تراجع دور القطاع
التعاوني وعشوائية نشاط القطاع الخاص.
ارتفاع تكاليف التنفيذ وبالتالي ارتفاع
أسعار الوحدات السكنية.
انخفاض قيمة الليرة السورية أمام القطع
الأجنبي
لجين سليمان
تحت عنوان
"أسس الاستراتيجيات الإسكانية على المستوى الوطني" قدم الطالب "الوزير"
سهيل عبد اللطيف أطروحة للحصول على شهادة الماجستير في الدراسات التخطيطية المتكاملة.
وقد درس الطالب "عبد اللطيف"
الموضوع الذي اختاره لرسالته بطريقة يندر ان تتاح لطالب دراسات عليا في كل أكاديميات
العالم، فهو قبل ان يختار موضوعاً متعلقاً بالحالة السكانية في سورية عمل مديراً عاماً
للإسكان، ثم وزيراً للأشغال العامة والإسكان، وهو المنصب الذي ما زال يشغله حتى الآن،
مما يجعله ايضاً أفضل هدف يمكن إرسال البحث إليه للاستفادة من مضمونه العلمي في رسم
السياسات الإسكانية وتحويل نتائج البحث الاكاديمي إلى برامج ومشاريع.
وحرصاً على وصول
البحث الاكاديمي إلى مصبّه الصحيح، وخشيةً من احتمال وقوع تقصير من التعليم العالي
في إرسال نسخ من البحوث والرسائل الجامعية إلى المؤسسات والجهات المعنية بموضوعاتها،
نقدم فيما يلي تلخيصاً للبحث ونتائجه، مرفقاً بتزكية وتنويه بأهميته، واقتراح للمؤسسات
المعنية (وهي هنا وزارة الإسكان ومؤسساتها) بأخذ هذا البحث بكامل الجدية المطلوبة والاستفادة
منه في خطط عملها، فنحن إذا عبر هذه المادة الصحفية نساهم بايصال البحث الذي أعده الطالب
إلى المعني به مباشرةً، وللصدفة فهما ـ في هذا البحث ـ الشخص نفسه.
البحث
لم يتجاهل الطالب
سهيل عبد اللطيف في مقدمة بحثه، أهمية وجود استراتيجية وطنية متكاملة للسكن، وعدّ أن
"السكن من الحقوق الأساسية للإنسان، لأنه ضروري لتحقيق الاستقرار المجتمعي، فالفرد
من خلال سكنه يتمكّن من تأدية دوره في المجتمع".
ورأى أن "تأمين السكن هو من أولويات
الحكومات "الوطنية" حيث تعمل على وضع السياسات المثلى لتأمين أكبر قدر من
حيازة الناس للمسكن، وإيجاد أواصر التكامل مع القطاع الخاص، وإيجاد وسائل الدعم لتأمين
مزيد من الفرص للحصول على المسكن الملائم للجميع".
وتابع: "حسب
تقرير الأمم المتحدة، فإن السياسة الإسكانية العالمية، تهدف إلى تطوير عملية الإسكان،
وجعلها ممكنة التطبيق، بمساعدة القطاع الخاص والتعاوني، باتباع منهج إداري متطور، يعتمد
تصاميم ذات جودة عالية، وبأقل كلفة ممكنة، وخطط تمويلية قادرة على تطوير الحياة السكنية،
لتوفير ظروف معيشة ملائمة".
"تعتبر
الجمهورية العربية السورية من أوائل الدول التي لحظت ضمن سياساتها الحكومية موضوع الإسكان،
حيث سمح المرسوم التشريعي رقم 49 لعام 1953 لبلديات المدن الكبرى، إنشاء مساكن مدعومة
أو شعبية، لإسكان شرائح محددة، وبيع هذه المساكن نقدا أو تقسيطا لمدة 7 سنوات دون فوائد،
وتلى هذا المرسوم العديد من القوانين والتشريعات التي دخلت حيز التطبيق وساهمت في دعم
قطاع الإسكان".
"رغم
كل الجهود المبذولة لتأمين المسكن، عجزت السياسات الإسكانية عن تأمين الطلب على هذا
المسكن بصورة تواكب التغيرات العالمية والمحلية لعدم وجود استراتيجية إسكانية متكاملة
وبالتالي لم يتحسن الواقع العمراني، وهذا التأخر زاد تعقيد المشكلة فبقيت الجهات الحكومية
عالقة في التزامات قديمة تعيق تقدمها لتحقيق المتطلبات العصرية، حتى أن قسما كبيرا
من السكن المدعوم تحول إلى سكن للتجارة وزادت الفوضى".
"من كل ما سبق تبرز الحاجة الملحة لضرورة
وجود استراتيجية إسكانية متكاملة تأخذ بعين الاعتبار جميع القضايا المتعلقة بسياسات
الإسكان ابتداء من تحديد الاحتياج وصولا إلى تأمين المسكن مرورا بتأمين الأرض المناسبة
والتمويل وضبط سوق العقارات".
"وعليه فإن البحث يقوم بتحليل مجموعة من
التجارب العالمية ومقارنتها بالواقع السوري وأسلوب العمل الحالي للوصول إلى مجموعة
من التوصيات تقودنا إلى مقترح استراتيجية وطنية متكاملة"
إشكالية البحث
بدأ البحث من الإشكالية
كما تقتضي الأصول الأكاديمية، وفيها أقرّ البحث بأن "المشكلة اقتصرت أن آليات
التنفيذ اقتصرت على تحديد حجم الاحتياج من المساكن"
"على الرغم من توجه الحكومة السورية إلى
تطوير سياسات الإسكان لتأمين حيازة أكبر عدد من المواطنين للسكن إلا أن آليات التنفيذ
اقتصرت على تحديد حجم الاحتياج من المساكن وتوزيعه على الجهات المسؤولة ذات الصلة من
خلال الخطط الخمسية قصيرة الأمد مما أسفر عن تراكم للالتزامات أثقل كاهل الجهات المعنية
بالسكن، وأعطى آثارا عمرانية سلبية، كما أخّر من تلبية الطلب على المساكن، وحد من إمكانية
وصوله لجميع أفراد المجتمع".
"تزداد هذه الإشكالية مؤخرا مع تطور العمل
بالتخطيط في سوريا، حيث تمت مؤخرا محاولة ربط السكن بالخطط الإقليمية التنموية إلا
أن غياب التناغم بين الجهات المعنية بالإسكان وعدم تفعيل الإدارة المشتركة والرقابة
حد من الوصول إلى تحقيق هذا الهدف حتى الآن".
"وانطلاقا
مما سبق يظهر غياب استراتيجية شاملة متكاملة للإسكان تضمن العمل على درجة عالية من
التنسيق بين الجهات العامة والخاصة والتعاونية وتضمن أن تكون الالتزامات الإسكانية
محققة بين الجهات كافة".
تساؤلات البحث
إن تطوير استرتيجيات
السكن يعتمد في مضمونة على فهم حقيقة الاحتياج وإجراءات حيازته، في ظل الإمكانات المادية
والاجتماعية المتاحة لذا فإن الوصول حل الإشكالية السابقة يعتمد على الإجابة على التساؤلات
التالية:
ما هو دور تأمين
المسكن في الاستقرار الاجتماعي والديموغرافي؟
ما دور القطاعات العام والخاص والتعاوني
والمشترك في المساهمية في توفير السكن.
كيف يمكن الانطلاق نحو استراتيجية جديدة
متكاملة للإسكان تلبي تطلعات المستقبل وتعالج التراكمات والالتزامات السابقة؟
كيف يمكن للاستراتيجية
أن تضمن تحقيق المساكن المشيدة لأهدافها وعدم تحولها لسلعة تجارية تدخل في سوق المضاربة
العقارية
هل تعد إشكاليات الإسكان ضمن المستوى التشريعي
أم الإجرائي أم كلاهما؟ وما العلاقة بين هذين المستويين ضمن استراتيجية الإسكان؟
ما العلاقة بين الإسكان والتنمية في الاستراتيجة
الإسكانية؟ وكيف يمكن إضفاء بعد تنموي للمناطق السكنية وتطوير أسس التخطيط العمراني
من خلال هذه الاستراتيجية؟
هدف البحث
قرر "عبد اللطيف"
في بحثه فتح صفحة جديدة، من خلال "تتبع مشكلة السياسات الإسكانية وذلك باستقراء
ما مضى من سياسات، تأسيسا لمرحلة رائدة، يتم من خلالها تجاوز أخطاء الماضي وتصويبها
من خلال تحليلها ودراستها والاستفادة من أفضل الممارسات التي اعتمدتها الدول العالمية
الناجحة والاستفادة من التقدم المعرفي في مجالات السياسات الإسكانية."
"بالتالي
يهدف البحث إلى وضع مقترح لاستراتيجية إسكانية شاملة لمعالجة جانب كبير من مشكلة الإسكان
في سوريا".
أهمية البحث
تقع أهمية البحث
على 3 مستويات:
علمية: فالبحث يركز
على قضية السكن الذي يشكل حوالي 80 بالمئة من إجمالي المشيدات المبنية.
زمنية: لأن الاستراتيجية مربوطة بإطار زمني.
مكانية: فتأثير هذا القطاع يمتد على كامل
الجغرافية السورية.
الفصل الثاني
تطرّق "الوزير" خلال الفصل الثاني
من رسالته الماجستير إلى تجارب الدول العالمية في مجال السكن، وتحديدا التجربتين الماليزية
والمصرية.
ووصل إلى عدد من الاستنتاجات فيما يخص كل
تجرية من التجارب، كان منها أن "التجربة الماليزية طبقّت عدة مراحل، شملت على
إدارة عملية الإسكان، عن طريق تسهيل حيازة السكن بجميع شرائح المجتمع، ومتابعة التنسيق
بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص، وأما فيما يتعلّق بمكونات عملية الإسكان، فقد تضمّنت
سكنا اجتماعيا، ونموذج المستوطنات البشرية، وسكن منخفض التكاليف".
كما عرضت الرسالة "محاور التنمية العمرانية
في مصر، وتوزيع المدن المستقلة فيها، والتي هي عبارة عن مدن بنسب استيعابية عالية،
ذات قاعدة اقتصادية، تهدف إلى إنشاء كيانات اقتصادية خاصة، وكذلك تطرّقت إلى توزيع
المدن التابعة، والتي هي عبارة عن مدن تتوضع حول مدينة القاهرة، كان الهدف من إنشائها
كسر حدة الكثافة السكانية في المدينة".
وتوصلت نتائج التجربة إلى أن "السياسة
المصرية في مجال السكن، لم تحقق ماتمّ التخطيط له، حيث تم استيعاب حوالي 800 ألف نسمة
فقط، من أصل 8 مليون نسمة، أي نسبة 10 بالمئة مما هو مخطط له".
وكان من أبرز الدروس والعبر المستفادة من
تجارب البلدان:
-يفضل
تجزئة المشروعات الضخمة إلى وحدات أو أجزاء من مشروعات أصغر، يتم تنيذها على مراحل
متتالية، بحيث تسهل إدارتها، وتوفر الإمكانيات اللازمة لنجاحها.
-تبسيط
الإجراءات الإدارية الخاصة بضبط وتوجيه النمو العمراني بموقع المشروع.
-يجب
على الجهاز الإداري للمشروع التواجد بصفة مستمرّة في الموقع للتعرف على المشاكل ورصد
التغيرات في البيانات والاحتياجات المتغيرة تبعا للمرحلة.
-وضع
برنامج زمني دقيق ومفصل مع توافر الخدمات والمرافق تدريجيا منذ المراحل الأولى لبداية
المشروع.
الفصل الثالث
وأما بعد مرور فصلين من الدراسة، وصل الطالب
"عبد اللطيف" إلى الوضع الإسكاني والسكني السوري، ووضع استراتيجية عملية
للإسكان، بادئا بالتالي:
"تعد
الجمهورية العربية السورية من أوائل الدول العربية التي لحظت ضمن سياساتها الحكومية
موضوع الإسكان، حيث مثل هذا القطاع بجميع أشكاله، ركيزة أساسية للقطاعات كافة في الدولة،
وكان من أولويات السياسات الحكومية."
وأوردت الدراسة بعض القوانين والتشريعات،
التي سنتها الحكومة لتسهيل آلية العمل.
ووضعت الدراسة العام 2006 كحد فاصل بين
واقعين للإسكان في سوريا:
"فقبل عام 2006 كان موضوع الإسكان مدرجا
ضمن قطاع البناء والتشييد، ولم يكن هناك خطة، أما بعد هذه الفترة فقد أردجت خطة لقطاع
الإسكان منفصلة متمثلة بالخطة الخمسية العاشرة، إلا أنه وباعتراف "الوزير"
لم ترتق هذه الخطة إلى مستوى الاستراتيجية وكانت عبارة عن خطط قصيرة المدى وغير متكاملة،
ولم يتم تقييم الخطة بعد انتهاء المدة المخططة لها بسبب الأزمة التي مرت بها البلاد،
ووضعت بعدها الخطة الخمسية الحادية عشر ولم تعتمد".
وأورد "الطالب" نقاط الضعف بالخطة
الخمسية العاشرة:
-عدم
وجود قاعدة بيانات إسكانية شاملة ومنظمة.
عدم تنفيذ الإستراتيجية الوطنية للإسكان
بالشكل الأمثل.
غياب التخطيط الإقليمي الشامل.
تأخر صدور المخططات التنظيمية.
قصور القوانين والتشريعات الضابطة للسكن
عن مواكبة التطورات التي طرأت على الحاجة عدم دخول القوانين الفاعلة حيز التنفيذ.
عدم تأمين أراض مهيأة للبناء واللازمة لتنفيذ
الخطة الإسكانية، وفي حال تأمينها يكون مع إشغالات على معظم الأراضي.
توسع مساحات السكن العشوائي حول المدن الرئيسية
في سوريا على الرغم من صدور عدة قوانين لتشديد العقوبات.
عدم تفعيل دور القطاع الخاص المنظم في العملية
الإسكانية.
ضعف القدرة الشرائية لطالب المسكن وضعف
مستوى الإقراض العقاري وارتفاع معدلات فوائد التمويل
تفاوت مستوى الدخول ما بين القطاع الخاص
والمشترك والحكومي
الاستراتيجية الوطنية
للإسكان في سوريا خلال سنوات الأزمة
أمسك "عبد اللطيف"
العصا من المنتصف، متحدثا عن تراجع الأداء الحكومي تارة، ومرجعا أسباب هذا التراجع
إلى الوضع الصعب خلال الحرب تارة أخرى:
"تراجع
الأداء الحكومي في مشاريع الإسكان خلال السنوات الأخيرة بسبب التأثر بالأوضاع الراهنة
والمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية في المحافظات والمدن والمناطق بسبب نزوح الآلاف
من المواطنين من محافظاتهم ومدنهم ومناطقهم الساخنة التي تعرضت للاعتداءات من المجموعات
الإرهابية المسلحة إلى المناطق الآمنة مما شكل عبئا كبيرا على هذه المناطق من النواحي
كافة الاقتصادية والاجتماعية والخدمية".
"ورغم ذلك سجل القطاع العام ممثلا بالمؤسسة
العامة للإسكان ثباتا ونجاحا ملحوظا في هذه الفترة على الرغم من تعرضه لخسائر جسيمة
لحقت بمشاريعه، من جراء الاعتداءات الإرهابية عليها، عدا عن إشغال أكثر من 9000 وحدة
سكنية في مختلف المحافظات من قبل المواطنين المهجرين على مدى السنوات الماضية، بالإضافة
إلى بقاء الآلاف من هذه المساكن التي كانت بعهدتها (منفذة غير مخصصة- قيد التنفيذ)
خارج سيطرتها بسبب وقوعها في مناطق ساخنة".
"وفيما
يخص الأطر التشريعية الناظمة لعمل قطاع الإسكان في هذه المرحلة فقد صدرت العديد من
التشريعات التي أعادت تنظيم عمله، والتي كان من شأنها تعديل الكثير من المواد التي
كان لها أثرا إيجابيا على الواقع وعلى المستهدف الرئيس وهو المواطن"
إن معادلة العرض والطلب والفجوة بينهما
كان خارج إطار السياسات الحكومية بسبب الأوضاع الحالية لأسباب عديدة أهمها:
عدم وجود بيانات فعلية ومؤشرات حقيقية عن
كل من العرض والطلب بسبب المتغيرات التي حدثت نتيجة الحرب
اقتصار النشاط الإسكاني الفعال حاليا على
القطاع العام، وبشكل رئيس نشاط المؤسسة العامة للإسكان، التي تحملت العبء الأكبر لسد
فجوة النشاط السكاني وعلى الرغم من كفاءتها وتوسع عملها وتطوير بنيتها وأدواتها إلا
أنها ما زالت تواجه الكثير من الصعوبات التي حدت من تقدمها بخطى واسعة كما كان مخططا
لها.
تراجع دور القطاع التعاوني وعشوائية نشاط
القطاع الخاص.
ارتفاع تكاليف التنفيذ وبالتالي ارتفاع
أسعار الوحدات السكنية.
انخفاض قيمة الليرة
السورية أمام القطع الأجنبي.
نتائج البحث
توصلت الدراسة النظرية إلى النتائج التالية:
إن تأمين المسكن
له دور مهم في تحقيق الاستقرار الاجتماعي والديموغرافي
إن مفهوم السكن يتغير استجابة للتيارات
الفكرية السائدة في كل مرحلة وبالتالي لا يقتصر على البعد الاجتماعي فقط بل يتجاوز
ذلك ليشمل البعد الاقتصادي أيضا.
من خلال الدراسة التفصيلية لأنواع المساكن
تبين أن السياسة الإسكانية الشاملة يجب أن تتضمن خطط لتنفيذ عدة نماذج سكنية وذلك تبعا
للحالة الاقتصادية للشريحة المستهدفة.
وتضمنت النتائج أيضا:
إن غياب خطة تمويل
مدروسة أثر على أداء المؤسسة العامة للإسكان وجعلها تعمل كبنك إضافة إلى المهام الأخرى.
إن غياب خطة لتأمين
الأراضي الصالحة للبناء أحد أسباب عدم قدرة المؤسسة العامة للإسكان على الإيفاء بالتزاماتها.
|