بقلم: مروان دراج مع بدء العطلة الصيفية للطلاب والتي تمتد لغاية أواسط شهر أيلول، يفترض بالجهات والمرجعيات التربوية الرسمية والخاصة، السعي إلى صوغ الخطط والبرامج التي من شأنها توظيف واستثمار طاقات وقدرات شريحة واسعة من المجتمع، وعلى وجه التحديد تلك التي لا تمكنها قدراتها وإمكاناتها المادية من قضاء العطلة ضمن برامج وأنشطة ترفيهية أو رياضية، وفي حال الاعتراف أنَّ المعسكرات الطلائعية التي غالباً ما تضم طلاَّب مرحلة التعليم الأساسي بحلقتها الأولى، كانت قد أسهمت في تنمية مواهب ومهارات بعض الطلاَّب ومساعدتهم على الارتقاء بها، مثل الرسم والسباحة والرياضة وسواها من الأنشطة، فإنَّه بالمقابل، لابدَّ من الاعتراف بأنَّ الشريحة التي تتوجه إلى هذه المعسكرات لا تشكل سوى نسبة قليلة تكاد لا تذكر من الطلاب في المراحل الدراسية المختلفة، وبهذه الحالة لابدَّ من البحث عن حلول لاستثمار طاقات الغالبية من الطلاّب، وترجمة هذا الأمر ليس صعباً، فبعض الكتب والدوريات التي تصدر عن مؤسسات ومنظمات أهلية وحكومية في الدول المتقدمة، تشير إلى أنَّ هناك فئة بعينها من الباحثين وعلماء الاجتماع وحتى علماء الطب النفسي، تعكف هذه الفئة بين الحين والآخر على صوغ برامج ودراسات وأبحاث تتوجه من خلالها إلى الطلاَّب، بهدف تقديم النصائح والإرشادات التي تمكنهم من ملء أوقات الفراغ خلال العطلة الصيفية الممتدة لشهور طويلة، وعلماء الاجتماع الذين نحن بصدد الحديث عنهم غالباً ما يقومون بتنظيم الندوات وإصدار الأبحاث مبينين من خلالها الفوائد التي يمكن تحقيقها، وذلك تبعاً للشروط الاقتصادية والاجتماعية القائمة في بلدانهم، أو التي تحيط بهذه الشريحة أو تلك من الطلاَّب. وبالإتكاء على بعض ما ذكرنا، أنَّه وفي حال كانت هناك نوايا جادة للاستفادة من أوقات فراغ الطلاب، فإنَّه بمقدور وزارة التربية إلى جانب وزارة التعليم العالي، ومن خلال التنسيق مع مرجعيات ومؤسسات رسمية وخاصة، السعي إلى توفير أعمال مؤقتة وموسمية لمن يرغب من الطلاَّب، مقابل الحصول على أجور وأتعاب مجزية، قد تمكنهم من تأمين مصاريف العطلة الصيفية أو شراء الكتب مع بداية بدء العام الدراسي. والأمر الذي شجع على طرح هذه الفكرة التي قد تبدو غريبة وغير مألوفة، أنَّ وزارة البيئة في ألمانيا كانت قد نشرت خبراً يقول: "إنه ومقابل حصول الطلاب خلال العطلة الصيفية على بضع ملايين من عملة "اليورو" فإنًّ الجهد الذي بذلوه، وفرَّ على خزينة الدولة مبلغاً يصل إلى حدود (5) مليارات يورو، وذلك فقط خلال ثلاثة شهور من صيف 2005". وذات الأمر يمكن سحبه على أكثر من دولة في القارة الأوروبية وغيرها، ففي دولة مثل فرنسا اعتاد الطلاَّب ومنذ عقود من الزمن، في مساعدة الفلاحين بقطاف العنب، مقابل الحصول على أجور محددة، وعملياً، فإنَّ مثل هذه الأعمال الموسمية، لا تعود بفوائد مادية على الطلاَّب فقط، وإنما تساعد أيضاً في نمو اقتصادات بلدانهم، فضلاً عن إكسابهم مهارات جديدة والمشاركة في العملية التنموية. بعد تقديم مثل هذه المقترحات، من غير المستبعد أن يعلِّق البعض قائلاً: بأن أكثر من مليون من قوة العمل السورية تنشغل في البحث عن فرص العمل، وبالتالي، فإنَّ هذه المقترحات تبدو شبه مستحيلة التحقق. ومثل هذا الكلام يبدو منطقياً في ظاهره لكن هذا لا يمنع تقديم بعض الاجتهادات التي قد تؤدي مستقبلاً إلى الاستفادة والاقتداء بدروس وتجارب الآخرين. وأمَّا في حال الحديث حول ما هو متاح ويمكن ترجمته بسهولة ودون مواجهة صعوبات ومعوقات، فهو يتمثل في إمكان مبادرة وزارة التربية وقبل انقضاء العام الدراسي بأيام، في الإعلان عن تنظيم دورات تعليمية مقابل تسديد رسوم رمزية أو مجانية لاستقبال الطلاَّب الذين يرغبون في التعلم على الحاسوب وإكسابهم مهارات جديدة تفوق البرامج التعليمية الأولية، وباعتقادنا أنَّ طلاَّب التعليم الأساسي بحاجة ماسة لمثل هذه الأنشطة والدورات نظراً لسرعة التعلم وإمكانات الاستيعاب العالية خلال الصفوف الأولى في المرحلة التعليمية. بل ويمكن أيضاً أن تبادر جهات ومرجعيات رسمية أخرى، في تنظيم ندوات نوعية حول مفهوم العمل التطوعي الذي قطع أشواطاً كبيرة في البلدان المتقدمة، وما زال في البلدان النامية أقل بكثير من الطموحات. وما نعنيه بالعمل التطوعي، توعية الطلاَّب وإرشادهم حول الأساليب التي تؤدي إلى مشاركة فاعلة في مواجهة الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية، بل ويمكن الانتقال بهذه الدورات من طور التوعية النظرية إلى طور التطبيق العملي على الواقع. سواء في كيفية المشاركة في إنقاذ الممتلكات العامة والخاصة في حال حصول فيضانات، أو حتى حدوث زلزال وعواصف وحرائق. وأيضاً يطال العمل التطوعي، إلقاء المحاضرات التي تبيِّن أساليب وآليات الحفاظ على سلامة البيئة. ويمكن بهذه الحالة إشراك الطلاَّب في تنظيف مجرى هذا النهر أو ذاك، أو حتى في المشاركة في إعلان يوم محدد للنظافة من كل أسبوع، أو الإسهام في تشجير بعض المناطق التي يزحف عليها التصحر. الخلاصة التي نرمي الوصول إليها من خلال هذه المقالة، بأنَّ أوقات فراغ الطلاَّب يتعين استثمارها والاستفادة منها، بدلاً من تبديدها دون تحقيق أي فائدة، كما ويجب أن لا يغيب عن أذهان الجميع، أنَّ هذه الشريحة الواسعة من المجتمع، كانت وما زالت ترغب، بأن تجد من يرعاها ويقودها إلى الطريق السليم ضمن فترة زمنية محددة من كل عام. غير أنَّ البرامج والأنشطة التي تحدثنا عنها، غالباً لا تجد من يأخذ بها، لا لجهة الدوائر والمرجعيات الرسمية ولا المنظمات الأهلية، وكل ذلك، لأننا لا ندرك أهمية توظيف الوقت واستثماره في قضايا التنمية.
|