إنّ
هذه الزيادات النقدية قد لا تستطيع أن تغطي مقدار التضخم بين عامي
2019-2020، أي إنّ القيمة الحقيقية لمئات مليارات الليرات المتحققة في 2020
أقل قدرة شرائية من المبلغ المحقق في 2019، إلا أنّ هذه الزيادة تدل على
زيادة سنوية في كميات البضائع المنتجة، وهو معيار الزيادة الحقيقية.
فالشركات
الصناعية العامة شهدت رفعاً لأسعار مبيعاتها خلال عام مضى، ولكن الرفعات
الكبرى أتت بمعظمها بعد شهر حزيران 2020: مثل: رفع أسعار الغزول، وأسعار
الإسمنت، وأسعار التبغ، وأسعار منتجات في شركة تاميكو وغيرها.
إن
المؤشرات الأولية التي تعطيها هذه الأرقام تشير إلى أن الصناعات العامة
استطاعت على الأقل أن تحافظ على كميات إنتاجها خلال الأشهر الستة الأولى من
عام 2020، وهو الوقت الذي شهد فيه الاقتصاد العالمي ركوداً استثنائياً حمل
تأثيرات مضاعفة على الاقتصاد السوري بمشكلاته المتراكمة.
ربح 10 من كل 100 ليرة تكاليف
مؤشر آخر من أرقام مؤسسات الصناعة هو معدل الربح، إذ بلغ مجموع الأرباح
المقدرة في النصف الأول من العام الحالي 18 مليار ليرة لكل هذه الشركات،
وهي نسبة لا تتعدى: 9% من قيمة المبيعات. وتدل على أن النسبة الوسطية للربح
مقابل التكاليف تقارب 10%.
وإذا ما قارنا هذه النسبة: 10 أرباح مقابل
كل 100 تكاليف، فإننا نرى تحسناً في كفاءة استخدام الصناعة العامة، ويمكن
مقارنتها بمؤشرات من عام 2015 عندما كانت القيم المضافة المتحققة في
الصناعة التحويلية العامة تقارب 2,3 ليرة مقابل كل 100 ليرة مستلزمات
ونفقات إجمالية... وهذا المؤشر كان في عام 2010 يقارب 8,4 ليرة قيمة مضافة
لكل 100 ليرة مجمل مدخلات.
ما يدل على أن المؤسسات الصناعية العامة أصبحت بالمتوسط أكثر قدرة على تحقيق دخل صافٍ بالقياس للتكاليف.
وطبعاً
بالمقارنة مع وسطي الصناعة التحويلية في القطاع الخاص يبقى المعدل أقل
بكثير، فالصناعة التحويلية الخاصة في عام 2015 حققت مقابل كل 100 ليرة
تكاليف ومدخلات إجمالية، قيماً مضافة تقارب 45 ليرة. (مع العلم أن القيم
المضافة هي أكبر من الربح الصافي ولكنها تتضمنه).
عقلية (ربّ العمل) الحكومي عائق
الحكومة هي ربّ العمل الذي يدير فعلياً اتجاهات الصناعة العامة، وهي
تحقق لها مزايا متمثلة بالعقود الحكومية، وتأمين سوق لهذه المعامل من خلال
حاجات الحكومة ومؤسساتها وشركاتها، ولكن مقابل هذه الميّزة فإن الحكومة كرب
عمل للمصانع العامة تعيق الكثير من تطورها.
ولعلّ اختلال العلاقة يتضح
من كون أرباح هذه الصناعات تذهب للحكومة، وبالمقابل، تحصل مجمل الصناعات
العامة على اعتمادات استثمارية لم تتعد في موازنة 2020: 6,5 مليار ليرة،
وربما لا تنفق بكاملها لأن الموازنة هي بمثابة إعلان نوايا، أمّا الإنفاق
الفعلي الذي يفترض أن تعلنه الحكومة في قطع الموازنات فهو غير معلن وغير
معروف، ولكن بأفضل الأحوال، فإن الحكومة قد أنفقت على الاستثمار في
الصناعات العامة مبلغاً سيصل إلى 6,5 مليار مع نهاية 2020.
وبالمقابل،
فإن أرباح الصناعات العامة تذهب إلى الحكومة، أي: إن الاستثمارات أقل من
الأرباح التي تحققها الصناعات، بينما تغطي الحكومة كتلة أجور قليلة
للصناعات المتوقفة.. تغطيها أرباح الصناعات العاملة.
كما أن هذه
الصناعات لا تستطيع أن تتحرك بمرونة إدارياً، حتى على مستوى الحاجة إلى
العمال، فأغلب الصناعات العاملة تعاني من نقص العمالة والخبرات ولا تستطيع
أن توسّع كادرها في ظل عدم توسيع الملاك، بل تغطي النقص بعقود عمل قصيرة
وغير جذابة نتيجة الأجور المتدنية إلى حد بعيد، والضمانات القليلة في هذه
العقود.
إنّ مرونة الصناعة العامة في الأزمات تأتي من جانبين، الأول:
أنها تمتلك سوقاً داخلية واسعة نسبياً، متمثلة في حاجات الجهات الحكومية
والتعاقد فيما بينها، إضافة إلى أن بعضها لا يزال يمتلك ميزات بعمله في سوق
إنتاج المواد الأولية الأساسية، مثل: امتلاكها لاحتكار التبغ، وامتلاكها
لأكبر معامل الغزول في السوق السورية وغيرها.. أمّا الميزة الأهم، فتتمثل
في معدلات ربحها المنخفضة، والآتية من التسعير وعدم تحريك أسعارها مع
تقلبات التضخم، وهو ما يحقق لها طلباً عالياً في المراحل التي تضطرب فيها
السوق والمنافسون نتيجة عدم القدرة على التسعير، وتبقى منتجاتها تباع
بأسعار أقل من سعر السوق المتحرك مع تحركات الدولار.
إنّ زيادة الإنفاق
الاستثماري على الصناعات العامة لتبديل خطوط الإنتاج، وتوسيع عدد العمال،
وإعادة صناعات هامة متوقفة، يمكن أن تؤدي إلى قفزات في إنتاج ودخل هذه
الصناعة، وفي مجمل النمو الصناعي السوري باعتبارها تؤمن مدخلات إنتاج هامة
وبتكلفة أقل، إنها فرصة لا يتم استغلالها إلا عبر رفع دوري لأسعار منتجات
القطاع العام الصناعي ورغم الحاجة إلى هذا الرفع إلّا أن اللجوء إلى هذا
الإجراء فقط سيفقد الصناعة العامة ميزتها الأساسية.
الأزمات أثبتت أن الملكية العامة أكثر مرونة وقابلية للاستمرار ومواجهة الظروف المعقدة، وذلك لأن السعي إلى أقصى ربح ليس محدد العمل... وكلما تعقدت الأزمات وضاقت الظروف كلما دفعت الظروف نحو إعادة تفعيل هذه البنى الاقتصادية المتوقفة منها، أو العاملة بطاقاتها الدنيا، ولكن ما يعيق هذه العملية حتى اليوم هو تحكم عقلية الفساد والربح الضيقة بمقدار تمويل الصناعات العامة...