«كارلوس غصن: الرحلة الأخيرة» على «شاهد» و كيف تحوّل إلى هارب من العدالة؟ لم يسبق لأحد أن سمع الرواية الكاملة بتفاصيلها على لسان صاحبها
للمرّة الأولى، قرّر كارلوس غصن أن يحكي ما جرى في وثائقيّ «كارلوس غصن: الرحلة الأخيرة» للمخرج البريطاني نيك غرين. على مدى 99 دقيقة، يروي الشريط قصّة مذهلة عن السلطة والسياسة والمال والفساد من خلال حكاية «هوليوودية» بامتياز: نتتبع في العمل وقائع نجاح الرئيس السابق لتحالف «نيسان ــ رينو» في الفرار من اليابان إلى بيروت. عبر صندوق مخصّص لآلة موسيقية
ليلة رأس السنة عام 2019، نفّذ كارلوس غصن خطّة هروبه من طوكيو حيث يواجه تهماً بالتهرّب الضريبي إلى بيروت، مروراً باسطنبول بطريقةٍ هوليوودية مبهرة. نجح الرئيس السابق لتحالف «نيسان ــ رينو» في الفرار داخل صندوق مخصّص لآلة موسيقية، بمساعدة مجموعة من الأشخاص. ما الذي جرى مع رجل الأعمال الشهير البالغ 67 عاماً؟ متى وكيف حدث ما حدث؟ كثيرون تابعوا بعض جوانب الفصول المُقتضبة للقصة التي شغلت الرأي العام والإعلام لفترة طويلة، وراحت تتكشّف تباعاً على صعيد عالمي. لكن لم يسبق لأحدٍ أن سمع الرواية الكاملة بتفاصيلها على لسان صاحبها.
للمرّة الأولى، قرّر كارلوس غصن أن يحكي ما جرى في وثائقي «كارلوس غصن: الرحلة الأخيرة» للمخرج البريطاني نيك غرين، الذي وجد طريقه إلى منصّة البثّ التدفّقي «شاهد VIP» المنضوية تحت مظلّة شبكة mbc السعودية الشهر الماضي، قبل أن يُعرض على BBC4 ضمن سلسلة Storyville الوثائقية. يُعدّ العمل ثمرة إنتاج مشترك بين MBC STUDIOS وشركة ALEF ONE العالمية المتخصصة في إنتاج الأفلام الوثائقية، والتي تتخذ من فرنسا مقراً لها. علماً بأن Carlos Ghosn: The Last Flight عُرِض للمرة الأولى خلال «مهرجان شيفيلد العالمي للأفلام الوثائقية». كان رجل الأعمال اللبناني يتولّى منصب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي في شركة «نيسان»، قبل فراره من اليابان بطريقة فيها الكثير من الأكشن والخيال، تحيلنا إلى أجواء فيلم Midnight Express (إخراج آلن باركر ــ 1978) أو سلسلة «مهمّة مستحيلة». على مدى 99 دقيقة، يروي الشريط قصة مذهلة عن السلطة والسياسة والمال والفساد في عالم صناعة السيارات، فيما يتضمّن مقابلات حصرية مع عدد من الأشخاص، من بينهم زوجتَا غصن، السابقة ريتا قرداحي التي بقيت معه بين عامي 1984 و2010، والحالية كارول نحّاس التي ارتبطت به في 2016. منذ اللحظات الأولى، ينجح «كارلوس غصن: الرحلة الأخيرة» في أسر المشاهد، من خلال بناء تصاعدي للقصة، مثير للاهتمام وبعيد عن الملل. لقاءات بالجملة وكادرات رشيقة وجذابة للعين، معزّزة بموسيقى غامضة. حقيقة أنّ غصن نفسه يتصدّر قائمة المتحدّثين، تضفي على العمل جرعةً كبيرةً جداً من الأصالة، حتى ولو أنّه يبدو أنّ جزءاً كبيراً من الحكاية سيبقى محطّ نزاعٍ إلى الأبد.
وعلى الرغم من أنّ الشريط يلمّح مراراً إلى أنّ غصن قد يكون راوياً غير موثوقٍ به، غير أنّه يبقى متعاطفاً بشكل ملحوظ معه
يأخذنا الفيلم في جولةٍ على أبرز محطات حياة كارلوس غصن المهنية التي جعلت منه إسماً عالمياً لامعاً. يحاول غرين سريعاً الإجابة على سؤال بديهيّ قد يتبادر إلى ذهن المشاهد: ما الذي يجعلنا نهتم برأسمالي ليس من أكثر الشخصيات شعبيةً وقرباً من قلوب الناس؟ المسألة بسيطة، فالفنان الذي يتخذ من لندن مقرّاً له سيتطرّق إلى الأسباب التي أدت إلى سقوط غصن المدوّي وتحوّله من قائد في هذه الصناعة إلى مطلوب فارّ من وجه العدالة، وكيف هرب من الإقامة الجبرية في اليابان ليصل إلى بيروت حيث يقيم حالياً. من المثير للدهشة أنّ الإجابات يقدّمها إلى حدٍّ كبير غصن نفسه، الذي قابله فريق الفيلم في أيلول (سبتمبر) 2020. يشدّد غصن الذي لُقّب بـ Mr. Fix-It (حلّال المشاكل) نتيجة إنقاذه لشركة «نيسان» من الإفلاس الموشك في عام 1999، على أنّه بريء، زاعماً أنّه كان ضحية مؤامرة مؤسّسية لتشويه سمعته. قد يكون هذا مرتبطاً بشراء الحكومة الفرنسية لحصة 15 في المئة في «رينو»، التي كان العقل المدبّر لها وزير الاقتصاد آنذاك إيمانويل ماكرون. صفقةً أرعبت اليابانيّين الذين كانوا يخشون أن يوضع رمزهم الوطني «نيسان» تحت سيطرة الحكومة الفرنسية. «بصفتي برازيلياً نشأ في بيروت، اعتدت أن أكون دخيلاً»، يقول. ثم يخبرنا كيف خرّبت مسيرته العملية واهتمامه الهستيري بالشغل زواجه الأوّل. وعلى الرغم من أنّ الفيلم يلمّح مراراً إلى أنّ غصن قد يكون راوياً غير موثوقٍ به (كالمقابلة مع المدّعي العام الياباني الذي ينتقده بشدّة)، غير أنّه يبقى متعاطفاً بشكل ملحوظ معه. على سبيل المثال، لا يتم استخدام معدّل نجاح المدّعين البالغ 99.4 في المئة لإثبات أنّ المحققين دقيقون قبل توجيه الاتهام إلى شخص ما، ولكن للإشارة إلى افتقار النظام إلى العدالة. زاوية تكتسب مزيداً من الصدقيّة من خلال عنوانٍ فرعي يُخبرنا بأنّ الأمم المتحدة أدانت طول المدّة التي احتُجِز خلالها غصن. في وقتٍ يبدو فيه أنّ غصن قد يبقى محتجزاً في اليابان إلى أجلٍ غير مسمّى، يتولّى الرجل الذي يحمل جوازات سفرٍ لبنانية وفرنسية وبرازيلية زمام الأمور ويرسم خطّة هروبٍ جريئة، بينما يقبع قيد الإقامة الجبرية، بمساعدة خبير أمن خاص أميركي وآخرين. هكذا، وصل إلى وطنه الأم ليلة رأس السنة داخل صندوق كان يُفترض أنّه يحتوي على آلة تشيلّو لا تقدّر بثمن. وصحيح أنّه اليوم ليس بعيداً عن المتاعب لكن «بعيداً عن اليابان». يعيش كارلوس غصن وكارول نحّاس حالياً وسط إجراءات أمنية شخصية مشدّدة في العاصمة اللبنانية، حيث لا معاهدة تسليم مجرمين مع اليابان. وفي غضون ذلك، لا يزال الرجل يواجه 24 قضية قانونية بين فرنسا واليابان. تعليقاً على وضعه الراهن، يقول كارلوس لصحيفة «وول ستريت جورنال»: «لقد فقدت حياتي الأخرى، لكنّني حصلت على حريّتي. كنت لأموت في اليابان. انتهيت». في حين أنّه من الصواب القول إنّ نيك غرين قدّم نسخة متوازنة من القصة، إلا أنّه كان يمكن للعمل أن يستفيد من خطٍ تحريريّ أقوى، أو ربّما كشف هائل يثبت إدانة غصن أو براءته بطريقة أو بأخرى.
|