سيريا ستيبس – علي محمود جديد
فيما وافقت اللجنة العليا للسكن
العمالي يوم أمس الاثنين على تخصيص 958 مسكناً عمالياً موزعة على محافظات ريف دمشق
وحلب وطرطوس والسويداء، تتمكن من خلالها / 958 / أسرة سورية أن تعيش بطمأنينة بعد
أن عنى لهم هذا التخصيص وجود مسكنٍ على هذه الأرض لهم، فإن / 529 / أسرة تسكن في /
529 / مسكناً عمالياً في ضاحية مطار دمشق الدولي، يعيشون أقصى حالات القلق من
إخلائهم والخوف من تشردهم، بسبب مواجهتهم لمخاطر الإخلاء التي نغّصت حياتهم منذ
نحو عشرين عاماً وبشكل متتابع ومتدرّج، دون أن يتمكنوا من حل هذه القضية الظالمة،
ما أفقدهم الطمأنينة، وزاد في أعماقهم خوف الاقتلاع من هذه الأرض.
هذه الصورة الغريبة المتناقضة تحصل
اليوم فعلاً على الرغم من أنّ اللجنة العليا للسكن العمالي هي نفسها التي قامت
بتشييد هذه المساكن في الحالتين عن طريق المؤسسة العامة للإسكان، وبتمويل من صندوق
الدين العام، وهذا أمر في غاية الأهمية يثبت الظلم الواقع على ساكني ضاحية المطار
والذي سنوضحه لاحقاً، وفيما لم تُسلّم مخصصات الأمس من المساكن بعد، فإن مساكن
ضاحية المطار قد سلّمت بموجب عقود رسمية منذ عشرات السنين إلى أصحابها بطبيعة
الحال، وإذ بهم ليسوا بأصحابها ..!
نمط السكن العمالي
كان المعروف قبل العام 2002 أنّ السكن
العمالي في سورية هو عبارة عن مساكن تبنيها الدولة من خلال إشراف لجنة شُكّلت لهذه
الغاية اسمها ( اللجنة العليا للسكن العمالي ) على أن تبقى ملكية هذه المساكن
عائدة للدولة، تخصص للعاملين فيها للاستفادة من المساكن بشكلٍ مؤقت، بحيث يخصص كل
مستفيد بمسكن يشغله كمستأجر للمسكن من الدولة طوال فترة ارتباطه بعمله معها، إلى
أن يستقيل أو يتقاعد، وبشكل مريح بعيداً عن أي إرهاق مالي، إذ كان بدل الإيجار لا
يتعدى ( 10% ) من الراتب فقط، أيّاً كان حجم الراتب.
وقد استطاعت هذه المساكن العمالية
بالفعل أن تُنقذ عشرات آلاف العاملين في الدولة وأسرهم من هموم السكن ومصاعبه
وتكاليفه الباهظة، وشكلت حالة استقرار كبير للعاملين المستفيدين.
خلال فترة استثمار هذه المساكن منذ
ثمانينات القرن الماضي، وحتى بدايات القرن الحالي ظهرت العديد من الحالات
الإنسانية والفنية المعقدة التي دفعت باتجاه ضرورة حلها.
فإنسانياً ظهرت بعض الحالات التي تعرض
فيها عدد من الشاغلين إلى الوفاة، وبحسب نظام السكن العمالي يصير على أسرة العامل
المتوفي أن تخلي المسكن، ولكن الزوجة والأبناء كان بعضهم يرتبط بالعمل في الدولة
أيضاً، وبعض الأبناء ارتبطوا بمدارس وجامعات قريبة، وكذلك ظهر بعض المتقاعدين الذين
يكونون قد أفنوا حياتهم في خدمة الدولة، وبعضهم كان قد بذل في سنين الخدمة خبرات
ومبادرات كبيرة لمصلحة الدولة، ومع انتهاء خدماته لا يدري إلى أين سيذهب، فمن غير
المعقول أن لا تراعى أسرة ذلك المتوفي، أو أسرة هذا المتقاعد.
وفنياً تبيّن أن بقاء ملكية المساكن للدولة
أبعد الشاغلين عن إمكانية الاهتمام بالمساكن ومرافقها وصيانتها عند الضرورة، لأن
مثل هذه الأعمال قد تحتاج إلى موافقة المالك، أي الدولة، كما أن الشاغلين ليسوا
مضطرين لإنفاق الأموال على صيانة عقارات لا يملكونها.
وانطلاقاً من هذه المعطيات وربما غيرها
اتخذ القرار بتغيير هذا النمط والعمل على مراعاة هذه الحالات وعلى تحفيز الشاغلين
نحو الاهتمام بالمساكن والعمل على صيانتها جيداً، وكان هذا في عام 2002 ، فماذا
جرى في هذا العام ..؟
المرسوم التشريعي 46 لعام 2002
بالفعل كان المرسوم التشريعي رقم ( 46
) لعام 2002 الذي أصدره السيد الرئيس بشار الأسد، هو الحل الأسلم، حيث قضى بتمليك
هذه المساكن للشاغلين.
فقد جاء في المادة الأولى من هذا
المرسوم :
تؤول ملكية العقارات ومساكن وأبنية
السكن العمالي المشادة من قبل اللجنة العليا للسكن العمالي إلى ملكية المؤسسة
العامة للإسكان وتسجل باسمها في السجل العقاري.
وفي المادة الثانية :
تقوم المؤسسة العامة للإسكان بتمليك
المساكن العمالية المشار إليها في المادة / 1 / من هذا المرسوم التشريعي للشاغلين
المخصصين وفقاً لقرار رئيس مجلس الوزراء رقم / 117 / لعام 1988 وتعديلاته أو
الشاغلين غير المخصصين الذين تنطبق عليهم شروط التخصيص الواردة في هذا القرار
استناداً إلى جداول أسمية يتم إعدادها من قبل لجنة تشكل لهذه الغاية بقرار من رئيس
مجلس الوزراء ومصدقة منه.
ثم يتناول المرسوم مراحل وكيفية
التمليك وبعض القضايا الإجرائية، إلى أن يقر في المادة الثامنة منه على :
يسمح لوزارة المالية – ( صندوق الدين
العام ) منح المؤسسة العامة للإسكان قروضاً بدون فائدة لإشادة مساكن للعاملين في
الدولة ( تمليكاً ) وبما لا يتجاوز ثلاثمئة مليون ليرة سورية سنوياً.
قواعد التمليك الواضحة
إذن قواعد التمليك الواضحة بُنيت على
أن تكون المساكن مشادة من قبل اللجنة العليا للسكن العمالي، وضاحية المطار مشادة
من قبل هذه اللجنة، وأن تكون أموالها من صندوق الدين العام، وضاحية المطار هي كذلك
أيضاً، وأن تكون مبنية من قبل المؤسسة العامة للإسكان، وهي كذلك فعلاً، أي لا توجد
أي مؤسسة حكومية أخرى قد بذلت أي تكاليف في البناء.
ماذا حصل ..؟
كان من الطبيعي أن تتحول ملكية مساكن
ضاحية المطار إلى الشاغلين تلقائياً، غير أن هذا لم يحصل إلى اليوم، وما يزال
الشاغلون يصطدمون بين وقت وآخر بإنذارات الإخلاء كما يحصل معهم اليوم ..!
موقف اتحاد العمال
المعروف أن الاتحاد العام لنقابات
العمال هو شريك أساسي في لجنة تمليك المساكن العمالية وكذلك تسعيرها، وذلك طبقاً
للمرسوم 46 لعام 2002 أيضاً، فماذا كان موقفه من مآسي أبناء ضاحية المطار، وهو
نصير العمال والمدافع عن حقوقهم ..؟
والواقع هو أنه فور حرمان ضاحية المطار
من تشميلها بالمرسوم 46 بدأت تظهر المآسي والحالات الصعبة التي أوردنا بعضها
سابقاً، وبتاريخ 1 / 9 / 2004 م وجه الاتحاد العام لنقابات العمال كتاباً شديد
الوضوح للسيد رئيس مجلس الوزراء آنذاك .. جاء فيه : ( نرفق لكم طياً معروض العمال
المحالين على التقاعد وأسر المتوفين القاطنين في المساكن العمالية في مطار دمشق
الدولي والمتضمن أن السيد وزير النقل بقراره رقم / 825 / تاريخ 10 / 6 / 2004م قد
أصدر تعليماته بإخلاء المذكورين من مساكنهم ، علماً بأن هذه المساكن قد شيّدت من
قبل اللجنة العليا للسكن العمالي عن طريق المؤسسة العامة للإسكان ومن صندوق الدين
العام وسلّمت بموجب عقود رسمية وأصولية موقعة مع المؤسسة العامة للإسكان والبالغ
عددها / 529 / مسكناً، حيث يقوم العمال بتسديد كل ما يترتب عليهم من أجور ( يتم
اقتطاع 10% كأجر شهري من الأجر المقطوع والتعويضات الثابتة للعامل ) لقاء
استثمارهم هذه المساكن، وإذا تم إخلاء العاملين من مساكنهم فإنه سيخلق حالة
اجتماعية صعبة لدى الأخوة العاملين القاطنين في هذه الضاحية كونهم لا يملكون أي
مسكن آخر.
واستناداً إلى تعميمكم رقم 5 / 9 / 31
/ تاريخ 2 / 1 / 2001 / المتضمن الموافقة
على اقتراح تعديل المادة التاسعة من نص العقد النموذجي لاستثمار المساكن العمالية
بحيث تُستثنى حالتي التقاعد والوفاة من حالات الإخلاء.
يرجى الاطلاع والتكرم بمساعدة الأخوة
العاملين بإبقائهم في مساكنهم .. نشكر تعاونكم )
إلى اتحاد العمال
نحن بدورنا نتوجه اليوم إلى الاتحاد
العام لنقابات العمال برجاء العمل الحثيث على سحب ذلك الشكر المزمن منذ العام 2004
، لأن الحكومة منذ ذلك الوقت وإلى اليوم لم تتعاون والمشكلة المأساة ما تزال
مستمرة، ولذلك لا داعي لهدر ذلك الشكر عبثاً.
الأخوة في اتحاد العمال : بعد أن
تسحبوا هذا الشكر الذي في غير محله، نأمل أن تتوجهوا من جديد لرئيس مجلس الوزراء
الحالي السيد حسين عرنوس، والذي قد يستجيب هذه المرة ويبادر إلى حل هذه المشكلة
بتشميل مساكن ضاحية المطار بالمرسوم 46 لعام 2002 لأنه من المناصرين للطبقة العاملة، وقد أشار في تصريح له منذ فترة بأنه من
هذه الطبقة، فلعله جادٌّ فيما يقول .. أنتم جرّبوا وضعوا هذا المطلب المحق أمامه،
قبل أن تنفذ الإنذارات بالإخلاء التي يتلقّاها اليوم الأخوة العاملون الساكنون في
ضاحية المطار .. جربوا .. والاتكال على الله.
|