تحقيق يسرى ديب :
كل العوامل المؤهبة لوقوع حوادث السير متوافرة بكثرة في
سورية، والنتيجة أكثر من ألفي ضحية سنوياً وعشرات آلاف الجرحى الذين يتحول
الكثير منهم
إلى معوقين.
الإدارة العامة للمرور سجلت خلال النصف الأول من هذا العام 4073 حادثاً،
راح ضحيتها 197 متوفىً في 6 أشهر، وهذه الأرقام غير دقيقة لأنها لا تشمل كل
المحافظات, كـ«إدلب, الرقة, دير الزور, القسم الأكبر من الحسكة, وبعض
مناطق ريف حلب».
الأرقام تشير إلى أن عدد الحوادث لهذا العام سيتجاوز العدد للعام الماضي
الذي وصل إلى 6759 حادثاً، بينهم 856 مصاباً ممن هم دون 18 عاماً، و 1071
ممن تتراوح أعمارهم بين 18-29 عاماً، أما عدد المتوفين من الفئتين
العمريتين فقد وصل إلى 71 متوفىً في ريعان الشباب.
سوء وضع الإطارات
وعن أسباب ارتفاع الضحايا بأعداد الحوادث قال مدير إدارة المرور العميد
جهاد السعدي: إن الإدارة تحصي سنوياً كل ما يتعلق بالحوادث وأسبابها، وأن
حوادث السير في سورية تأتي في المرتبة الرابعة لأسباب الوفاة بعد أمراض
القلب والتنفس والسرطان والأعصاب.
وأضاف العميد السعدي أن المنظومة المرورية حسب التقسيم العالمي تنقسم إلى
ثلاثة عناصر هي: الإنسان، والمركبة، والطريق، وأنه في توزيع المسؤوليات
لأسباب حوادث السير بين هذه العناصر يأتي «الإنسان» في المرتبة الأولى في
قائمة المتسببين بحوادث السير ويشكل نسبة 85%، في حين تشكل المركبة 10% من
مسؤولية الحوادث، و5% بسبب الحالة لفنية للطرقات.
ولكن في الحقيقة مع ظروف الحرب على سورية أصبحت هذه المقاييس لا تنطبق
تماماً على الواقع في سورية، حيث إن الصعوبات الاقتصادية وارتفاع تكاليف
الإصلاح جعلت الكثير من أصحاب وسائل النقل العامة يغضون الطرف عن إصلاح
السيارات حتى يقع المحظور في بعض الأحيان، فمثلاً كان السبب في الحادث الذي
أودى بحياة أربع طلاب جامعيين هو انفجار عجلة الباص على منعطف خطير في
منطقة جبلية مثل طريق «بيت ياشوط – الغاب»، كما بيّن العميد في نتائج دراسة
الأسباب، وكذلك الحال مع سوء شبكة الطرق.
تشير إحصاءات إدارة المرور إلى أن عدد الحوادث التي حصلت بسبب سوء حالة
الإطارات بلغت لغاية النصف الأول من هذا العام 143 حادثاً، وكانت في العام
الماضي 74 حادثاً، وهذا يعني أن العدد في ارتفاع مع ارتفاع أسعار العجلات
الكبير الذي أصبح يشكل ضغطاً كبيراً على أصحاب السيارات العامة والخاصة.
التقليل من خسائر حوادث السير الشغل الشاغل لكل دول العالم، وهي مؤشر على
مدى التطور، مدير إدارة المرور العميد جهاد السعدي يؤكد أنه قبل 2011 كانت
سورية تخسر سنوياً أكثر من 2000 شخص، ونحو 20 ألف إصابة فيها الكثير من
الإعاقات، فقد بلغ عدد الحوادث في عام 2010 أكثر من 31 ألف حادث، راح ضحيته
15 ألف جريج وأكثر من ألفي حالة وفاة.
مشروع قانون
ويأمل العميد السعدي في مشروع القانون الجديد الذي أصبح في مراحله الأخيرة
أن يقلص عدد حوادث السير بعد رفع قيمة الغرامات للمخالفين، بطريقة تؤثر على
السلامة، فقد مضى على آخر تعديل للقانون أكثر من 13 عاماً (2008)، إذ ليس
من المقبول أن تبقى عقوبة من يخالف إشارة المرور 7 آلاف ليرة فقط، وهذا غير
موجود في كل دول العالم، فالجميع يتشددون في العقوبات التي تؤثر في
السلامة, والتعديلات الجديدة التي تعدها لجان تعديل قانون السير ستكون
بمبالغ أكبر بكثير للمخالفين، (من دون أن يفصح عن الرقم).
كذلك من يخالفون ويستخدمون الجوال أثناء القيادة وخاصة ممن يقودون وسائل
مواصلات عامة، حيث تسبب استخدام الهاتف الجوال بأكثر من 100 حادث في النصف
الأول من هذا العام، و615 حادثاً خلال العام الماضي، وبين العميد أن الهاتف
النقال يضاعف أربع مرات من إمكانية وقوع الحوادث بناء على نتائج بحث لإحدى
الجامعات السورية لأنه يشتت انتباه السائق، ويضعف مجال الرؤية بين 100-
135%.
الوقوف على إشارة المرور سلوك حضاري لا يمكن خرقه في معظم الدول المتحضرة،
ولكن يتم تجاوزها بشكل دائم في بلادنا من قبل أشخاص يعدون أنفسهم فوق
القانون أحياناً، وكاستهتار من آخرين في أحيان أخرى، والنتيجة أن عدم
التقيد بالإشارة الضوئية من أكثر مسببات الحوادث، حيث كان عدد الحوادث
الناتجة عن عدم التقيد بالإشارة الضوئية هو الأعلى خلال نصف العام الجاري
ووصل إلى 1047 حادثاً، بينما كان في العام الماضي 412 حادثاً.
هناك حوادث ناتجة عن التوقف والدوران غير النظامي وهذه أيضاً من أهم أسباب
الحوادث حيث سجلت إدارة المرور 893 حادثاً في هذا العام، و 2333 حادثاً
خلال العام الماضي، لهذا السبب.
ومن بين العوامل المسببة للكثير من الحوادث أيضاً موضوع الحمولة
الزائدة، فالسرافيس تحمل أعداداً إضافية, وكذلك سيارات الشحن بغية تحقيق
عوائد أعلى، وقد بلغ عدد الحوادث الناتجة عن حمولة زائدة خلال هذا العام
623 حادثاً، و1518 حادثاً خلال العام الماضي بسبب السرعة الزائدة مقارنة
بـ102 حادث هذا العام.
الطرق
في المقاييس العالمية يتحمل الطريق 5% من أسباب الحوادث، ولكن هذا يختلف
أيضاً في سورية، يقول العميد السعدي: إن طول شبكة الطرق المركزية التي تربط
بين المحافظات يبلغ 8800 كم، وطول الشبكة المحلية التي تربط بين المدن
والبلدات 15 ألف كم.
وفي حين كان يتم العمل على تحسين واقع الطرقات بشكل دائم، تعرضت معظم شبكات
الطرق خلال سنوات الحرب على سورية للتخريب، وأصبحت نسب الخطورة عند
استخدامها أعلى، وكذلك الحال مع المركبات التي تعمل من دون تهيئتها بالشكل
المناسب لنقل الركاب، فقد بلغ عدد الحوادث التي حصلت مع وسائل نقل جماعية
في العام الماضي 1104 حادث ميكروباص، و619 حادثاً مع الباصات.
في دمشق
وفي تقرير خاص لفرع مرور دمشق تبين أن عدد حوادث السير في دمشق بلغ خلال
الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام 1470 حادثاً، ووصل عدد الحوادث التي
تسببت بأضرار مادية إلى 978 حادثاً.
وتبعاً لإحصاءات فرع المرور فقد سجل شهر آذار من العام الحالي العدد الأكبر في الحوادث التي وصلت إلى 340 حادثاً.
وبيّن التقرير أن عدد الحوادث التي وقعت في دمشق خلال العام الماضي وصلت
إلى 3159 حادثاً، توفي على أثرها 68 شخصاً، وتضرر 2035 شخصاً.
وفي قراءته لهذه الأرقام قال الدكتور بشير الصيطري مدير المكتب الصحفي في
جمعية الوقاية من حوادث السير: إنّ سوء وضع المركبات وعدم صيانتها، مع
السرعة الزائدة في المدن أحد أهم أسباب الحوادث.
وأضاف د. الصيطري: إن غياب الالتزام بفكرة الفحص الدوري كل عام قبل تجديد
الميكانيك للمركبات زاد في إهمال الأعطال التي تعانيها السيارات، وإن سوء
تصنيع الهيكل الخارجي وتصفيحه من عوامل الخطورة أيضاً، إضافة إلى رداءة
أنواع القطع المستوردة التي تدخل البلاد.
الصندوق الأسود
ومن القضايا التي طرحتها جمعية الوقاية من حوادث السير أيضاً هي فكرة إلغاء
عمل الصناديق السوداء في البولمانات الحديثة، حيث من مهمة تلك الصناديق
تحديد زمن وصول المركبة وسرعتها، ويرى أن سبب هذا الإجراء إخفاء الدليل على
تجاوز هذه الباصات للسرعة، بغية القيام بأكثر من رحلة في اليوم الواحد،
خاصة للمحافظات البعيدة عن دمشق كاللاذقية وحلب وغيرها.
وبيّن الدكتور الصيطري أن هناك الكثير من المسببات للحوادث كعدم الالتزام
بوضع حزام الأمان خاصة على طرقات السفر، وعدم تغيير الإطارات التالفة،
مشيراً إلى أن المتفحص لبعض حوادث الميكروباصات الحديثة والبولمانات يرى أن
المتضرر الأول هو سقف المركبة الذي يتحطم وينفصل عنها.
ولكل هذا يؤكد الصيطري ضرورة التقيد أكثر بكل عوامل السلامة المرورية،
وضرورة تفعيل الصندوق الأسود ورفع الغرامات على السرعة الزائدة بشكل يفوق
ما تحققه الشركات من أرباح زيادة النقلات.
المطلوب
يستعرض العميد السعدي الكثير من الإجراءات التي يجب اتخاذها للحد من أضرار
حوادث السير قدر الإمكان، ومن بين تلك العوامل ضرورة الاهتمام بإعداد
السائقين في مدارس تعليم قيادة المركبات، وضرورة التشدد في عملية الحصول
على إجازة السوق، وكذلك التشدد بالفحص، وكذلك تجديد وتحديث وسائل السلامة
المرورية كالبنية التحتية وهي الطرق والجسور والأنفاق والرادارات وكاميرات
المراقبة، لأن الحرب على سورية أثرت في كل شيء، وتجديد وسائل السلامة
المرورية، كالشاخصات والإشارات الضوئية.
تجاوز ومخالفات
وعن المطلوب لمنع التجاوزات المرورية التي تحصل وتفقد قانون السير هيبته،
قال السعدي: إنه لا يمكن لأي جهاز مروري بشري السيطرة على الواقع من دون
الاستعانة بالأجهزة الحديثة وغرف عمليات وأجهزة رادار، وكاميرات مراقبة،
وكل هذا يحتاج استراتيجية عمل كبيرة.