من الغريب العجيب، كيف أن المعاناة والعثرات والصعوبات تلاحق القطاع العام أينما حل، وكيفما كان، فلا بدَّ من مرارةٍ يتجرعها حتى وإن كان ينتج السكر كمصدرٍ للحلاوةِ في هذا الكون. ولا أحد يدري من أين ولا كيف يتم اختيار هذه المعاناة وتلك الصعوبات، إذ كأن هناك خبراء متخصصون، لا شغل لهم سوى البحث عن مختلف الإجراءات والتصرفات التي من شأنها إفشال القطاع العام، كاقتصاد، وكمشروع، وكنمطٍ له ميّزاته الجوهرية على الأرض، اللهم إن أخذ حقه، وأعطي واجبه. ولكننا نرى، انه صار من الواضع أن على القطاع العام أن يؤدي واجبه "إلى آخر ملّيم" وذلك دون أن يأخذ إلا الجزء اليسير من حقّه. وما دام لا يأخذ حقّه، فهو لن يستطيع أن يؤدي واجبه، والمشكلة أن الحكومة تبدو وكأنها تتفهم الأمر، حتى وإن أظهرت أن عينها قد احمرّت من هذه الشركة أو تلك المؤسسة، فهي بالنهاية تتفهّم المشكلة وتتجاوز مسألة اتخاذ إجراءاتٍ ضد إدارةٍ خاسرة مُعيّنة. الشيء الصحيح والسليم، هو أن يُعطى القطاع العام حقه، وأن يحاسب على النتائج، وعلى الأداء الاقتصادي الكفوء، ولكن... لا نرى أداءً كفوءاً ، ولا نرى- بالمقابل- مقدّماتٍ، ولا استحقاقاتٍ تُمنح إليه ليتلمس طريق الأداء الكفوء.. فاختلط الحابل بالنابل، ولم تعد هناك أية قدرة على الفرز الصحيح بين من هو ناجح ومن هو فاشل، هناك عمليات تفشيل وعمليات إنجاح، دون أن ندري لماذا، ودون أي تخطيط واضح، فالأمور تجري هكذا- على التوكّل- وكأن الأهداف تغيب عن الآفاق تماماً. فمثلاً المؤسسة العامة للسكر ينتج عن صناعتها للسكر كميات كبيرة من الميلاس، كما تقوم بعض مصانع المؤسسة بتصنيع زيت بذور القطن، وعن هذه البذور ينتج اللينت بحلاقة البذور قبل عصرها، وهاتان المادتان "الميلاس واللينت" يمكن لمؤسسة السكر أن تتصرف بهما تصديراً، ولهما أسواقاً واسعة في العالم، وفي حال قامت بتصديرهما، فإن أرقامها التسويقية تزداد، وأرباحها تزداد وتزوّد نفسها بالقطع الأجنبي الذي يساعدها على تحسين أوضاعها. ولكن ما يجري أن المؤسسة العامة للسكر عليها أن تُسلّم ما تنتجه من الميلاس واللينت إلى المؤسسة العامة للتجارة الخارجية، التي تقوم بمهمة تصدير تلك المنتجات لقاء عمولات، ما يؤدي إلى ارتفاع التكاليف، وتحقيق خسائر! الأنكى من ذلك أن لدى المؤسسة العامة للسكر حساب مفتوح بالقطع الأجنبي في المصرف التجاري السوري، تُسجّل فيه عائدات صادرات مؤسسة السكر لاستخدامه- كما هو مفترض- في تأمين احتياجات المؤسسة والشركات التابعة لها. غير أنّ هذا الحساب المفتوح شكلاً، هو حساب مغلق، لا بل ومُقفل عليه، حيث لا يحق للمؤسسة أن تُحرّك سنتاً واحداً من هذا الحساب، إلا بموافقةٍ مسبقة من رئاسة مجلس الوزراء- لجنة القطع! أما لماذا لا يُسمح لمؤسسة السكر بتصدير منتجي الميلاس واللينت، ولماذا لا يُسمح لها بتحريك حسابها المفتوح من القطع، فأعتقد أنّهم هم لا يعرفون ذلك تماماً!! علي محمود جديد
|