم!، ثم شتمته بعباراتٍ سوقية وهي تدير ظهرها له مبتعدة، وهذه العادة الزميمة تسمى بالعامّية (الهرف) وهي شيء مقرف وممجوج. ولكن الشيخ كان على ما يبدوا يعاني من أمرين الأول هو ترقق العظام فلم تصيبه الفتاة لا في العظم ولا في غيره ، والثاني هو ترقق السمع وهذا ما يبرر صوته المرتفع وقد حمدت الله كونه لم يسمعها وإلاَّ فكان سيحطم العكاز على رأسها خاصة وان الكلمة التي رمته بها تخترق اللحم والعظم وجدران ونوافذ بساط الريح الأخضرْ. ولم تفعل شتائمها أي شيء سوى التسبب بإضحاك نصف ركاب الباص بالتمام، والنصف الآخر بالعدوى أو كما يقال بالعاميّة ... علـ ريحة. قال لي: لعمى ... كنّا في مثل سنهم ولكن كانت فينا مروءة وكرامة وشرف... وأحدهم بشوفك واقف والعكازة بيدك وأنت مريض وماو غاضر توقف على رجليك ...ويدير وجهه عنك. سألني بدماثة: ابن من أنت ؟ ، فاجبته: وماذا يهمْ يا سيدي الجليل فلقد كان هذا السؤال يُسال منذ نصف قرن حيث كان الكل يعرف الكل في عاصمة اجمل بلاد الدنيا ولكن الآن فلقد اختلط الحابل بالنابل، وهات على لهجات فأنا مثلا اخضع حالياً لدورة أتعلم فيها اللهجة العراقية ... وإذا كنت مصرا على معرفة ابن من أكون فأنا ابن الحابل النابلي من عرب وَشْوَشْ!. ولا بد يا شيخي الجليل ان انقل لكم إعجابي بشخصكم الكريم وملامحكم الجميلة وعينا حضرتكم الزرقاوتين شَبَهْ جد مهند في مسلسل مهند ونور أمد الله في عمر حضرتكم لان الآتي اجمل. أما بالنسبة لهذا الإرث يا شيخي الجليل فهو باق ولن يتم نزعه ورميه في الزبالة إلا من قبل القادرين على ذلك، عن طريق تخصيص الخط الذي يحتاج لعشرين باص تخصيصه بعشرة باصات إضافية يتم إقحامها على الخط في ساعات الذروة ثم يتم سحبها أو تحويلها إلى خط آخر في ساعات انخفاض الطلب، أما تخصيص الخط الذي يحتاج لعشرين باص، تخصيصه بأربعة باصات فهذا يؤدي إلى ساعات ذروة متلاصقة وغير منتهية وهذا طبعا اربح بكثير، وهو أمر له قصد نبيل وهو حشو الباص بأكثر من استطاعته وبالتالي تعطله وفناء المحرك (وادفع نفقات إصلاح ورشاوى ثم ارمي الباص واستورد غيره بأضعاف ثمن قيمته الفعلية واعطس وليرحمنا الله جميعا) لن يتم يا شيخي نزع هذا الإرث ورميه في الزبالة إلا من قبل القادرين وهم معروفون ولكنهم لا يريدون ذلك فالهدف هو تصعيب كل شيء على كل الناس والمراهنة على أفضل من يرفع معدلات الخسائر والفشل ... ابقوا هكذا يا مسعولينا الكرماء يا أولياء نعمتنا ولا تتركوا أحداً يعمل واحموا أنفسكم ضمن مقولة (لسنا الأفضل ولكننا الوحيدين ... ويللي ما عجبو يروح يبلّط البحر بعد ما ينطح رأسه بألف حيط).
|