شركات مريضة تتصدى لتصنيع الدواء للمرضى في سورية 20/09/2020
سيرياستيبس :
مع أن ثمة كثرة في معامل وشركات التصنيع الدوائي في سورية، إلا أن
السوق يشهد عدم استقرار في الأصناف الدوائية، وفقدان النوعي منها لاحتكارها
من قبل المصنعين بهدف رفع سعرها، في وقت يفضل المرضى وبعض الأطباء ممن
التقيناهم الدواء الأجنبي لفعاليته الجيدة.
من الصفر
الخبير في التصنيع الدوائي الدكتور محمد عامر المارديني أوضح أن
الصناعة الدوائية المحلية انطلقت قبل الأزمة باستثمارات ضخمة، ووطنت
التقانة وأمنت الاحتياجات الأساسية من الأدوية بالسعر المناسب، مع تشغيل
الآلاف من اليد العاملة وحصلت كثير من الشركات على شهادات الآيزو وغيرها،
كما تم ترسيخ مفهوم ضمان الجودة في الصناعة الدوائية السورية وانتقل إلى
الصناعات الأخرى، علماً أن الصناعة الدوائية هي الوحيدة في سورية التي
تحتوي على أكبر عدد من الخريجين الجامعيين.
وبين المارديني أنه في عام 1988 أحدثت مديرية الرقابة الدوائية في
وزارة الصحة وفي العام 90 دائرة الرقابة السريرية، وحصل تطور كبير في مجال
الرقابة كما حدثت الوزارة مخابرها، وطلبت من المعامل الدوائية تجهيز
مخابرها ووضعت الوزارة دليل تفتيش jmt، مع دراسة عقود الامتياز وتنفيذ
الزيارات الميدانية على المعامل والجولات التفتيشية الشهرية، حيث أصبحت
المخابر المركزية تراقب المنتج الدوائي قبل تسويقه وتحليل عينات ومراقبة
لاحقة قبل التداول وكذلك تحليل العينات التي تذهب إلى التصدير مع إجراء بعض
الدراسات السريرية للزمر.
خلال الحرب
وأشار المارديني إلى أنه أثناء الحرب الجائرة على البلاد أصبح عدد
المعامل المنتجة 42 معملا” من أصل 63 معملا” كما توقفت العديد من المعامل
عن الإنتاج وانخفضت نسبة تغطية السوق حوالي 70 % ، وتوقف إنتاج بعض الأدوية
بسبب الخسارة الشديدة والعقوبات الاقتصادية التي نالت من المواد الأولية
ومستلزمات الإنتاج الدوائي وكذلك عقوبات على التعاملات المصرفية على مصرف
سورية المركزي، إضافة إلى تأثير سعر الصرف على الإنتاج بشكل كبير وتعثر نقل
البضائع من وإلى سورية نتيجة الحصار، عدا عن الخلل في موارد الطاقة وهجرة
الكفاءات ونقص هائل في اليد العاملة الخبيرة، وأصبحت تكلفة عبوة الشراب
بسبب الحصار أكثر من سعر الدواء، وحصلت مشكلة كبيرة في ضعف العناية بجودة
المواد الفعالة المستوردة، وخاصة الزمر الدوائية الجديدة “استيراد من شركات
غير معروفة ” وسياسة تسعير تقليدية مقابل ارتفاع كبير في أسعار المواد
الأولية المستوردة، ليصبح هناك صنف رابح يحمل صنفا” خاسرا”₩.
التعافي
وبين المارديني أن نسبة توفر الدواء المحلي في مرحلة التعافي عادت
إلى 90% وأصبح عدد المعامل 92 معملاً بوجود 7900 مستحضر دوائي يصنع
محلياً وأصبحت أسعار المتممات الغذائية هي الأغلى، في وقت منحت عدة موافقات
لإنشاء معامل دوائية في محافظات اللاذقية وطرطوس، ولكن الرطوبة العالية
تؤثر على المنتج، كما شجعت وزارة الصحة على إقامة معامل التصنيع لأدوية
الأمراض السرطانية، أما دراسات التكافؤ الحيوي بقيت على الورق فقط، بالرغم
من أننا بلد تصنيع دوائي بامتياز وتحتاج العديد من الأدوية المتاحة محلياً
إلى التكافوء الحيوي “المواد الفعالة “.
ولم يخف المارديني أن شركات الأدوية المحلية هي شركات عائلية على خلاف
الشركات العالمية، وهي مساهمة يعني فصل الإدارة عن رأس المال، وحين تكون
الإدارة مرتبطة برأس المال لا تفكر الشركة بالبحث ولا حتى التطوير، إذ تركز
على الربح فقط، وهنا الصناعة الدوائية تتطلب إمكانيات ضخمة ويجب أن تكون
مساهمة، كما أن مفهوم جودة الدواء بشكله العلمي الصحيح مازال غير واضح.
ويرى المارديني ضرورة فصل الإدارة عن رأس المال وتحويل شركات الصناعة
الدوائية إلى شركات مساهمة، فهذا يساهم في تطوير الصناعة الدوائية، واعتماد
البحث والتطوير منهج عمل، ومنح تسهيلات واسعة لشركات الأدوية لإحداث مراكز
للتدريب والتأهيل، وضرورة إحداث مركز للتكافوء الحيوي والدراسات السريرية
الذي بقي على الورق منذ ثلاثين عاما”، إضافة إلى سعي المجتمع الأهلي إلى
مخبر مرجعي مستقل لمراقبة جودة الأدوية أسوة بدول العالم وهذا من حق
المواطن وتوجيه بعض برامج كليات الصيدلة للتخصص في الصناعة الدوائية في ظل
وجود 22 كلية صيدلة.
عدم التحول
من جهته يشير الخبير في تطوير أعمال الشركات الدكتور ماهر سنجر إلى
جملة من الأسباب التي تحول دون انتقال هذه الشركات لفئة الشركات المساهمة
ومنها المحددات القانونية التي رخصت وأسست هذه الشركات على أساسها، فلم
يطلب منذ بداية تأسيسها أن تكون شركات مساهمة أسوةً بما فرضه قانون المصارف
الخاصة وقانون شركات التأمين، حيث تميزت السوق السورية قبل الأزمة بوفرة
السيولة وتركزها لدى رجال أعمال معينين، إضافة إلى سهولة الحصول على
التمويل اللازم من المصارف دفع برجال الأعمال بعدم التفكير بطرق أخرى
للحصول على التمويل اللازم.
وتابع سنجر: ارتبط اسم وشهرة بعض هذه الشركات باسم العائلة أو باسم
أشخاص محددين من رجال الأعمال، ما دفع بالمصارف إلى منحها القروض استناداً
إلى الضمانة الشخصية وملاءة هذه العائلات وبالتالي أضحت عملية إعادة تقييم
الأصول والالتزامات وفقاً لما نص عليه المرسوم رقم /61/ لعام /2007/ غير
مجدية، عدا عن التداخل بين الأموال الشخصية للملاك وموجودات الشركات وعدم
التطبيق المناسب لمعايير المحاسبة الدولية، ما جعل من الصعب تقييم هذه
الشركات بطريقة صحيحة وفقاً لتوجيهات قانون الشركات رقم /29/.
ورغم تأسيس بعض الشركات بصيغ قانونية مختلفة، إلا أن الإدارة لم تنفصل
عن الملكية في هذه الشركات وارتبطت أكثر فأكثر صورة هذه الشركات بسمعة
المالكين، وبالتالي تحولت سمعة هذه الشركات إلى عائق لتحويلها إلى شركات
مساهمة، لعدة أسباب بما فيها عدم تحديد المرسوم رقم /61/ لكيفية تقيم
الأصول المعنوية في هذه الشركات وخاصة في ظل ارتباطها بسمعة المالكين
أنفسهم.
ولفت سنجر إلى أن تخوف أصحاب هذه الشركات في حال تحويلها لمساهمة من
التدخل بالنشاط الاقتصادي للشركة وفقدان سيطرتهم على القرار وقناعاتهم بأن
قيمة السهم الحقيقية أكثر بكثير من قيمته المحاسبية لغياب الشفافية في
البيانات المالية لهذه الشركات وتخوف المالكين من حدوث مشاكل تؤثر على سمعة
العائلة وعلى استثماراتهم في القطاعات الأخرى المختلفة، ما زاد من
قناعاتهم بضرورة عدم الإقدام على التحول، إضافة لما سبق تفتقد معظم شركات
صناعة الأدوية بشكل أو بآخر لمقومات الحوكمة المطلوبة في الأسواق المالية،
وخاصة ما يتعلق بالشق الهيكلي والتنظيمي للشركة وبتوفر الكفاءات المؤهلة
يفقدها مرونة التحول لشركات مساهمة ويحملها أعباء مالية أكثر للقيام بهذا
التحول.
ويرى سنجر إن التوقف عن منح القروض وجفاف السيولة لن يدفع أصحاب
الشركات بالتحول، لكنه سيحفز الراغبين بتأسيس شركات جديدة باللجوء لسوق
الأوراق المالية للحصول على التمويل اللازم والبدء بتلبية متطلبات الحوكمة
واستقطاب الكفاءات من الصفر، لذا لا بد من الإسراع بدفع هذه الشركات للتحول
من خلال توفير البيئة المناسبة لتذليل المعوقات التي تم ذكرها، وخاصة هاجس
استيلاء الآخرين على الشركة من خلال وضع معايير تتعلق ببيع وتداول أسهم
المالكين كإلزام المالكين بعدم بيع أسهمهم، إلا بعد تقديم نتائج مالية
رابحة لخمس سنوات على الأقل، إضافة إلى تحديد شكل الملكية، فليس من الضرورة
التحول لشركات مساهمة عامة.
وبين سنجر إن وضوح آلية معالجة الإشكالات الضريبية الناتجة عن التحول
سيشجع الكثير من الشركات على اتخاذ هذه الخطوة، كما أن الإسراع بتحديث
القوانين المتعلقة بهذا الشأن ومراجعتها دورياً لتكيفها مع المستجدات
والمتغيرات التي تواجه الشركات وخاصةً العائلية منها أمر حتمي لضمان
استمرارية هذه الشركات، فغالباً ما تكون استمرارية هذه الشركات موضع شك في
حال وفاة أحد الأشخاص الفاعلين من العائلة المؤسسة أو عدم الاستمرار في
اتباع فكره الإداري الذي كان الأساس في النجاح..البعث