خاص سيرياستيبس ـ مروان درّاج على الرغم من المؤتمرات والندوات العربية التي تعقد بين الحين والآخر، بهدف التأكيد على ضرورة الوصول إلى تنمية عربية مستدامة تطال كافة القطاعات الحيوية، فإن واقع الحال والمؤشرات والوقائع تشير إلى أن هذه التنمية مازالت في طور الولادة وتخطو خطواتها الأولى في كثير من البلدان العربية. وهي قد تتفاوت من بلد إلى آخر تبعا للإمكانات والظروف والثروات المتوافرة، والتنمية المستدامة العربية شهدت إخفاقا في بعض القطاعات، مقابل بعض النجاح في قطاعات أخرى، ففي بلدان محددة تحققت التنمية المستدامة في مجالات الصحة والتعليم ومستويات المعيشة، غير أن هذا النجاح بقي نسبيا ولم يصل إلى حدود الطموح لأسباب موضوعية، وذاتية متعددة. وهذه الأسباب قد تتمحور في غالبيتها ضمن عناوين تبدأ في غياب حدود الفقر والأمية والزيادة السكانية وعبء المديونية والطبيعة القاحلة ومحدودية الأراضي الزراعية والمياه في أكثر من بلد عربي. ولأن هذه الأسباب وسواها، كانت ومازالت تشكل معوقا للتنمية المستدامة في البلدان العربية، كان لابد من تكريس العمل العربي الموحد والانطلاق من مفهوم القومي وليس القطري، ذلك أن ما هو متوافر من ثروات وإمكانات في هذا البلد أو ذاك قد لا يتوفر في بلد آخر، وبالتالي فالعمل العربي المشترك يفترض أن يمثل عنوانا جوهريا في القرن الحالي، الذي يحمل بين طياته الكثير من التحديات التي تدفع وتشجع على ضرورة وعيها وإدراكها، وعلى وجه التحديد ما يتمثل منها في الجانب الاقتصادي، والذي بات بمثابة السلاح الأقوى في معايير ومفاهيم ما بعد الحرب الباردة، والعمل العربي المشترك، يفترض أن لا يتمثل في قطاع دون آخر. ذلك أن التنمية المستدامة هي كل متكامل، فإذا كان النهوض الصناعي يشكل محورا أساسيا، فذلك يعني وببساطة توفير كافة الشروط التي من شأنها الارتقاء في هذا القطاع، فحماية البيئة على سبيل المثال من مخاطر التلوث التي تشهدها اليوم بفعل التعديات على البيئة وعدم القدرة في معالجة النفايات الصلبة، هذه الحماية باتت تستوجب العمل على مستوى الدول والحكومات وليس على مستوى الأفراد والهيئات، فإذا كان الهدف الجوهري للتنمية المستدامة يتمثل في الحد من الفقر والأمية وانتشار الأمراض المستعصية، فذلك يعني ضرورة دعم خطط العمل والبرامج الإقليمية والوطنية والمحلية من خلال تمويل المشروعات الصغيرة بهدف التخفيف من حدة الفقر، إلى جانب إعطاء اهتمام خاص بدور المرأة التي تشكل عنصرا أساسيا في الإسهام بتفعيل دور التنمية وتجسيدها وقيادة قاطرتها الأولى إلى جانب الرجل. كل ما أتينا على ذكره يبقى منقوصا فيما خص التنمية المستدامة في حال عدم الالتفات إلى السكان والصحة، لذلك لابد من تعزيز الجهود في هذا الجانب من خلال توفير الغذاء والماء النظيف ودعم برامج التوعية للنهوض بتنظيم الأسرة ورعاية الطفولة والأمومة، طبعا دون إغفال أهمية التعليم والتوعية والبحث العلمي من خلال تشجيع الإدارة المتكاملة لموارد المياه وحماية مصادرها من مخاطر التلوث كونها تشكل عصب التنمية في أكثر من جانب. قد يستغرب البعض لو قلنا أن الشروط الذاتية لترجمة التنمية المستدامة في البلدان العربية أكثر من متوفرة لجهة حضور الإمكانات المادية والثروات الطبيعية التي مازالت خارج التوظيف الأمثل. ويتعين على البلدان العربية والدول النامية التنبه إلى ضرورة أخذ الحذر والحيطة لتجنب الآثار السلبية للعولمة الممثلة باتفاقات اقتصادية وسياسية بين دول الشمال الصناعي، غير أن أول ما يستوجب التنبه له، أن لا يبقى مفهوم التنمية حبرا على ورق، وأن يبقى الحضور من خلال لغو جميل في هذا المؤتمر، أو تلك الندوة. فالوصول إلى تنمية مستدامة في ظل المتغيرات الدولية المتسارعة والتي أخذت شكلا من أشكال التكتلات والشركات المتعددة الجنسية، تستوجب الدعوة لدعم مبادرات الشراكة بين الدول النامية نفسها وبين الدول الصناعية التي تأخذ بمفاهيم المصالح المشتركة. وما يدفعنا اليوم إلى التشجيع على الأخذ بالتنمية المستدامة العربية مجموعة من الحقائق التي مازالت تغيب عن ساحة الكثير من الاقتصاديين والناس العاديين، ففي العقد الأخير من القرن الماضي والذي أعقبه تواتر في الفقر العالمي، هناك (15 % ) من سكان العالم في البلدان ذات الدخل المرتفع يستهلكون 54% من مجموع الإنتاج العالمي، في حين أن 40% من الفقراء في البلدان ذات الدخل المنخفض يستهلكون 11% من مجموع الإنتاج العالمي، وأن معدل الفقر في الدول النامية يساوي دولارا واحدا يوميا. والإتيان على بعض الأرقام التي تضخها منظمات دولية، يرمي إلى تذكير العرب، بأن مساحة الفقر تزداد اتساعا في العالم، لكن إذا كانت بعض البلدان والقارات لا تستحوذ على ثروات طبيعية وإمكانات مادية عملاقة من شأنها أن ترفع وتائر التنمية، فإن الوطن العربي يستأثر على إمكانات من شأنها مواجهة استحقاقات لا حصر لها من التبدلات الاقتصادية العالمية والتي ليست في صالح الدول الفقيرة ومن باب التذكير لا أكثر، إذا كانت الدول الغنية قد شهدت اضطرابا أقل في ثمانينيات القرن الماضي لجهة النمو الاقتصادي، فإنه وخلال السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين، شهدت الدول النامية الكثير من التراجع لجهة نسب التنمية. وتراجعت مستويات الحياة الاقتصادية والاجتماعية إلى حدود بات يصعب معها إحداث شيء من التوازي أو التكافؤ بين ما هو قائم في دول الجنوب ودول الشمال الصناعي. وفي مواجهة هذه الحقائق لابد من التنمية المستدامة في الوطن العربي الأخذ بمفهوم أو شعار الاعتماد على الذات وعدم انتظار القروض والمساعدات من البنوك والمصارف الدولية، وعليها أيضا أن لا تنظر نظرة عطف من هنا ومساعدات من هناك، وإذا كانت منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى المجمدة حاليا تمثل خطوة على الطريق الصحيح، فإن السوق العربية المشتركة ستبقى الإطار الحاضن الذي بمقدوره رفع وتائر التعاون على غير صعيد، وباعتقادنا أن ما طرأ من تبدلات في أعقاب أحداث الحادي عشر من أيلول في تفجيرات نيويورك وواشنطن والاحتلال الأمريكي الراهن للعراق، كل هذه التبدلات تستوجب رؤية عربية موحدة سياسيا واقتصاديا.
|